• ×

04:06 مساءً , الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024

إكْمَالا لِقِصَّةِ ذي القَرْنَينِ : مَلِكٌ عَادِلٌ وَمُصْلِحٌ عَظِيمٌ 14/4/1440هـ


زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
إكْمَالا لِقِصَّةِ ذي القَرْنَينِ : مَلِكٌ عَادِلٌ وَمُصْلِحٌ عَظِيمٌ 14/4/1440ه
الحَمْدُ لله القَوِيِّ العَزِيزِ؛ ذِي البَطْشِ الشَدِيدِ، حَبْلُهُ مَتِينٌ، وَنَصْرُهُ قَرِيبٌ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَاكِرِينَ، وَنْسْتَغْفِرُهُ استِغْفَارَ المُذْنِبِينَ، نَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَه قَصَّ علينا من نَبَأِ السَّابِقِينَ ما فيهِ عِبَرٌ للمعْتَبِرِينَ, وَدُرُوسٌ للفَاهِمينَ, وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأمينُ؛ كَانَ يَقِينُهُ بِالله أَقْوَى، وَتَصْدِيقُهُ بِوَعْدِهِ أَشَدَّ, صَلَى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بإِحسان إلى يَومِ الدِّينِ. أمَّا بعدُ فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وتَدَبَّروا كِتابَ رَبِّكمُ وَخُذُا مِنهُ أحسَنَ القَصَصِ وَأصْدَقَها وَأنفَعها, فَقَدْ تَعْرَّضنا لسيرةِ المَلِكِ الصَّالِحِ المُصْلِح العَادِلِ وَكيف أنَّهُ بَلَغَ مَغرِبَ الشَّمسِ وَمَطْلَعَهَا, وَاَّنَّهُ يسيرُ بالنَّاسِ بالرَّحْمَةِ والعدْلِ فَمَنْ آمَنَ باللهِ قَرَّبَهُ وَأكرمَهُ, وَمَنْ أبى عَاقَبَهُ وَعَذَّبَهُ, تَكَلَّمْنَا عنْ رَحلتينَ لَهُ, أمَّا رِحْلَتَهُ الثَّالِثةُ فاللهُ أعلمُ أنَّ اتِّجَاهَهَا كَانَ مُعْتَرِضًا بينَ المَشْرقِ والمَغْربِ قَالَ اللهُ تَعالى:(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً. حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا). وَجَد أُمَّةً بَينَ جَبَلَينِ عَظِيمَينِ, وَجَد أُمَّةً أعْجَمِيَّةً لا يَكادُ أحَدٌ يَفْقَهُ وَيَعْرِفُ قَولَهُمْ وَلُغَتَهُمْ! وَذَلك لاسْتِعْجَامِ كلامِهِم وبُعْدِهم عن النَّاسِ! ولكنَّ ذَا القَرْنَينِ بِمَا حَباهُ اللهُ مِنْ عِلْمٍ وَحْرصٍ على دَعْوَةِ الآخَرينَ أستَطَاعَ أنْ يَتَفَهَّمَ كلامَهُمْ وَمَشَاكِلَهُمْ! لَقَدْ وَجَدَ ذُو القَرْنينِ أُمَّةً مِن النَّاسِ عَاجِزَةً عن الدِّفَاعِ عَن نَفْسِها ! اتِّكَالِيَّةٌ على غَيْرِها! تَنتظِرُ حَلَّ مَشَاكِلِها مِن آخَرِينَ، عندهم قِلَّةُ فِطْنَةٍ، وَقِلَّةُ تَدْبِيرٍ، وَفَوقَ هَذا لُغَتُهُمْ غَرِيبَةٌ جِدَّاً! فَلَمَّا شَخَّصَ حَالَهُمْ وَعَرَفَهُمْ تَمَامًا فَرِحُوا بِهِ واشْتَكَوا إليهِ حَالَهُمْ، (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا). إنَّهُمْ خَائِفُونَ أشَدَّ الخَوفِ من يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَهُمْ مُفْسِدُونَ يَعِيثُونَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَيُهْلِكُون حَرْثَهُم وَنَسْلَهُم بالقَتْلِ والتَّعْذِيبِ والاضْطِهَادِ والاعْتِدَاءِ فقَدْ ذَاقُوا مِنْهُمْ أشَدَّ أنواعِ العَذابِ! فاسْتَنْجَدُوا بالمَلِكِ الصَّالِحِ ذِي القَرْنَينِ فَقَالُوا: اجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا احجُزْهُمْ عَنَّا واحْجُزْنَا عَنْهُمْ! اجْعَل بَيْنَنَا رَدْمًا، بحيثُ لا يَستَطِيعونَ العُبُورَ إلينا، وفي هذهِ الآيةُ دَلِيلٌ على جَوازِ اتِّخَاذِ السُّجُونِ، وَحَبْسِ أهْلِ الشَّرِّ وَالفَسادِ عَنْ النَّاسِ، فَكُلُّ مُفْسِدٍ يَنْبَغي أنْ يُؤَدَّبَ وَيُسْجَنَ. فَمِنَ النُّفُوسِ مَالا يَنْدَفِعُ شَرُّها إلاَّ بالسَّجْنِ! وَقَدْ ظَنَّ القَومُ أنَّهُم سَيَغْرُونَ ذَا القَرنَينِ بالمَالِ فَقَالوا: سَنَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا مُقَابِلَ جُهْدِكَ وَعَمَلِكَ سَنُعْطيكَ من المالِ ما شِئتَ أهَمُّ شيء أنْ تُبْعِدَ شَرَّهُمْ عَنَّا ! فَرَدَّ عليهُمْ ذلِكَ المَلِكُ العَفيفُ الصَّالِحُ المُصْلِحُ بَقَولِهِ: (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ). هَكَذَا بِكُلِّ عِفَّةٍ وَدِيانَةٍ وصَلاحٍ وقَصْدٍ لِلخَيرِ لَقَدْ أَعْطَانِيَ اللهُ مِن الْمُلكِ والمَالِ والتَّمكينِ خَيرٌ لِي مِن الذي تَعْرِضُونَ وَتَجْمَعُونَ، فَمَا جِئْتُ لأشْتَرِيَ بِديني عَرَضَاً مِن الدُّنيا! مَا جِئْتُ لأجْبِيَ الأمْوَالَ وَأجْمَعَهَا! سُبْحَانَ اللهِ يا عِبادَ اللهِ: الأنبياءُ والمُرسَلُونَ والمُصْلِحُونَ مَنْهَجُهُمْ فِي دَعْوَتِهِمْ وإصْلاحِهِمْ: (إنْ أجْرِيَ إلَّا على اللهِ ).(وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا). وهكذا تَلْتقِي كَلِماتُ الصَّالِحينَ مَع كَلماتِ الأَنْبِياءِ والْمُرسَلِينَ، عَليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَكُلُّها ثِقَةٌ باللهِ تَعالى، وَتَوَكُّلٌ عليهِ، واسْتِغْنَاءٌ بِما عندَ اللِه وحدَهُ. عِنْدَ ذَلِكَ طَلَبَ ذو القرنينِ رضيَ اللهُ عنهُ وَرَحِمَهُ مِن القومِ أن يَتَحَرَّكُوا أنْ يعْمَلُوا أن يجتَهِدُوا قَالَ: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا). فالعَمَلُ يحتاجُ إلى قُوَّةٍ مَادِيَّةٍ وَطَاقَاتٍ بَشَرِيَّةٍ. فماذا تُراهُ طَلَبَ مِنْهُم؟ وَما الذي عَمِلوهُ؟ نَتَأمَّلُ كِتَابَ رَبِّنا وَنَنْظُرُ. فالَّلهمَّ ارزقنا تلاوةَ كِتَابِكَ على الوجهِ الذي يُرضيكَ عنَّا, وَفَقِّهْنَا فيهِ فَقَدْ قالَ نبيُّنا صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ). واسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المُسلمينَ من كُلِّ ذَنْبٍّ فاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمدُ لله مُعزِّ الْمُؤمِنينَ، وَنَاصِرِ الْمُتَّقِينَ، وَمُذِلِّ الطُّغَاةِ وَالْمُسْتَكْبِرينَ، نَشهدُ ألَّا إلَهَ إلاَّ اللهُ وحدهُ لا شريكَ لَهُ الْمَلِكُ الحَقُّ العَدْلُ الْمُبِينُ، ونَشهدُ أنَّ مُحمدَاً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ, الَّلهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَليهِ وَعَلى سَائِرِ الآلِ والأَصْحابِ والتَّابِعينَ لَهُمْ بِإحسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أمَّا بَعْدُ. فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ فيما تَقْرَؤونَ وَتسْمَعُونَ من كِتابِ اللهِ وَتَأَمَّلُوهُ وَتَدَبَّرُوهُ تَكُونُوا مِن الْمُفْلِحينَ. عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ طَلَبَ ذُو القَرْنَينِ من القومِ الذينَ لا يفقَهُونَ قولا! فَقَالَ: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا* آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ).
