• ×

03:06 مساءً , الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024

خطبة الجمعة 16-11-1437هـ بعنوان صُلْحُ الحُدَيبِيَةِ حِكَمٌ وَأَحْكَامٌ ( 2 )

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله وحدَه أنجزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبدَهُ وَهَزمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ,نشهدُ ألا إله إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا نعبدُ أَحَدَاً غَيْرَهُ,وَنَشهَدُ أنَّ محمداً عَبْدُ اللهِ ورسولُهُ,صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ وصحبِه,وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحسَانٍ إلى يومٍ يُلاقِي فيهِ العبدُ رَبَّهُ.أمَّا بَعدُ.فَيَا سَعَادَةَ* مَنْ كانتِ التَّقوى لِبَاسَهُ:وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ.فَاتَّقُوا اللهَ يَامُؤمِنُونَ واعلَمُوا أَنَّ رَسُولَنا هُوَ الأُسْوَة ُ والإمامُ,بِنورِ شَريعَتِه نَهتدي وَعَليها نَسِيرُ,وحينَ تحدَّثنا في الجُمعةِ الماضية عن صَدِّ قُريشٍ لِرَسُولِ اللهعَنْ أَدَاءِ العُمُرةِ فَقَدْ بَيَّنَّا أنَّ الرَّسُولَ الكَرِيمَ قَدْ سَلَكَ جَمِيعَ الطُّرقِ السِّلميَّةِ وَسَبـَّقَ لَهُمُ الهُدْنَةَ وَالمُصَالَحَةَ إلاَّ أنَّ قريشاً صَمَّمَتْ على الصَّدِّ وَالقِتَالِ!عندَ ذلِكَ بايعَ رسولُ اللهِأَصحَابَهُ على المَوتِ وأَلاَّ يَفِرُّوا,حِينَهَا أَرسَلَتْ قُرَيشٌ سُهَيلَ بنَ عمروٍ وكان معروفاً بالحِنكَةِ والحكمةِ والدَّهاءِ!وَلَقَدْ اسْتَبْشَرَ الرَّسُولُ بِالرَّجُلِ وبَشَّرَ أَصحَابَهُ أنَّ القَومَ أَرَادُوا صُلْحَاً!***************** جَلَسَ الفَرِيقَانِ لِلتـَّفاوضِ,وَاتَّفَقُوا على بُنودٍ قَاسِيَةٍ وَغَرِيبَةٍ!السَّامِعُ لَهَا لِلوهْلَةِ الأُولَى يَرى أنَّ فِيها ظُلْمَاً وَإجْحَافَاً على الرَّسُولِ والصَّحَابَةِ الذينَ بَقُوا مُنْتَظِرِينَ أَكْثَرَ مِنْ عِشرِينَ يَوماً!مَمْنُوعِينَ عَنْ البَيتِ الحَرَامِ* لا لِشَيءٍ إلَّا أَنَّهم مُسلِمونَ!وَمَعَ ذَلِكَ فَقْد قَبِلَ الرَّسُولُ هَذِهِ الشُّرُوطَ!عِبَادَ اللهِ: اسْتَمِعُوا لِلشُّرُوطِ وَتَأَمَّلُوهَا!وَتَصَوَّرُوا أنَّكُمْ مَكَانَ الصَّحابةِ الكِرَامِ فَمَا ذَا عَسَاكُم تَفعَلُونَ؟. ************أوَّلُ الشُّروطِ:أنَّ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ أَنْ يَرجِعوا فَلا يَدْخُلُوا مَكَّة َعَامَهُمْ هَذَا!ثانياً:مِن حقِّ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ أَنْ يَأْتُوا العَامَ القَادِمَ لِيقْضُوا مَنَاسِكَهُمْ.ثَالِثَاً:تَلْتَزِمُ قُرَيشٌ بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلْمُسلِمِينَ حِينَ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ الأَذَى.رَابِعَاً:يَلتَزِمُ المُسلِمُونَ بِعَدَمِ حَمْل ِالسِّلاحِ في مَكَّةَ إلاَّ سِلاحَ الرَّاكبِ وَيَبْقَوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَقَط.