• ×

04:13 مساءً , الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024

خطبة الجمعة 06-09-1435هـ بعنوان فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله الذي أَنزَلَ القُرآنَ في شَهرِ رَمَضَانَ هُدى لِلنَّاسِ وبيِّناتٍ من الهدى والفُرقانِ،نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عَظِيمُ الجَلالِ والشَّأنِ،ونَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، بَعثَهُ اللهُ رَحمَةً وأَمَاناً للإنسِ والجَانِ،اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبَارك عليهِ،وعلى آلِهِ وأَصحَابِه أولي الفَضلِ والإتِّباعِ والإيمانِ,وَمَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الجَزاءِ والإحسانِ.

أمَّا بعدُ:فَيا صَائِمونَ إِلزَمُوا تقوى اللهِ في السِّرِّ والإعلانِ ثُمَّ اعلموا أنَّ الصِّيامَ والتَّقوى مُتلازِمَانِ! بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ .

اللهُ أكبرُ عبادَ اللهِ:القُرآنُ العظيمُ كَلامٌ إلهيٌّ,وحُكمٌ فَصلٌ,وقصَصٌ ربانيٌّ,دُونَ شَكٍّ ولا ارتِيَابِ. ولنتأمَّل يا رَعاكمُ اللهُ في قَصَصِ القرآنِ،فقد قالَ تعالى: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ . فالقَصَصُ ولا شَكَّ تَزيدُ المُؤمِنَ مَعرِفةً بِربِّهِ ويَقِينًا بِقُدرَتِه وعظمَتِهِ،الذي يقولُ لِلشَّيءِ كُنْ فَيكُونُ!ولنَقِفْ مع قِصَّةٍ في سُورةِ البَرَكَةِ والحِصنِ الحصينِ منِ الشَّياطِيِنِ والسَّحرةِ والمُشعوِذِينَ, أمَرَ النَّبِيُّ بالأخذِ بها فقَالَ:« اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».يعني السَّحَرَةُ. أظُنُّكَ أخي الصَّائِمَ مَرَرْتَ عليها وستَعُودُ إليها قريباً بإذنِ اللهِ فَتَأمَّل قِصَّةً فيها وصَفَها الشَّيخُ السَّعديُّ رحمهُ اللهُ:أنَّها اشتملت على مُعجزةٍ لِرسولِ اللهِ ،وهي كذلِكَ تَسلِيَةٌ لَهُ،وَتَطمِينٌ لِقُلُوبِ المُؤمنينَ،وفيها صِفَةُ المُعتَرِضِينَ على أَحكَامِ اللهِ،وكيفَ يَكونُ المُسلِمُ لِحُكمِ اللهِ وَدِينِهِ؟.وَحَاوِلْ أنْ تَتصَوَّرَها وَتَعِيشَ أحداثَها!

أتَدرونَ ما القِصَّةُ عبادَ اللهِ:إنَّها في ثَنَايا الآياتِ الكَريماتِ: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ .

عبادَ اللهِ: كانَ العَربُ والمُسلِمُونَ يُعظِّمون البَيتَ الحَرامَ، وَيَعُدُّونَهُ عُنوانَ مَجدِهم,لأنَّه أوَّلُ بيتٍ وأعظَمُ بيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ،فَكانَ رَسُولُ اللهِ يُصلِّي لِلهِ وَيَتَعبَّدُ نَحوَ الكَعبَةِ!كَمَا قُريشٍ تَفْعَلُ, ولَكِنْ لَمَّا بُعثَ رَسُولُ اللهِ جاءهُ أمْرٌ رَبَّانِيُّ عَظِيمٌ فقد أُمِرَ بِاستِقبَالِ الصَّخرَةِ مِنْ بَيتِ المَقدِسِ، هكَذا أمرٌ مُجَرَّدٌ بِدُونِ ذِكرِ أسبابٍ ومُبرِّراتٍ!فما كانَ من النَّبيِّ الأعظَمِ وَصحبِهِ الكرامِ إلاَّ أنْ قالوا سَمِعنَا وَأَطَعْنَا! فَقَالت قُريشٌ:يَدَّعِي مُحمَّدٌ أَنَّهُ على مِلَّةِ إبرَاهِيمَ وَيُخَالِفُ قِبلَتَهُ؟.وهذا نَوعُ ابْتِلاءٍ وامتِحَانٍ لِرَسُولِ اللهِ وأَصحَابِهِ!

