• ×

05:39 صباحًا , السبت 18 شوال 1445 / 27 أبريل 2024

خطبة الجمعة 27-05-1435هـ بعنوان الحِرزُ من الشَّيطانِ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 

الحمدُ لله المُتوحِّدِ في الجَلالِ تَعظيمًا وتكبيرًا،المتفرِّدِ بِتَصرِيفِ الأَحوالِ تَقديرًا وتَدبيرًا، المُتَعالِي بِعظمتِه ومجدِهِ الذي نَزَّلَ الفُرقانَ على عبدِه لِيكونَ لِلعالَمِينَ نَذيرًا،نَشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا له وتوحيدًا،ونشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ الله ورسولُهُ أرسَلهُ اللهُ هَادِيًا ومُعلِّماً وَبَشيرًا,وداعيًا إلى الله بإذنِه وسِراجًا منيرًا،فَصلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهرينَ وعلى صَاحَبَتِهِ الغُرِّ المَيامِينِ والتَّابعينَ لهم بِإحسانٍ وإيمانٍ وسَلَّمَ تَسليماً مَزِيدا.

أمَّا بعدُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .

أيُّها المؤمنونَ:الحديثُ عن القُرآنِ يُورثُ المُسلِمَ رَغبَة ًفي تعلُّمِ القرآنِ وتَعلِيمِهِ,والإقبالِ عليهِ وَتَفَهُّمِهِ وتَفهيمِهِ،فَيزدَادُ بِذلِكَ إِيمَانًا وَثَبَاتًا،وَيقْوى قَلبُهُ وإيمَانُهُ فيكونُ لَهُ قُوَّةً وعتَاداَ. والقرآنُ الكَرِيمُ كِتابٌ عَظيمٌ كُلُّهُ,واللهُ بِحِكْمَتِهِ فَضَّلَ بَعضَ السُّورِ على بَعضٍ،كَما فَضَّلَ بعضَ الآياتِ على بَعضٍ،فَسبحَانَهُ يَفعَلُ مَا يَشاءُ وَيَحكُمُ مَا يُريدُ،وهو الحَكيمُ العَليمُ.

أيُّها المُؤمِنُونَ:آيةٌ في كِتابِ اللهِ هِيَ سَيِّدَةُ آيِ القُرآنِ الكَرِيمِ,وأعظَمُ آيَةٍ فيهِ,فيها اسمُ اللهُ الأَعظَمُ الذي إذا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وإذا سُئِلَ بِه أَعطَى,آيَةٌ قادِرَةٌ على مُنَازَلَةِ الشَّيطَانِ وَحَرْبِهِ!

لَقد كانَ مُعلِّمُنا يَستَعمِلُ أَحسَنَ الأَسَالِيبِ في تَعلِيمِ وَتَشجِيعِ أَصحَابِهِ!فقد حدَّثَ أبيُّ ابْنُ كَعْبٍ قَالَ قَال رَسُولُ اللَّهِ :يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.فقَالَ:« يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قُلْتُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ:«وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ».رواهُ مُسلِمٌ. إي واللهِ هَنِيئَاً لَنا آيةَ الكُرسِيِّ لِما فيها من الفضائلِ والمكرُمَاتِ.!

عبادَ اللهِ:والمُتَأَمِّلُ فيها يُدرِكُ أنَّها اشتَمَلَت على عَشْرِ جُمَلٍ!كُلُّ جُملَةٍ لَها مَعنىً عَظِيمٌ.