خَامِسَاً:وَضْعُ الحَربِ بَينَهُم عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ النَّاسُ فِيها وَيَكُفُّ بَعضُهم عَنْ بَعْضٍ.سَادِسَاً:يَلتَزِمُ مُحَمَّدٌ بِأَنْ يَرُدَّ على قُرَيشٍ كُلَّ مَنْ جَاءَ مِنْ أَبْنَائِهَا بِغَيرِ إِذْنِ وَلِيِّـهِ وَلَيسَ عَلى قُرَيشٍ ذَلِكَ.سَابِعُ الشُّروطِ:مَنْ أَحبَّ أنْ يَدخُل فِي عَقْدِ قُريشٍ* فَلَهُ ذِلِكَ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ فَلَهُ ذَلِكَ وَأَيُّ تَعَرُّض ٍعلى تِلْكَ القَبَائِلِ يُعدُّ عُدْوَاناً على المُتَحَالِفَينِ.عِبَادَ اللهِ:انْتَهَتِ الشُّرُوطُ وَبَقِيَ تَوثِيقُها وَكِتَابَتُها!فَلَقَدْ أمرَ رسولُ الله عليَّ ابنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ,وَقَالَ اكْتُبْ بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ فَاعْتَرَضَ سُهَيلٌ وَقَالَ: أَمَّا الرَّحمنُ فَلا نَدْرِي مَا هُو؟وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ الَّلهُمَّ,فَقَالَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ الَّلهُمَّ.هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلِيهِ رَسُولُ اللهِ,فَاعْتَرَضَ سُهَيلٌ وَقَالَ:لَو أَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقَّاً مَا خَالفْتُكَ,اكْتُبْ اسمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ!فَلَمْ يَسْتَطِعِ الصَّحابَةُ رِضْوانُ اللهِ عَلَيهِمْ تَحَمُّلَ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَضَجَّوا وَثَارَتْ ثَائِرَتُهم!وَرَسُولُ اللهِ يُسَكِّنُهُمْ!وَيَقُولُ:اكْتُبْ مُحَمَّدَ بنَ عَبدِ اللهِ!ثُمَّ دُوِّنَتِ الشُّرُوطُ فِي نُسْخَتَينِ وَخُتِمَتْ مِنَ الطَّرَفَينِ.فَكانَتْ مُعَاهَدَةً تَارِيخِيَّةً غَرِيبَةً عَجِيبَةً!وَلكِنْ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ولا نَقُولُ إلاَّ سَمِعنَا وَأَطَعْنَا!هَذَا رَسُولُ اللهِ وَهُو لا يَنْطِقُ عَن الهَوى.أَيُّها المُؤمِنُونَ:تَصَوَّرُوا أَنَّ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ بَعْدَ كِتَابَةِ المُعَاهَدَةِ وَالشُّرُوطِ,قَدْ أَخَذَهُمُ الهَمُّ وَالْحَزَنُ كُلَّ مَأْخَذٍ,فَلَمْ يَكُونُوا يَتَصوَّروا أَنْ يُردُّوا عَنْ مَكَّةَ بِلا سَبَبٍ وَهُمْ عَلى مَقْرُبَةٍ مِنْهَا!لَمْ يَستَطِيعُوا أنْ يَتَصَوَّرُوا أَنْ يَقْبَلَ الرَّسُولُ الشَّهْمُ الشُّجَاعُبِهذِهِ الشُّروطِ القَاسِيَةِ!وَهُو الذي وَعَدَهُم بِدُخُولِ مَكَّةَ!مَا لذِيَ حَمَلَ رَسُولَنَاعلى قَبُولِهَا؟حِينَهَا اعْتَرَضَ صَحَابَةٌ كِرَامٌ دَفَعَتْهُمُ الغَيرَةُ والحَمِيَّةُ لِدِينِ اللهِ تَعَالى!مِنْهُم فَارُوقُ الأُمَّةِ!فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ,أَلَسْتَ رَسُولَ اللهِ حَقَّاً؟قَالَ:بَلَى.قَالَ عُمَرُ:أَوَ لَسْنَا بِالمُسْلِمِينَ؟ قَالَ:بَلَى.قَالَ:أَوَلَيسُوا بِالمُشْرِكِينَ؟