وَلِلحقِّ أيُها الإخوةُ لقد وَجَدوا من ذَالِكَ مَشَقَّةً على نُفُوسِهم عَظِيمَةً ولَكِنَّهُ أمْرُ اللهِ وحُكمُهُ.فَكانَ يُصَلِّي بَينَ الرُّكنَينِ،لِتَكُونَ الكَعبَةُ بَينَ يَدَيهِ وهُوَ مُستَقبِلٌ بَيتَ المَقدِسِ،وازدَادَ الأَمرُ مَشَقَّةً عليهم حِينَ هَاجَروا إلى المَدِينَةِ النَّبَوِّيَّةِ فقد كانت الكَعبَةُ خَلفَهم تَمَامَاً!بَقُوا على ذَلِكَ كَمَا قَالَ الإمَامُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:ستَّة عَشَرَ شَهْرَا أو سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرَاً،وكانَ يُعجِبُهُ أنْ تَكونَ قِبلَتَهُ قِبَلَ البَيتِ).

أيُّها المؤمنونَ:ولَعلَّ سَائِلاً يَقُولُ:ما الحِكمَةُ من أَمْرِهم بِالتَّوجُّهِ لِبَيتِ المَقدِسِ بَعدَ البِعثَةِ مُباشَرَةً! لقد استَنبَطَ العُلماءُ أنَّ الحِكمَةَ واللهُ أَعلَمُ أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ استِخلاصَ قُلُوبِ المُؤمِنينَ وَتَجرِيدَها لَهُ سُبحانَهُ,وَتَخلِيصَها مِن كُلِّ نَعرَةٍ عَصَبِيَّةٍ،أو نَزْعَةٍ قَومِيَّةٍ,ولِيُمَحِّصَ المُؤمِنينَ فَيَظْهرَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ إتِّبَاعَاً صَادِقَاً وَاثِقَاً,رَاضِياً مُسْتَسلِمَاً،مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيهِ مُعتَزَّاً بِجنسِهِ وقَومِهِ وأَرضِهِ!تَارِكَاً أَمْرَ رَبِّهِ!.

وَمِن الإشكالاتِ اللاتِي واجَهت نَبِيِّنا أنَّ بَيتَ المَقْدِسِ هُو قِبلَةُ اليَهُودِ! فَقَالت اليَهُودُ كَيفَ يَجحَدُ دِينَنَا وَيَتَّبِعُ قِبلَتَنا؟فاتَّخَذوا ذالِكَ وَسِيلَةً لِلتَّضلِيلِ والتَّلبيسِ على دِينِ مُحمَّدٍ!حتى كانَ يُقَلِّبُ دائِمَا وَجْهَهُ فِي السَّمَاءِ،دُونَ أنْ يَنطِقَ بِلِسَانِهِ بِشَيءٍ،أَوْ يَدْعُ ربَّه بِشَيءٍ,تَأَدُّبَاً مَعَ اللهِ،وانتِظَاراً لِفَرَجِهِ وَتَوجِيهِهِ.لأنَّهُ مُحسِنٌ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ أنَّهُ لَن يَخذُلَهُ,مُتَرَقِّبَاً نُزُولَ جِبرَيلَ عَليهِ السَّلامُ بالبُشرى بِتَحويلِ القِبلَةِ إلى الكَعبَةِ المُشرَّفةِ كُلَّ لَحظَةٍ!



فَجَاءَ الفَرَجُ من اللهِ تَعَالَى فَوجَّهَهُ لِمَا تَطمِئِنُّ إِليهِ نَفسُهُ،ويُحبُّ،وَيَتَمنَّى؛فقَالَ تَعَالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ .فَسُرَّ رَسُولُ اللهِ وَصَحَابَتُهُ الكِرامُ وطابَتْ أنفُسُهُم,وَوَجَدُوا أُنسَهُم,فَكانتِ الكَعبَةُ قِبلَةً لَهم ولِلمُسلِمينَ.وَهَكَذا تَوحَّدَتِ الأُمَّة المُسلِمَةُ في قِبلَتِها.على اختِلافِ مَوَاطِنِهَا!فَشَعُرَ المُسلِمُونَ أنَّهم جَسَدٌ وَاحِدٌ،وكَيَانٌ وَاحِدٌ،يتَّجِهُونَ لِهَدَفٍ وَاحِدٍ،ويَسعَونَ لِتَحقِيقِ مَنْهَجٍ وَاحِدٍ!