فَأوَّلُها:قَولُهُ سُبحانَهُ: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِخبَارٌ بِأنَّهُ سُبحانَهُ هو المُستَحِقُّ لِلعبَادَةِ المُتَفَرِّدُ بِالإلَهِيَّةِ على جَمِيعِ الخَلائِقِ.لِكَمَالِهِ وَكَمَالِ صِفَاتِهِ وَعَظِيمِ نِعَمِهِ،وُكُلُّ مَا سِوى اللهِ بَاطِلٌ، لِكَونِ مَا سِواهُ مَخْلُوقَاً نَاقِصَا مُدَبَّرَا فَقِيراً،فَلَم يَستَحِقَّ شَيئَاً مِن أَنواعِ العِبَادَةِ،

وَثَانِيها:قَولُهُ سُبحانَهُ: الْحَيُّ الْقَيُّومُ وهَذانِ الاسمَانِ الكَرِيمَانِ يَدُلاَّنِ على سَائِرِ الأَسمَاءِ الحُسنى دَلالَةَ مُطَابَقَةٍ وَتَضَمُّنَاً وَلُزُومَاً،وَقَدْ قَالَ بَعضُ المُحَقِّقِينَ:إنَّهُما الاسمُ الأَعظَمُ الذي إذا دُعِيَ اللهُ بِهِ أَجَابَ،وإذا سُئِلَ بِهِ أَعطَى،فَهُمَا جَامِعَانِ لِكَمَالِ الأَوصَافِ،والأَفعَالِ؛فَكَمَالُ الأَوصَافِ في قَولِهِ{الحَيُّ}؛فهو ذُو الحَيَاةِ الكَامِلَةِ المُستَلْزِمَةِ لِجَميعِ صِفَاتِ الذَّاتِ، كالسَّمْعِ والبَصَرِ والعِلْمِ والقُدْرَةِ،فَحَيَاتُهُ سُبحانَهُ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ،وَكَمَالُ الأَفعَاِل في قَولِهِ:{ الْقَيُّومُ }فهو القَائِمُ على نَفْسِه فلا يَحتَاجُ إلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِه؛والقَائِمُ على غَيرِهِ فَكُلُّ أَحَدٍ مُحتَاجٌ إليه،مُفتَقِر ٌإليهِ،وهو الغَنيُّ عنها،سُبحَانَهُ وبِحَمْدِهِ.يَفْعَلُ ما يَشَاءُ من الاستِوَاءِ والنُّزُولِ والكَلامِ والرِّزقِ والإِمَاتَةِ والإِحيَاءِ،وَسَائِرِ أَنواعِ التَّدبِيرِ،كُلُّ ذَلكَ دَاخِلٌ في قَيُّومِيَّةِ البَارِي، وَمِن تَمَامِ حَيَاتِهِ سُبحَانَهُ وبِحَمْدِهِ.

وَثَالِثُ الجُمَلِ:قولُهُ سُبحانَهُ: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ .فَمِن تَمَامِ قَيُّومِيَّتِهِ أنَّه لا يَعتَرِيهِ سِنَة فَلا يَغْلِبُهُ نُعَاسٌ وَلا نَوْمٌ وهو أقوى من السِّنةِ.وهُو يَدُلُّ على كَمَالِ حَيَاتِهِ،وقَيُّومِيَّتِهِ.وفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ.عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ:« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِى رِوَايَةِ أو النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ».

وَرَابِعُهَا:قولُهُ سُبحانَهُ: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ فالجَمِيعُ عَبيدُهُ وفي مُلكِهِ، وَتحتَ قَهْرِهِ وَسُلطَانِهِ،فهو الخَالِقُ الرَّازِقُ وَغَيرُهُ مَخلُوقٌ مُدَبَّرٌ لا يَملِكُ لِنَفسِه ولا لِغَيرِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ في السَّمَاواتِ ولا في الأَرضِ.

وخَامِسُ الجُمَلِ:قولُهُ سُبحانَهُ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ .وهذا من عَظَمَتِهِ وجَلالِهِ وكِبْرِيَائِهِ،فَالشَّفَاعَةُ كُلُّها لِلهِ،فلا يَتَجَاسَرُ أَحدٌ أنْ يَشفَعَ لِأَحدٍ إلاَّ إذا أَذِنَ اللهُ لَهُ, إكرامَاً من اللهِ لِلشَّافِعِ أنْ يَشفَعَ,حتى أَعظَمَ النَّاسِ جَاهاً عِندَ اللهِ لا يَشفَعُ إلاَّ بِإذنِ اللهِ؛ وفي حَدِيثِ الشَّفاعَةِ كما في الصَّحيحينِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ:« يَجْمَعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَأْتُونَ آدَمَ ونُوحًا وإِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ ويَأْتُونَ مُوسَى وعِيسَى حتى يأْتُوا مُحَمَّدًا عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ:فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يُقَالُ لِي ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ».فالإذنُ بالشَّفاعَةِ رَحمَةٌ من اللهِ وكَرَمٌ وإحسَانٌ.