قَالَ:بَلَى.فَقَالَ:فَعَلامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟فَقَالَ:إنِّي رَسُولُ اللهِ وَلَسْتُ أَعْصِيْهِ,أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَلَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ وَلَنْ يُضَيَّعَنِي.قَالَ:أَوَ لَسْتَ كُنتَ تُحَدِّثَنَا أَنَّـا سَنَأْتِي البَيتَ فَنَطُوفَ بِهِ؟ قَالَ:بَلَى,فَهَلْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّـا نَأْتِيهَ العَامَ؟قَالَ عُمَرُ:لا ثُمَّ قَالَبِكُلِّ ثِقَةٍ وَيَقِينٍ:فَإِنِّكَ آتِيهِ وَمُطوِّفٌ بِهِ.فَذَهَبَ عُمَرُ إِلى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما وَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ, فَقَالَ أبُو بَكْرٍ:يَا عُمَرُ إِلْزَمْ غَرْزَهُ فإنِّي أَشْهَدُ أنَّه رَسُولُ اللهِ وَأَنَّ الحَقَّ مَا أَمَرَ بِهِ وَلَنْ نُخالِفَ أَمْرَ اللهِ وَلَنْ يُضَيَّعَهُ اللهُ,ثمَّ خَرَجَعَلَى أَصْحَابِهِ بَعْدَ مَا انْتَشَرَ خَبَرُ المُعَاهَدَةِ,وَأَمَرَهُم أَنْ يَنْحَرُوا هَدْيَهم وَأَنْ يَحْلِقُوا رُؤُوسَهُم وَأَنْ يَستَعِدُّوا لِلعَودَةِ لِلمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ,فَشَقَّ عَلَيهِمْ ذَلِكَ وَأَصَابَهُمْ وُجُومٌ وَدَهْشَةٌ مَنَعَتْهُمْ مِنْ عَدَمِ المُبَادَرَةِ لِتَنْفِيذِ أَمْرِ الرَّسُولِ الكَرِيمِ الصَّادِقِ الأَمِينِ!كَرَّرَ عَلَيهِمْ *فَلَمْ يَفْعَلُوا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ جَمِيعَاً!حِينَهَا لَمْ يُصَادِمْهُمْوَلَمْ يُعَنِّفْ عَلَيهِمْ لِعِلْمِهِ بِشِدَّةِ وَقْعِ الأمْرِ عَلَيهِمْ!لَكِنَّهُ دَخَلَ خَيمَتَـَهُ,مَغمُومَاً مَهمُومَاً,كَيفَ أَنَّ أَصْحَابَهُ يَرَونَهُ بِأُمِّ أَعْيُنِهِمْ,وَيَسْمَعُونَهُ مُبَاشَرةً,ثُمَّ لا يُنَفِّذُونَ أَوَامِرَهُ!فَخَشِيَ عَلَيهم مِنْ عِقَابِ اللهِ لَهُمْ!فَقَالَتْ أمُّ سَلَمَةَ رَضِي اللهُ عَنها: يَا رَسُولَ اللهِ أُخْرُجْ إِلَيهِمِ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدَاً مِنْهُم حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَا حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ, فَخَرَجَ إِلَيهِمْ فَلَمْ يُكلِّمْ أَحَدَاً فَنَحرَ بُدْنَهُ,وَحَلَقَ فَلَمَّا رَآهُ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ عَظُمَ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِم فَقَامُوا وَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُم يَحلِقُ بَعْضَاً,حَتَّى كَادُوا يَقْتَتِلُونَ غَمًّـا لِمَا صَنَعُوا,ثُمَّ أَرْسَلَبِعِشْرِينَ بَدَنَةً هَدْياً لِأَهْلِ الحَرَمِ فنُـحِرَتْ عِنْدَ المَرْوَةِ وَقُسِّمَ لَحْمُها عَلى أَهْلِ مَكَّةَ,وَعَادَ إِلَى مَدِينَتِهِ بِنَصْرٍ عَظِيمٍ وَفَتْحٍ مُبِينِ,ذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتابِهِ المُبِينِ, بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا *لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا* وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا.أَقولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ يَقْضِى بِالحَقِّ وَهُوَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ,نَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَرِيكَ لَهُ نَاصِرُ المُتَّقِينَ,وَنَشهَدُ أَنَّ مُحمَّداً عبدُهُ وَرَسُولُهُ المُصْطَفى ُالأَمِينُ,صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحسَانٍ وَإيمَانٍ إِلى يَومِ الدِّينِ.أمَّا بَعْدُ:فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ تُقَاتِهِ,وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلهِ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ فِي كُلِّ يَقْضِي وَيُقَدِّرُ فَرَبُّنَا عَلِيمٌ حَكِيمٌ,وَقَدْ قَالَ فِي مُحكَمِ التَّنْزِيلِ:وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.نَعَمْ عِبَادَ اللهِ:لقد جَعَلَ اللهُ فِي المُعَاهَدَةِ خَيراً كَثِيرَاً وَنَصْرَاً مُبِينَاً, فَلَقَدْ عبَّرَ عَنْهَا رَسُولُنَابِعَظِيمِ فَرْحَتِهِ عِندَ تِلاوَتِهِ:إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا.فَقَالَ:أُنْزِلَتْ عَلَيَّ الَّليلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِليَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيهِ الشَّمْسُ.قَال الصَّحَابَةُ هَنِيئَاً مَرِيئَاً فَمَالَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا.قَالَ البَرَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَنَحْنُ نَعُدُّ الفَتْحَ بَيعَة َالرِّضَوانِ يَومَ الحُدَيْبِيَةَ.مَعَاشِرَ المُؤمِنِينَ لَقَد ذَكَرَ العُلَمَاءُ مِن القِصَّةِ حِكَمَاً لا تَنْقَضِي وَدُرُوسَاً قَدْ لا تَخْطُرُ لأحَدِنَا على بَالٍ:ألا تَعْلَمُونَ أنَّ هذا الصُّلحَ صَارَ سَبَبَاً لانْتِشَارِ الدَّعوةِ الإسْلامِيَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ فَقَدْ تَبَيَّنَ للنَّاسِ أنَّ دَعْوَةَ الإسْلامِ تُرِيدُ تَعْبِيدَ النَّاسِ لِلهِ تَعَالَى *لا إِرَاقَة َ الدِّمَاءِ,كَمَا تُصَوِّرُها قُرَيشٌ وأَذْنَابُها!وَمِنْ هُنا نُنَاشِدُ وَنُحَذِّرُ كُلَّ صَاحِبِ فَكْرٍ ضَالٍّ وَمُنْحَرِفٍ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ تَعَالَى فَدِينُ اللهِ هِدَايَةٌ وَرَحْمَةٌ!فَبِأَيِّ مَنْطِقٍ يُفَكِّرُ الدَّوَاعِشُ الضُّلالُ؟وَمِنْ أيِّ شَرْعٍ يَنْطَلِقُونَ؟فَواللهِ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ!بَيَّنتِ الحَادِثَةُ حُبَّ الصَّحَابَةِ الكَبِير لِدِينِ اللهِ وَلِرَسُولِهِ الكَرِيمِ وَلِبيتِ اللهِ الحَرَامِ فَقَدْ تَحَمَّلُوا كُلَّ شَيءٍ لأَجْلِ أَدَاءِ العُمْرَةِ.فَمَا بَالُ كَثِيرٍ مِنَّا تَيَسَّرتْ لَهُمُ السُّبُلُ وَلا يُبَالُونَ بِأَدَاءِ حَجٍّ ولا عُمْرَةٍ!