هُنا بَرَزَتْ مَوْهِبَةُ ذِي القَرْنَينِ في اسْتِثْمَار ِالطَّاقَاتِ البَشَرِيَّةِ، فِي نَقْلِ النَّاسِ الْمُتَخَلِّفِين إلى أُنَاسٍ مُنْتِجِينَ، وَتَحويِل الكُسَالَى إلى قَومٍ عَامِلين، قَالَ: قُومُوا فَاشْتَغِلُوا مَعِي، هَيَّا انْفُضُوا غُبَارَ الكَسَلِ والنَّومِ، ثُمَّ وَضَعَ لَهُم مُخَطَّطَ العَمَلِ، وَطَلَبَ مِنْهُم أنْ يَجْمَعُوا لَهُ قِطَعَ الحَدِيدِ، وَأنْ يُرَاكِمُوا بَعْضَهُ فَوقَ بَعْضٍ، (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ). أي صَار بَينَ الجَبَلَينِ اللذانِ يَطْلُعُ مِنهما القَومُ المُفْسِدُون, وَضَعَ قِطَعَ الحَدِيدِ بَعْضَهُ على بعضٍ مِن الأَسَاسِ حتَّى حَاذَى بِه رَأْسَا الجَبَلَينِ طُولاً وَعَرْضَاً, فَإذَا الثَّغْرَةُ قَدْ انْسَدَّتْ تَمَامَاً بِقِطَعِ الحَدِيدِ، (قَالَ انْفُخُوا). وَهَذا عَمَلٌ آخَرُ، يَعْنِي أوقِدُوا وأَجِّجُوا نَارًا، لَكي يَنْصَهِرَ الحَدَيدُ، وَيَلْتَحِمَ بَعْضُهُ مَعَ بَعْضٍ، وإِيقَادُ مْثْلُ هَذهِ النَّار يَحتَاجُ إلى نَفْخٍ بِالْمَنَافِخِ! (حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) فَطَلَبَ مِنْهُم أيضَاً نُحَاسَاً مُذَابَاَ لِيُغَلِّفَ هَذا السَّدَّ الحَدِيدِيِّ فَيَلْتَحِمُ على بَعْضٍ! وَهذَا مِنْ أَقْوى السَّبَائِكِ التي يَعْرِفُها البَشَرُ إلى الآنَ! وإذا أَرَدَّتَ أنْ تَعلَمَ مَرَّةً أُخرى عِلْمَ ذِي القَرنَينِ رَحِمهُ اللهُ، وَحَجْمَ تَمكِينِهِ فِي الأَرْضِ، فَتَأمَّلْ قَولَهُ تَعَالَى:(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا). فَسَتُدْرِكُ أنَّ ذَا القَرنَينِ، بِمَا عَلَّمَهُ اللهُ سَبَقَ مَصَانِعَنَا الحَدِيثَةَ بِقُرُونٍ، فَسُبْحَانَ مَنْ عَلَّمَهُ وَفَهَّمَهُ.
عِبَادَ اللهِ: ما نَتِيجَةُ هذا العَمَلِ الدَّؤوبِ الشَّاقِّ؟ النَّتِيجَةُ تَشْيِدُ سَدٍّ عَظِيمٍ غَير قَابِلٍ لِلاخْتِرَاقِ، (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) فَلَنْ يَسْتَطِيعوا أنْ يَتَسَلَّقُوهُ! (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) وَلَن يَقْدِرُوا أنْ يَخْرِقُوهُ وَيَنَقِبُوهُ وَيَفْتَحُوهُ؛ لإحْكَامِ بِنَائِهِ وَصَلابَتِهِ وَشِدَّتِهِ! فَلَمَّا اكْتَمَل المَشْرُوعُ العَظِيمُ قَالَ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ: (هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي). فَلَمْ يَنْسِبْ إنْجَازَاتِهِ لِنَفْسِهِ، مَا قَالَ: هَذا بِذَكَائِي، بِتَخْطِيطِي، إنَّمَا مِنْ رَحْمَةِ رَبِّي عَلينَا، قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ رَحِمهَ اللهُ تَعالىَ: فَلَمَّا فَعَلَ ذُو القَرْنَينِ هَذا الفِعْلَ الجَمِيلَ، أَضَافَ النِّعْمَةَ إلى مُولِيهَا فَقَالَ: هَذَا مِن فَضْلِهِ وَإحْسَانِهِ عَلَيَّ، وَهَذِهِ حَالُ الخُلَفَاءِ الصَّالِحِينَ، إذَا مَنَّ اللهُ عَلَيهِمْ بِالنِّعَمِ الجَلِيلَةِ، ازْدَادَ شُكْرُهُمْ وَإقْرَارُهُمْ، وَاعْتِرَافُهُم بِنِعْمَةِ اللهِ عَليهِمْ. بِخِلافِ أَهْلِ التَّجَبُّرِ وَالتَّكَبُّرِ وَالعُلُوِّ فِي الأَرْضِ فِإنَّ النِّعَمَ تَزِيدُهُمْ أَشَرَاً وَبَطَرَاً!