عبادَ اللهِ إنَّ استِجَابَة اللهِ سُبحانَهُ لِرَسُولِهِ يَدُلُّكَ على شَرَفِ النَّبِيِّ وَعُلُوِّ مَكَانَتِهِ وفضلِهِ !حيثُ إنَّ اللهَ تَعالَى سَارَعَ فِي رِضَاهُ،وهذهِ الاستِجَابَةُ تَدُلُّكَ عَلى قُرْبِ الصِّلَةِ بينَ الخَالِقِ العظِيمِ, والمُخلُوقِ الضَّعِيفِ,وأنَّهُ سُبحَانَهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ,قَريبٌ مُجيبٌ.نَفَعَنِي اللهُ وإيَّاكم بِالقُرآنِ العَظِيمِ وَبِهديِ سَيِّدِ المُرسَلَينِ.وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكم ولِلمُسلِمِينَ،فاستَغفِرُوهُ إنَّه هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ بِفضلِهِ اهتَدَى المُهتَدُونَ،وبِعدلِهِ ضَلَّ الضَّالونَ,نَشهدُ أن لا إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ لا يُسألُ عمَّا يَفعَلُ وَكُلُّ الخَلائِقِ لَديهِ مَسئُولُونَ،ونَشهدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ الصَّادِقُ المُصَدَّقُ المَأمُونُ،الَّلهمَّ صَلِّ وسلِّم وبَارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَمَنْ لهم مُقتَدُونَ. أمَّا بعدُ فاتَّقوا اللهَ يا مُؤمنونَ:واعلموا أنَّه لا عزَّ لَنا ولا فَلاحَ,ولا نَجاةَ لنا ولا صلاحَ,إلاَّ بإتِّباع سُنَّةِ سَيِّدِ الأنامِ كمَا قَالَ رَبُّنا: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .



عبادَ اللهِ:قِصَّةُ تَحويلِ القِبلَةِ تُجلِّي لَنا حَقِيقَةَ الإتِّبَاعِ لِلنَّبيِّ إذْ آمَنَ بهِ أَصحَابُه وَصَدَّقُوهُ أوَّلاً وآخِراً قَولاً وعَمَلاً واعتِقَادَا,وقِسمٌ آخَرُ مع الأسَفِ الشَّدِيدِ مَحرُومُونَ قد انقَلَبَ على عَقِبِيهِ فَارتَدَّوا عن دِينِهم وتَأثَّروا بالشَّائِعاتِ والافتِراءاتِ!وقَالُوا مَا بَالُ مُحمَّدٍ يُحوِّلُنا مَرَّةً هَاهُنا ومَرَّةً هَاهُنا،قال الشَّيخُ ابنُ العُثيمِينَ رَحِمَهُ اللهُ ومِن فَوائِدِ آيةِ تَحويلِ القِبلَةِ:بَيانُ وجوبِ إتِّباعِ الرَّسُولِ الكريمِ ؛

والصَّحَابَةُ رَضِي اللهُ عنهم اتَّبَعُوهُ في ذَلِكَ أشَدَّ الإِتِّبَاعِ:فقد جَاءَهم رَجُلٌ وهُم يُصلُّونَ الفَجرَ في قُباءٍ وهم رُكُوعٌ،فقَالَ لهم: «إنَّ النَّبيَّ قد أُنزلَ عليه الَّليلةَ القُرآنَ،وقد أُمِرَ أنْ يَستَقبِلَ الكَعبَةَ فاستقبِلُوها وكانت وجُوهُهُم إلى الشَّامِ؛فاستَدَارُوا إلى الكَعبَةِ».وكَذلكَ فعَلَ بَنُو سَلِمةَ في مَسجدِ القِبلَتِينِ؛هذا هو الإتِّبَاعُ العَظِيمُ؛إذاً فإتِّباعُ الرَّسُولِ واجِبٌ؛وإلاَّ لَمَا احتيجَ إلى مِحنَةِ النَّاسِ عليهِ.انتهى.

