• ×

09:16 صباحًا , السبت 11 شوال 1445 / 20 أبريل 2024

خطبة الجمعة 13-02-1436هـ بعنوان النبيُّ المُبتلى أيوبٌ عليه السَّلامُ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ للهِ عالمِ السِّر وأخفى،أحاطَ بكلِّ شيءٍ علماً,المطَّلعِ على ضمائِرِ النُّفوسِ،وخَوافي الأعمالِ كمَّا وكيفاً،نشهدُ ألَّا إله إلَّا الله وحده لا شريك له,له الأسماءُ الحُسنى.قصَّ علينا من أنباءَ الرُّسُلِ ما يُثبِّتُ به الفؤادَ وموعظةً وذكرى.ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه الصَّابرُ المُصابِرُ الْمُحتسبُ ذالِكَ للأُخرى,صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه والتَّابعينَ لَهم ومَنْ تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ في العَلَنِ والنَّجوى.أمَّا بعد.أيُّها المسلمون:أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ بفعلِ أوامرِهِ واجتنابِ نَواهِيهِ,وخوفِهِ ورَجَائِه,وكَثرَةِ ذِكرِ نِعَمِهِ وآلائِهِ. وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ . عبادَ اللهِ:الإنسانُ في هذه الحياةِ يَتَقلَّبُ بينَ الصِّحَةِ والمَرَضِ،والسَّعادَةِ والحَزَنِ،والغِنى والفَقرِ، وكُلُّها بِأمر اللهِ وقَضَائِهِ وَمَشِيئَتِهِ وتَدبيرِهِ.والمُسلمُ الصَّادِقُ يُقابِلُ الضِّيقَ والبلاءَ,بالصَّبرِ والرِّضا والدُّعاءِ،لِعلمِه أنَّ للهِ الحكمةُ البَالِغَةُ فيما يشَاءُ ويُريدُ,وأنَّ اللهَ سَيَجعَلُ بعدَ العُسرِ يُسراً. واليوم عبادَ الله:نَقفُ مع قصةِ نبيٍّ كريمٍ،يُضربُ به المثلُ في الصَّبرِ والإيمانِ والاحتسابِ،فإذا ما ذُكرَ الصبرُ ذُكرَ معه هذا النَّبيُّ الكريمُ،لأنَّه حصلَ لَه من أنواعِ البَلاءِ،ما لا يصبرُ عليها إلَّا مَن ثبَّتهُ اللهُ قال اللهُ تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ . فيا تُرى ما قِصَّةُ أيوبَ عليهِ السَّلامُ ؟ وكيف كان ابتلاؤه ؟ ثُمَّ كيفَ كانت نَجاتُه ؟. كان أيوبُ نبيًا كريمًا من ذرِّيةِ إبراهيمَ الخليلَ عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ,وكانَ كثيرَ المالِ وعندَهُ من الأَنعَامِ والعَبِيدِ والمَواشِيَ،والأراضي المتَّسعةِ مالا يُحصيهِ إلاَّ اللهُ,وكان له أولادٌ وأهلونَ كثيرٌ فأيُّ نعمةٍ بعدَ هذهِ النِّعمِ؟.وماذا بَقِى مِن التَّرَفِ والمُتَعِ؟.ولكنَّ الله عزَّ وجلَّ بحكمتِهِ البالغةِ، أرادَ أنْ يختبرَ عبدَه وَنَبِيَّهُ أيوبَ ويَصطَفِيهِ إليهِ,عليه أفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليمِ، ابتلاءً رفعَ به قدَره وأعلى به منزلَته،فقد أصابَه البَلاءُ في مالِه وولَدِه!وتصوَّروا حالةَ شَخصٍ بعد كلِّ أنوع الغِنى يُسلبُ منه مالُه فعادَ لا يملكُ شيئاً،يفقدُ جَميعَ أولادِه فلا يَأنَسُ بأحدٍ منهم أبدا,يَذْهبُ عنهُ خَدَمُهُ وجاههُ فلا يُأبَهُ بهِ أبدا ! فكيف ستكونُ حاله؟.