ثُمَّ قَالَ: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي) أي: لِخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ جَعَلَ اللهُ ذَلِكَ السَّدَّ المُحْكَمَ (دَكَّاءَ) أي: دَكَّهُ فَانْهَدَمَ، وَاسْتَوى هُوَ والأَرْضَ (وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا). كُلُّ ذَلكَ خَوفَاً مِنْ أَنْ يَظْهرَ عَليهِمْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ بينِ الجَبَلينِ! فَمَنْ هؤلاءِ القَومُ الَمْرْعِبُونَ المُفْسِدُونَ ؟ لَنَا وَقَفَاتٌ قُرْآنِيَّةٌ وَنَبَوِيَّةٌ مَعَهُمْ بِإذْنِ اللهِ تَعَالى. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مِنْ دُرُوسِ قِصَّةِ ذِي القَرْنَينِ: وُجُوبُ نَشْرِ الخَيرِ, وَإِقَامَةِ العَدْلِ بَينَ الرَّعِيَّةِ، وإبْعَادِ كُلِّ شَرٍّ وَخَطَرٍ دِينِيٍّ أو دُنْيَوِيٍّ عَنْهُمْ. أَنَّ حَقَّ المُؤْمِنَ الصَّالِحَ الدَّاعِيَ إلى اللهِ تَعَالَى، الآمِرَ بِالمَعْرُوفِ النَّاهِيَ عَن المُنْكَرِ، أنْ يُقرَّبَ وَيُجَازَى بِالجَزَاءِ الحَسَنِ، وَيُخَاطَبَ بِاليُسْرِ وَالسُّهُولَةِ. وأنَّ المُعْتَدِيَ وَالظَّالِمَ والفَاسِدَ والمُفْسِدَ يَجِبُ أنْ يَلْقَى عِقَابًا رَادِعًا. فَقَدْ رُويَ عَنْ نَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ , وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ , وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الْمُسِيءِ الظَّالِمِ , وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا , أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ , وَلَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ». فَتَعْسَاً لِمَنْ يُحَارِبُ اللهَ وَهُوَ الذي أَوْجَدَهُ وَمَكَّنَهُ! أيُّهَا المُوقِنُونَ: مِنْ أعظَمِ الدُّرُوسِ أنْ نَعْلَمَ أنَّهُ مَهْمَا طَالَ لَيلُ الظَّالِمِينَ فَالعَاقِبَةُ للمتقين، فَبِالْحَقِّ يَحْكُمُونَ، وَبِالعَدْلِ يَسُوسُونَ. (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ). فَالَّلهُمَّ زِدْنَا مِن الإيمَانِ وَلا تَنْقُصْنَا, وَأَكْرِمْنَا بِطَاعَتِكَ وَلا تُهِنَّا, ولا تُؤاخِذْنا بِما كَسَبْنَا ولا بِمَا فَعَل السُّفَهاءُ مِنَّا, الَّلهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن. اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللَّهُمَّ أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ والرَّخاءِ والاستقرارِ, وأصلحْ لنا وُلاتَنَا وهيئ لِهُم بِطَانةً صَالحةً نَاصِحَةً واجعلهم رَحمةً على رعاياهم. اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ. واغفر لنا ولِوالدينا والمسلمينَ أجمعينَ. ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ. اللهمَّ انفعنا وارفعنا بالقُرآنِ الكريمِ, واجعلهُ حُجَّةً لنا لا علينا, رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
 0  0  562  05-01-1440
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 04:06 مساءً الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024.