وَدَرْسٌ آخرُ عظيمٌ مأخُوذٌ من قولِ اللهِ تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا . أنَّ السُّفَهَاءَ دَيدَنُهم رَدُّ الحَقِّ والتَّشكِيكُ فِيه وهذهِ صِفَاتُ اليَهُودِ والمُنافِقينَ وأذنَابِهم مِن العِلمَانِيينَ الذينَ يُكذِّبونَ نُصُوصَ الوَحيَينِ ويُقلِّبونَ الحَقَائِقَ ويَعتَرِضُون على شَرعٍ اللهِ بِأهوائهِم,ويُقدِّمُونَ العَقلَ البَشَريَّ القاصِرَ على النَّصِّ المُحكمِ المُتقنِ,فهم واللهِ لا يُعجِبُهم شَرعٌ ولا يَرغَبُون بِضَوابِطَ وقِيَمٍ!إنَّهم سُفَهَاءُ الأحلامِ خَفٍيفُو العَقلَ قَالَ عنهم الشَّيخُ السَّعديُّ رَحمِهُ الله:الاعتِرَاضُ على حُكمِ اللهِ وشَرعِهِ،إنِّما يَقَعُ مِمَّن اتَّصفَ بالسَّفهِ،قَليلُ العَقلِ,والحِلمِ، والدِّيانَةِ،فلا تُبَالوا بِهم،إذْ قد عُلم مَصدَرُ هذا الكَلامِ،فالعَاقِلُ لا يُبَالي بِاعتِراضِ السَّفِيهِ،ولا يُلقي لَهُ ذِهنَهُ,وأمَّا الرَّشِيدُ المُؤمِنُ العَاقِلُ،فَيَتَلقَّى أَحكَامَ رَبِّهِ بِالقبُولِ،والانقِيَادِ،والتَّسلِيمِ كَمَا قَالَ تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ .

أيُّها الصَّائِمُونَ لِلَّهِ: مِن فَوائِدِ تَحويلِ القِبلَةِ من بيتِ المَقدِسِ إلى المَسجِدِ الحَرَامِ,قَطعُ الطَّريقِ على أيِّ نَوعٍ من أنواعِ التَّشَبُّهِ باليَهُودِ أو النَّصارى وغيرهم من مِلَلِ الكُفرِ والجُحُودِ!فَدينُ الإسلامِ وأهلُهُ مَتْبُوعُونَ ولَيسُوا تَبَعَاً لأَحَدٍ!ودِينُ الإسلامِ حَقٌّ وَنَاسِخٌ لِجَميعِ الأَديَانِ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا .ذالِكَ أنَّ مُوافَقَةَ الكُفَّارَ والتَّشبُّهَ بِهم دَلِيلٌ على ضَعفِ الإيمانِ,وهو واللهِ المَفسَدَةُ،ومُخَالَفَتُهم دَلِيلٌ على قُوَّةِ الإيمانِ وهو المَصلَحَةُ,ألم يُغلِقُ نَبِيُّنا بَابَ التَّشَبُّهِ فَقَالَ:«مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».تأمَّلُوا أيَّ نَوعٍ من أنواعِ التَّشَبُّهِ فَهُو منهم إنْ كانوا يَهُوداً فَفيهِ شَبَهٌ منهم وإنْ كانوا نَصَارى فَفيهِ شَبَهٌ منهم كذالِكَ !فَمَن يَرضى أنْ يوصَفَ بِذالِكَ؟فالأمرُ على التَّوحيدِ والعقيدَةِ جِدُّ خطيرٌ!ومَنْ تَأمَّلَ حالَ كثيرٍ من شَبَابِنَا وَجَدَهم أنَّهم عن هذا غافِلونَ وخلفَ التَّشَبُّهِ سَائِرونَ,ولِلموالاةِ والمَحَبَّةِ مُنقادُونَ فتَأمَّلوا أحادِيثَهم ومُتابَعاتِهم هذهِ الأيامَ,وكيفَ يُتابعُونَ أحدَاثَ مُبارياتِ كأسِ العالَمِ خُطوَةً بِخُطوةٍ,حتى صار بَعضُهم يَحزنُ وَيَتَألَّمُ لِفريقٍ أسبانِيٍّ أوفَرنسيٍّ.بل تأمَّلوا كيف تَشَبَّهوا بِحركاتِهم ولِباسِهِم!أليس هذا نَوعٌ من المَحَبَّةِ والمُولاةِ؟وإن ادَّعى أنَّهُ لا دَخلَ لهُ في دِينِهِ!فهي دَعْوَى باطِلِةٌ, حَقيقتُها ما بَيَّنَهُ لنا رَسُولُنا الكريمُ بقولِهِ:« أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ،وَتُبْغِضَ لَهُ».ثُمَّ مَعَاشِرَ الشَّبابِ:أيُعقَلُ أنْ يُفَرِّطَ مُسلِمٌ صائِمٌ بصلاةِ التَّراويحِ وسَمَاعِ الذِّكرِ والقرآنِ لأجل مُتابعَةِ المُبارياتِ؟أليسَ هذا تَعَلُّقاً كبيراً؟!