عبادَ اللهِ:ليس الأمرُ كذلك فحسب فلقد ابتُلِيَ في جَسَدِهِ،فَأُصِيبَ بِأنوَاعِ البَلايا والأَمرَاضِ، حتى طالَ عليه المرضُ،ولم يَبقَ منه سليمًا إلَّا قلبُه ولَسَانُهُ يَذكُرُ بِهما ربَّه وَيَشكُرُهُ.حتى عَافَهُ الجَليسُ،وانقطع عنه الأنيسُ،ولم يبقَ أحدٌ يحنو عليه سِوى زَوجتِه،وصَاحِبَينِ لَهُ,فَزَوجَتُهُ صالحةٌ تَرعى لَهُ حقَّهُ،وتَعرِفُ قَديمَ إحسانِه عليها،كانت تَتَرَدَّدُ عليه،وتُصلِحُ شَأنَهُ،وتقضي حَاجاتِهِ،مع ضَعفِ حالِها،وقِلَّةِ مَالِها،مع كُلِّ هذا البَلاءِ إلاَّ أنَّها صَابِرَةٌ مَعهُ مُحتَسِبَةٌ أجْرَهَا مِن اللهِ تعالى فَرضيَ اللهُ عنها وأرضاها،وصدق رَسُولُ اللهِ حين قَالَ:أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً؟"الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ,ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ".في صحيحِ ابن حبانَ من حديث أنسِ أنَّ النَّبيَّ قال: (إنَّ أيُّوبَ نبيَ اللهِ لَبِثَ في بَلائِه ثَمَانِ عَشرَةَ سَنَةً،فَرَفَضَهُ القَريبُ والبَعيدُ إلَّا رَجُلَينِ كانا مِن أخصِّ أصحابِهِ كَانا يَغدُوانِ إليه ويَرُوحَانِ،فقال أحدُهما لِصاحِبِه:تَعْلَمُ؟لقد أَذنَبَ أيُّوبُ ذنبًا ما أَذنَبَهُ أحدٌ من العالَمِينَ،فقال صَاحِبُه:وما ذاك؟ قال:منذُ ثمانِ عشرةَ سنةٍ لم يَرْحَمه الله فيكشفُ ما به،فلمَّا راح الرَّجلُ إلى أيوبَ لم يَصبرْ حتى ذَكَرَ له ذلك،فقالَ أيوبُ:لاأدري ما تَقولُ غيرَ أنَّ اللهَ يَعلَمُ أنِّي كُنتُ أمرُّ على الرَّجلينِ يَتَنَازَعَانِ فَيذكُرَانِ اللهَ يعني:فَيَحلِفَانِ فَأرجَعُ إلى بَيتِي فَأُكفِّرُ عَنهما كَراهِيةَ ألَّا يُذكرَ اللهَ إلَّا في حقٍّ ). أيُّها المُؤمنونَ:لَقد نَجَحَ أَيُّوبُ عليه السَّلامُ في ذاكَ الاختبارِ،فاصطَفَاهُ ربُّهُ وأدناهُ,كما قالَ مولاهُ: إِنَّا وَجَدْنَـٰهُ صَابِراً نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ . فقد كانَ صَابِرا مُحتَسِبَا,ذَاكِرَا حامِداً شَاكِرا لِربِّهِ ومَولاهُ,على ما أصابَهُ وابتلاهُ,لأنَّهُ يَعلَمُ أنَّ اللهَ يَرَاهُ,ويَسمَعُ مُنَاجَاتِهِ ونَجواهُ,وأنَّهُ لنْ يُخَيَّبَ رجاهُ يا من يُجيبُ دعاءَ الْمُضطَرِّ في الظُّلَمِ يا كاشفَ الضُّرِ والبَلوَى معَ السَّقَمِ قد نَامَ وَفـدُكَ حـولَ البيتِ وانتَبَهُوا و أنتَ يا حيُّ يا قيـُّومُ لَـمْ تَنَـمِ عباد الله:ولمَّا أرادَ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يكشفَ عن عبدِه هذا البلاءَ،أمره أن يضربَ بِرجلِهِ الأرضَ،وهذا مجردُ سَبَبٍ فقط!فقال: ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ .فامتثل لأمرِ ربِّه،فَضَرَبَ بِرجلِه الأرضَ،فَأنْبَعَ اللهُ له عيناً باردةَ الماءِ،وأمرَه أنْ يَغتَسِلَ فيها،وَيشرَبَ منها، فأذهبَ اللهُ عنه ما كانَ يَجِدُهُ تماماً من الألم والأذى،والسَّقمِ والمرضِ،وشُفيَ ظاهراً وباطناً، وفي الحديث أنَّ رسول الله قَال: (كَانَ أيوبُ عليه السَّلامُ يَخْرُجُ إِلَى حاجتهِ فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَمْسَكْتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ،فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأَ عَلَيْهَا،وَأُوحِيَ إِلَى أَيُّوبَ فِي مَكَانِهِ أَنِ {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}.فَاسْتَبْطَأَتْهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا وَقَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ مَا بِهِ مِنَ الْبَلاَءِ،وَهُوَ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ،فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ:أَيْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ،هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللهِ هَذَا الْمُبْتَلَى،فوَا اللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِهِ إذْ كَانَ صَحِيحًا مِنْكَ,قَالَ:فَإِنِّي أَنَا هُوَ،وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ : أَنْدَرٌ لِلْقَمْحِ،وَأَنْدَرٌ لِلشَّعِيرِ،يعني مكانٌ لجمعِ وحفظِ القَمحِ والشَّعيرِ فَبَعَثَ اللَّهُ سَحَابَتَيْنِ،فَلَمَّا كَانَت إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ الْقَمْحِ أفَرغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ،وَأَفْرَغَتِ الأُخْرَى عَلَى أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ حَتَّى فَاضَ.