إنَّهُ واللهِ الحِرْمَانُ والخُذْلانُ. بَيَّنَتِ القِصَّةُ:أهَمِيَّةُ حِلْمِ القَائِدِ,وَطُولِ صَبْرِهِ حِفَاظَاً عَلى الأَنْفُسِ,وَتَعْظِيمَاً لِلْحُرُمَاتِ,وَحِرْصَاً على وِحْدَةِ الصَّفِّ وَجَمْعِ الكَلِمَةِ.مِنَ الدُّرُوسِ حَزمُ النَّبِيِّحَيثُ بَايَعَ أَصْحَابَهُ عَلى المَوتِ وَأَلاَّ يَفِرُّوا,وَهكَذَا القَائِدُ المُحَنَّكُ إذا جَدَّ الجِدُّ واسْتَنْفَذَ كُلَّ طُرُقِ الإصْلاحِ فَليسَ لِعَدُوِّ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ إلَّا السَّيفُ!أيُّها المُؤمِنُونَ:لَقَدْ رَسَمَ لَنَا رَسُولُناعَمَلِيَّاً أهَمِّيَةَ الفَأْلِ الحَسَنِ حتَّى فِي أَحْلَكِ الظُّرُوفِ وَأَقْسَاهَا!وَنَحْنُ اليَومَ أَشَدُّ مَا نَكُونُ إلى نَتَمَثَّل ذَلِكَ,مَعَ أنَّ بِلادَنَا تَمُرُّ بِحَرْبٍ فِي الجَنُوبِ,وَمُرَابَطَةٌ فِي الشَّمَالٍ,وَمَعَاصٍ هُنَا,وَحَفَلاتٌ غِنَائِيَّةٌ سَاقِطَةٌ هُناكَ,وَدَعَواتٌ سَافِرَةٌ لإقَامَتِهَا فِي عَدَدٍ مِنْ المَنَاطِقِ,وَرَقْصٌ على الجِرَاحِ,واللهُ المُستَعَانُ,وَمَعَ ذَلِكَ يامُؤمِنُونَ:فَدِينُ اللهِ غَالِبٌ وَمَنْصُورٌ,وَعَدُوُّهُ مَغْلُوبٌ وَمَقْهُورٌ.عِبَادَ اللهِ:لَقَدْ رَبَطَ رَسُولُناالنَّاسَ بِيومِ القِيَامَةِ وأبَانَ لَهُمْ بِأَنَّ عَاقِبَةَ بَذْلِهِمْ وَصَبْرِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.فَرَبْطُ الأُمَّةِ بِيومِ القِيَامَةِ يَجْعَلُهَا أَكْثَرُ تَدَيُّنا ًلِلهِ تَعَالَى,فَلا ارْتِبَاطَ بِأشْخَاصٍ ولا بِأحْزَابٍ ولا دُولٍ!إنَّما الارتِبَاطُ بِدِينِ اللهِ تَعَالى وَبِمَنْ يَحْمِلُهُ مِن العُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ الرَّبَّانِيِّنَ فَالقِصَّةُ دَرْسٌ أنْ نَلْزَمَ غَرْزَ عُلَمَائِنَا وَأنْ نَسْمَعَ نُصْحَهُمْ وَنَتَقَبَّلَ تَوجِيهَهُمْ فَهُمْ أكْثَرُ حِكْمَةً,وَأَرْسَخُ قَدَمَاً,وَأَعْمَقُ حِكْمَةً وَفَهْمَاً.فَيَا مَنْ يَتَلَقَّى مِنْ كُلِّ مَنْ هَبَّ وَدَرَجَ,يَا مَنْ يَأخُذُ مِنْ كَافَّةِ المَواقِعِ بِدُونِ تَحَرٍّ وَإنْصَافٍ,اتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ واحفَظْ دِينَكَ,واعْصِمْ نَفْسَكَ مِنْ كُلِّ مَزْلَقٍ ولَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ. عِبَادَ اللهِ:لَقَدْ أَدْرَكَ المُشرِكُونَ بَعْدَ هَذا الصُّلحِ أَنَّ المُسلِمِينَ أَهْلُ احْتِرَامٍ لِلعُهُودِ حَقَّاً وَصِدْقاً,فاللهَ اللهَ أيُّها المُسْلِمُ لا يُنْتَقَصَ الإسلامُ مِنْ قِبَلِكَ!فيا مَنْ يَخُونُونَ في أعْمَالِهِمْ وَعُمَّالِهِمْ اتَّقُوا اللهَ:إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ.يَكْفِي مِنْ الصُّلْحِ أَنَّهُ اعتِرَافٌ بِالكَيَانِ الإِسْلامِيِّ وَبِدَولَةٍ لَهَا قِيمَتُها وَكَيَانُها! وَهَكذا يَجِبُ على دَولَةِ الإسلامِ أنْ تَفْخَرَ بِهَوِيَّتِهَا وَدِينِهَا وَأنْ تَلزَمَهُ ظَاهِراً وَبَاطِنَاً.