في القصة يا مسلمون تذكيرٌ بِمَكَانَةِ قِبلِتِنا الأُولى ومَسرى رَسُولِنا بِالأَرضِ المُبَارَكَةِ فَالمَسجِدُ الأَقصَى لَهُ عِندَنا شَأن عظيمٌ,ومَكانَةٌ عالِيةٌ,وَلِكلِّ مُسلمٍ لَهُ حَقٌّ فيهِ،يقابِلُهُ حَقٌ علينا بِواجِبِ النُّصرةِ لإخوانِنا بِكُلِّ صوَرِها وأَشكَالِها,فَقَضِيَّةُ فِلَسطِينَ لا تَنفَصِلُ عن المُسلِمينَ البتَّة,كيفَ وهُم هذه الأيامَ يُسامُونَ سُوءَ العَذَابِ ويُدَكُّونَ بالطَّائِراتِ؟لأجلِ ثلاثةِ أوغادٍ اللهُ أعلمُ أمَخطُوفُونَ حَقِيقَةً,أو مَكيدَةً وتَبريراً,فانصًروا إخوانَكُم وادعَمُوهم ولا تُسلِمُوهم: وَكَانَ حَقَّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ .فالَّلهمَّ اجعلنا من المَقبُولينَ في هذا الشَّهرِ الكريمِ,وأعنَّا فيهِ على صيامِهِ وقيامِهِ إيماناً واحتسابا.الَّلهمَّ اجعل القُرآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قُلوبِنَا،ونُورَ صُدُورِنا،وجَلاءَ هُمُومِنا وأَحزَانِنِا، وقائِدنا وشَفِيعاً لنا.الَّلهمَّ ارزُقنا تِلاوتَهَ آنَاءَ الَّليلِ وأَطرَافَ النَّهارِ على الوَجهِ الذي يُرضيكَ عنَّا. الَّلهمَّ اغفر لنا ذُنُوبَنا وإسرَافَنا في أَمرِنَا. اغفر لنا جِدَّنا وهَزْلَنا,وخَطَئنا وعَمْدَنا وكُلُّ ذالِكَ عندَنا. الَّلهمَّ اغفر لِوالِدينا واجزِهم عنَّا خير الجزاء.واغفِرْ لِلمُؤمنِينَ والمُؤمِناتِ والمُسلِمينَ والمُسلِماتِ ياربَّ العالَمينَ.الَّلهمَّ أصلح أحوالَ شَبابِنا,ونِسائِنا وهيئ لهم من أمرِهم رَشَدَا.الَّلهمَّ أبرم لهذه الأمة أمرَ رُشْدٍ يُعزُّ فيهِ أهلُ طَاعتِكَ ويُذَلُّ فيه أهلُ مَعصِيَتكَ ويُؤمَرُ فيه بِالمَعرُوفِ ويُنهى فيه عن المُنكرِ.رضينا بالله رباً والإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً ورسولا الَّلهمَّ ارزقنا إتِّبَاعَهُ ظَاهِرا وبَاطِنا ياربَّ العالمينَ. عباد الله اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعونَ.
بواسطة : admincp
 0  0  2.6K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 04:13 مساءً الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024.