يعني فِضَّةً.وفي البخاري عن أبي هريرة :عن النبيِّ قا:ل(بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ يعني جمعٌ مِنْ جَرَادٍ من ذهبٍ،فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ،فَنَادَاهُ رَبُّهُ،يَا أَيُّوبُ:أَلَمْ أَكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟قَالَ:بَلَى يَا رَبِّ،وَلَكِنْ لا غِنَى لي عَنْ بَرَكَتِكَ).فَأَبدَلَهُ الله بعد ذلك كلِّه صحةً ظاهرةً وباطَنَةً،وجمالاً تامَّاً،ومالاً كثيراً،وأخلف اللهُ لَهُ أَهلَهُ، كما قال تعالى: وَءاتَيْنَـٰهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا .أي رفعنا عنه شدَّتَهُ وَكَشَفْنا مَا بِه مِن ضُرٍّ،رَحمَةً مِنَّا ورأفةً وإحساناً،و ذِكْرَىٰ لِلْعَـٰبِدِينَ .فاللهمَّ وفِّقنا لِما يُرضِيك،واجعلنا مِن الصَّابرين الذَّاكِرينَ الشَّاكِرينَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمين.نفعني الله وإياكم بهدي كتابِهِ وإتِّباعِ سُنَّةِ أنبيائِه,وأستغفرُ اللهَ لي ولَكم وللمسلمين فاستَغفِروهُ،إنَّه هو الغُفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أمدَّنا بالنِّعمِ,وعافنا من السَّقَمِ,نشهدُ ألَّا إله اللهُ وحده لا شريكَ لَهُ ذو المِنَّةِ والكَرَمِ,ونَشهدُ أنَّ محمَّدا عبدُ اللهِ ورسُولُه الصَّابِرُ الشَّاكرُ على البَلاءِ والألم,صلَّى اللهُ وسلَّم وبَارَكَ عليه وعلى آلِه وصحَبِهِ القِمَمِ,وأتَبَاعِهِ ومَنْ تَبِعهم بِإحسانٍ وإيمانٍ ما بَدَا شهرٌ وتَمْ أمَّا بعدُ:فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ في السِّر والعَلَنِ وتَعَلَّموا مِن قِصَّةِ نَبِيِّ اللهِ أيوبَ عليهِ السَّلامُ أنَّ الفَرَجَ والمَخرَجَ لِمَن اتَّقَى اللهَ وأَطَاعَهُ،وصَبَرَ على البَلاءِ واحتَسَبَ.فاللهُ تعالىَ هو الذي أَضْحَكَ وَأَبْكَى وهُوَ الذي أَمَاتَ وَأَحْيَا وهُوَ سُبحانَهُ الذي أَغْنَى وَأَقْنَى.قِصَّةُ أيوبَ دعوةٌ لِكُلَّ مَكرُوبٍ وَمَنكُوبٍ,لِمنْ أَصَابَتهُ فَاقَةٌ أوآفَةٌ,أو أذىً أو إعاقةٌ.أنْ يصبرَ ويَتَصَبَّرَ ويحتسبَ الأجرَ ويَتَفكَّرْ!دَعوةٌ لِمن فَقَد قَرِيبَاً أو عَزِيزَا,أو خَسِرَ مالاً أو وتِجَارَةً,أو ابتُلِي بِمَرَضٍ عُضالٍ,أو فَقَد طَرَفاً أو عُضْواً،أنْ يصبرَ ويَتَصَبَّرَ ويحتسبَ الأجرَ من اللهِ تَعالى,وَصَدَقَ اللهُ: إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيرا ً .وقالَ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ . والاحتسابُ يا مؤمنُ أنْ تَعلمَ أنَّ ما أَصَابَكَ فَهو بِقضَاءِ اللهِ تعالى وَقَدَرِهِ،فتُسلِّمَ إليه وَتَرضْى بِه وَتَحمَدَه على كلِّ شِيءٍ: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ .قالَ عَلقَمَةُ رحِمهُ اللهُ وهو من كِبارِ التَّابِعينَ حينَ قُرِئت عليهِ هذهِ الآيةُ:هو الرَّجُلُ تُصِيبُهُ المُصِيبَةُ فَيَعلَمُ أنَّها مِن عندِ اللهِ فَيرَضى وَيُسَلِّمُ,وفي المُتَّفَقِ عليهِ عن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضيَ الله عنهما أنَّ رسولَ الله قَالَ: (مَا يُصيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ،وَلاَ وَصَبٍ،وَلاَ هَمٍّ،وَلاَ حَزَنٍ،وَلاَ أذَىً، وَلاَ غَمٍّ،حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ).وفي الصَّحيحِ أنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: (يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:مَا لعَبدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلاَّ الجَنَّةَ)رواه البخاري.فيا مَن أُصِيبَ بفقدِ قَرِيبِ وعَزِيزٍ فلتَصبِر ولتَحتسبِ فَلِلَّهِ مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعطَى وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأجَلٍ مُسَمًّى,وما بُكاؤنا بفقدِ قَرِيبِ وعَزِيزٍ إلاَّ رَحمَةٌ جَعَلَها اللهُ تَعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ.والابتِلاءَاتُ يا رَعاكُمُ اللهُ مِن شَأنِها أنَّها تُنقِّي النُّفُوسَ من التَّعلُّقِ بِغيرِ اللهِ تَعَالى,وتَربِطُها بِخالِقها ومُدَبِّرِ أُمُورِهاَ: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ .فلا شِفَاءَ إلاَّ من اللهِ تعالى ولا استِغاثةَ إلاَّ باللهِ تعالى.فَلَقَد حَقَّقَ أَيُّوبٌ عليه السَّلامُ كَمَالَ التَّوحيدِ فقال: أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ .من قِصَّةِ أيوبَ نأخذُ وجوبَ الالتِجَاءِ إلى اللهِ تَعالى حَالَ الرَّخَاءِ والشِّدَةِ: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ . قالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رحمه الله: ( نِعْمَ الْعَبْدُ الذي كمَّلَ مَراتِبَ العُبُودِيِة حَالَ السَّراءِ والضَّرَّاءِ،والشِّدَّةِ والرَّخَاءِ,فَهو كَثيرُ الرُّجُوعِ إلى اللَّهِ،فِي مَطَالِبِهِ الدِّينِيَّةِ والدُّنَيوِيَّةِ كَثِيرُ الذِّكرِ لِرَبِّهِ والدُّعَاءِ لَهُ، والمَّحَبَّةِ والتَّأَلُّه لهُ). وصَدقَ اللهُ : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ . إنْ كـانَ جُـودُكَ لا يَرجُوهُ ذُو سَفَهٍ فمـنْ يَجُودُ على العَاصِينَ بِالكَرَمِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . البَلاءُ يامؤمنونَ:مُكّفِّرٌ للخطايا رافِعٌ للدَّرجاتِ قالَ ذالكَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ عليه أفضلُ صَّلاةٍ وأزكى سَلامٍ: (مَا يَزَالُ البَلاَءُ بالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ )رواه الترمذي،وَقالَ :حسن صحيح.وقالَ : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصيبُهُ أذىً،شَوْكَةٌ فَمَا فَوقَهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ،وَحُطَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. عبادَ اللهِ:وكما أنَّهُ لا يَجوزُ لِمُسلِمٍ أنْ يَتَمنَّى الموتَ أو يَدعوَ على نَفسِهِ به لِقول رَسُولِنا : ( لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوتَ لضُرٍّ أَصَابَهُ،فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فاعلاً،فَليَقُلْ:اللَّهُمَّ أحْيني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيراً لِي،وَتَوفّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيراً لي). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.أيُّها الكرامُ:وحتى لا يَظُنَّ أحَدٌ أنَّ البَحثَ عن المَصائِبِ مَطلُوبٌ أو مَحبوبٌ فقد قَالَ: ( سَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ). وأَبَو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يوماً يَخطُبُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ ثُمَّ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: ( سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِنَّهُ مَا أُوتِي عَبْدٌ بَعْدَ يَقِينٍ شَيْئًا خَيْرًا لَهُ مِنَ الْعَافِيَةِ). حقَّاً أيُّها النَّاسُ لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ وسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ.وقد أرشَدَ الرَّسُولُ الكريمَ كُلَّ مَكروبٍ أو مَهمومٍ أو مُصابٍ أنْ يُرَدِّدَ ويَقُولُ: « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا.وجَزَاؤهُ: إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ». أسأل الله عز وجل أن يُمتِّعنا جميعا بالصحةِ والعافية، وأن يعيننا على ذِكره وشكره وحسنِ عبادته ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدِّين والدنيا والآخرة،اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدا ما أبقيتنا، اللهم شافِ منَّا كلَّ مريض، وعافِ كلَّ مبتلى رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله أذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
بواسطة : admincp
 0  0  13.1K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:16 صباحًا السبت 11 شوال 1445 / 20 أبريل 2024.