وَسَادِسُ الجُمَلِ:قولُهُ سُبحانَهُ: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ .فاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَعلَمُ الأَشيَاءَ كُلَّها عِلماً تَامَّاً شَامِلاً لَها جُملَةً,وَتَفْصِيلاً؛دَقِيقِها وَجَلِيلِها,مُتَقَدِّمِها ومُتَأَخِرِّها،ظَاهِرِها وبَاطِنِها،غَيبِها وشَهَادَتِها،فَيَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أي:مَا مَضى مِن جَمِيعِ أُمورِهم.وَمَا خَلْفَهُمْ أي:وما يُستَقبَلُ مِنها،والعِبَادُ لَيس لَهم مِن العِلمِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ إلاَّ مَا عَلَّمَهُمُ اللهُ تَعالَى،

وكُلُّكم يارعاكُمُ اللهُ:عاشَ هذا المعنى العظيمَ من سَعَةِ عِلمِ اللهِ تعالى حينَ فُقِدَت الطائِرَةُ المالِيزِيَّةُ قبلَ أيَّامٍ فقد احتارَ العُلمَاءُ والخُبراء,وهَبَّتِ دُولٌ بِأَجهِزِتِها وأَقمَارِها وسُفُنِها لِلبَحثِ عنها لِعِدَّةِ أيَّامٍ!واللهُ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا!حتى هَدَاهُم لها! سُبحَانَهُ وبِحَمْدِهِ.

وَسَابِعُها:قولُهُ سُبحانَهُ: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ أي:لا يَطَّلِعُ أَحَدٌ على شَيءٍ إلاَّ بِمَا أَعلَمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وأَطلَعَهُ عليه.فلا يَعلَمُونَ شَيئاً عَن اللهِ سُبحانَهُ وأَسمَائِهِ، وصِفَاتِهِ،وأَفعَالِهِ،إلاَّ بِمَا شَاءَ أنْ يُعَلِّمَهُم إيَّاهُ،فَيَعلَمُونَهُ.

وَثَامِنُها:قولُهُ سُبحانَهُ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ،أي شَمِلَ وأَحَاطَ،والكُرسِيُّ:مَوضِعُ قَدَمَيِ الرَّبِّ جَلَّ وعلا؛وهو بَينَ يَدَي العَرْشِ كالمُقدِّمةِ له؛وقد صح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَالْعَرْشُ لا يُقْدَرُ قَدْرُهُ).وهذا يَدُلُّ على كَمَالِ عَظَمَتِهِ وَسَعَةِ سُلطَانِهِ،فإذا كانَ حَالَةُ الكُرسِيِّ أنَّهُ يَسَعُ ويَشمَلُ السَّمَاواتِ والأَرضِ على عَظَمَتِهَمَا وَعَظَمَةِ مَنْ فِيهِمَا،فَكيفَ بِعَظَمَةِ خَالِقِها ومُبدِعِها،وبِها سُمِّيت بِآيةِ الكُرسيِّ!

وَتَاسِعُها:قولُهُ سُبحانَهُ: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا أي لا يُثْقِلُهُ،ولا يَشُقُّ عليه حِفظُ السَّمواتِ، والأَرضِ؛وَمَنْ فِيهمَا وما بَينَهُمَا،فَكُلُّ ذالِكَ سَهلٌ عَليهِ وَيَسِيرٌ لَدَيهِ,

وآخِرُ الجُمَلِ قولُهُ سُبحانَهُ: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ فَلَهُ العُلُوُّ المُطلَقُ،عُلُوُّ ذاتٍ وعُلُوُّ قَدْرٍ وعُلُوُّ قَهْرٍ؛وهو ذُو العَظَمَةِ في ذَاتِهِ،وَسُلطَانِهِ،وأسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.