عِبَادَ اللهِ:لَقَدْ أَدْرَكَ المُشرِكُونَ ذَاكَ التَّلاحُمَ وَتِلْكَ المَحَبَّةَ الصَّادِقَةَ بَينَ المُؤمِنِينَ!فأدْرَكْنا أَنَّ سِرَّ جَمْعَ* القُلُوبِ هُو دِينُ اللهِ لا غَيرَ,فَلا عُنْصِرِيَّة َوَلا وَطَنِيَّةَ وَلا لَونٍ وَلا لُغَةٍ ولا وَحَفَلاتٍ غِنَائِيَّةٍ تُقَامُ,إنَّمَا دِينُ اللهِ أَلَّفَ بَينَهُم,مِنْ أَعْظَمِ مَكَاسِبِ الصُّلْحِ والمُعَاهَدَةِ أَنْ تَزَعْزَعَتْ ثِقَةُ قَبَائِلِ العَرَبِ بِكُفَّارِ قُرَيشٍ فَأَدْرَكُوا أَنَّ قُرَيشَاً لا تَهتَمُّ إلَّا بِنَفْسِهَا وَلا تَعْمَلُ إلَّا لِمَصَالِحِهَا فَقَطْ,فَتَى تُدْرِكُ أُمَّتُنَا أنَّ أَهْلَ البَيتِ الأَسْوَدِ فِي عَصْرِنَا كَذَلِكَ!فَوَاللهِ لَقدْ أَورَدُونَا المَهَالِكَ فَيَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.مِنْ أَعْظَمِ الفَوَائِدِ أَنْ أَمِنَ النَّاسُ,فَأَمِنَ الرَّسُولُشَرَّ قُرَيشٍ وَأتْبَاعِهِمْ,فَتَفَرَّغَ لِيَهُودِ المَدِينَةِ.وَهَكَذا يَجِبُ على أهْلِ الإسلامِ أنْ يَنشُروا الدَّعْوَةَ والدُّعَاةَ حَالَ الرَّخَاءِ,حتَّى يَدْخُلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجَاً,فاللهم اجعلنا هداةً مهتدينَ غيرَ ضالينَ ولا مضلينَ,اللهم صلِّ وَسلِّم وَبَارِك على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجمَعِينَ,اللهم إنَّا نشهدُ أنَّهُ بَلَّغَ الرِّسالةَ ونصحَ الأمةَ وجاهدَ في الله حقَ جهادِه حتى أَتَاهُ اليَقينُ.رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ.اللهم انصر جُنُودَنا واحفظْ حُدُودَنَا,وألهِمنَا رُشْدَنا,وَوفِّقنَا وَولاةَ أمُورِنا لِمَا تُحِبُّ وَترضى.رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.عباد الله اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
بواسطة : admincp
 0  1  3.1K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:06 مساءً الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024.