ألا فَمَا أَعظَمَها مِن آيةٍ؛حَوَتْ أَسمَاءَ اللهِ وَصِفَاتِهِ،وَشَمِلَت تَوحِيدَ اللهِ في ألوهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَمَا لَهُ مِن سُلطَانٍ على عِبَادِهِ،وقُدرَةٍ على جَميعِ مَخلُوقَاتِهِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا . فَاللَّهُمَّ أملئ قُلُوبَنا بِحُبِّكَ وَخَشْيَتِكَ وَتعظيمِكَ ياربَّ العالَمينَ.إِنَّا نَسْأَلُكَ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى,أقولُ ما سَمِعتُم واستَغفِرُ اللهَ لي ولَكُم ولِسائِرِ المُسلِمينَ من كلِّ ذَنبِّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ جَعَلَ كِتَابَهُ لِكُلِّ خَيرٍ هَادِيًا،ومِنْ كُلِّ دَاءٍ شَافِيًا،وعمَّا سِواهُ مُغنيًا وكَافِيًا،نَشهدُ ألاَّ إله إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَه رَبُّ الأَربَابِ،ومُسَبِّبُ الأسبابِ وخالِقُ النَّاسِ من تُرابٍ, ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسولُهُ،الشَّافِعُ المُشَفَّعُ يومَ الحشرِ والمآبِ،صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى جميعِ الآل والأصحَابِ.

أَمَّا بَعدُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .

أيُّها المُؤمنونَ:ومِمَّا يَزيدُ آيةَ الكُرسيِّ تَشرِيفاً وَتعظِيماً أنْ جَعَلَها اللهُ حِرْزَاً من الشَّيطانِ والجنِّ والسَّحَرَةِ والمُشعوِذِينَ،فَمن قَرأَها مِن لَيلَتِه لا يزالُ عليه من الله حافظٌ حتى يصبحَ، وَمَنْ قَرَأَها حِينَ يُصبِحُ فلا يَزَالُ عليهِ مِن اللهِ حَافِظٌ حتى يُمسِي.

عبادَ اللهِ: تَأمَّلوا في قِصَّة أبي هريرةَ حين وكَّلهُ رَسُولُ اللهِ بِحفظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَاهُ آتٍ في الَّليلِ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذَهُ وقالَ : وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ قَالَ:إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ،قَالَ:قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ إِنَّهُ سَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَعَلَ ذالِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنَّكَ ثُمَّ بعدَها قَالَ لأبي هريرةَ دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللهِ حَافِظٌ،وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ مَا هِيَ قُلْتُ :{اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}.فَقَالَ النَّبِيُّ أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : لاَ قَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ.رواه البخاريُّ

أيُّها المؤمنون:ومن حَافَظَ على قِراءَتِها دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ فَلَيسَ يَمنَعُهُ من دُخُولِ الجَنَّةِ إلاَّ أنْ يَمُوتَ،وفي الحَدِيثِ الذي رواهُ الإمامُ النَّسائِيُّ وغيرُهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ : (مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ). وعندَ الطبرانيِّ رحمهُ اللهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ : (مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ فِي ذِمَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى الصَّلاةِ الأُخْرَى).

فَحَرِيٌّ بِكُلِّ مُسلِمٍ ومُسلِمَةٍ أنْ يَحفَظَهَا ويُرَدِّدها ويَتَفَهَّمَها,مُوقِناً بِمَا جَاءَ فِيها إيمَانَاً صَادِقَا وَيَقِينَاً خَالِصَا.

اللهم وفقنا للعمل بكتابك الكريم، اللهم حبِّب إلينا القرآن،واجعله ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا،اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.
بواسطة : admincp
 0  1  6.9K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 05:39 صباحًا السبت 18 شوال 1445 / 27 أبريل 2024.