• ×

07:12 صباحًا , الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445 / 21 مايو 2024

خطبة الجمعة 21-02-1431هـ بعنوان طهارة الظاهر والباطن

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله الذي أتمَّ علينا النِّعمةَ وأكملَ لنا الدِّين , أمَرَنا باتباع محمدٍ سيِّدِ الأنبياءِ وإمامِ المرسلين , وحذَّرنا ونهانا من سبيل المخالفين والمشركين , نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , أحكمُ الحاكمين , ونشهد أنَّ محمدا عبدالله ورسولُه المبعوثُ رحمةً وأمانا للعالمين . صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وأصحابه أهلِ الهدى والتُّقى كانوا على صراطٍ مستقيم ومن تبعهم بإحسان وإيمان إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله وامتثلوا ما أمركم به المصطفى الأمين تسعدوا وتفوزوا بالدَّارين وتتوالى النِّعمُ عليكم ظاهرةً وباطنة (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)
أيُّها المؤمنون: ديننا دينُ الفطرةِ السَّليمةِ وهي صبغةُ الله التي صَبَغَ المسلمين عليها (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) فَطَرَنا وخلقنا وسوَّانا وهدانا فنحمدُ الله تعالى أنْ شرَّفنا بهذا الدِّينِ القيِّم . دينُ العقيدة السَّليمةِ والشَّريعةِ الكاملة المُيَسَّرة, دينٌ يعالجُ ويراعي شؤونَ حياتِنا كلِّها .
تأملوا عباد الله : في جانبٍ واحدٍ فقط فستدركون عظمةَ هذا الدينِ وحكمةَ ربِّ العالمين
فقد أقرَّ الدينُ ما تتطلبه الفطرةُ من سرور وفرح ,ولباسٍ وزينة وطهرٍ ونقاءٍ, كلُّ ذلك مُحاطٌ بسياجٍ من الأدب الرفيع مع المُتعة بما أباح الله وأحلَّ, بعيدا عن الخنا والعريِّ , والفسادِ والحرام , فالمسلمُ يجمع بين نظافتين وطهارتين (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) فمع تطهير المعتقد أمر اللهُ تعالى بتطهير وتنظيف الظاهر والجسد . وحينما قال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (( لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ! )) فهم بعضُ الصحابة ِأنَّ التَّطهُّر والجمالَ وحسنَ المنظر من الكبر فَقَالَ رَجُلٌ يارسول الله: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً ، ونَعْلُهُ حَسَنَةً ؟ فقَالَ : صلى الله عليه وسلم (( إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ ، الكِبْرُ : بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ )) رواه مسلم .

أيُّها المؤمنون: السعي إلى الأخذ بالزينة وقصد التجمُّل والحرصِ على التَّطهرِ والتنظفِ من خصال ديننا الحنيف ومن سنن الله التي فطرنا وأمرنا بها ولهذا قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) قال: ابنُ القيِّمِ رحمه الله : وقد أنزل الله على عباده اللباس والزينة لِتَجْمُل ظواهرُهم وجعل لهم التقوى لتجمُلَ بواطِنُهم .ولذا عدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عشرا من خصالِ الفطرة التي تدعوا إلى طهارة الظاهر والباطن فقال (( عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ : قَصُّ الشَّارِبِ ، وَإعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ، وَالسِّوَاكُ ، وَاسْتِنْشَاقُ المَاءِ ، وَقَصُّ الأظْفَارِ ، وَغَسْلُ البَرَاجِمِ ، وَنَتف الإبْطِ ، وَحَلْقُ العَانَةِ ، وَانْتِقَاصُ المَاءِ )) قَالَ الرَّاوِي : وَنَسِيْتُ العَاشِرَةَ إِلاَّ أنْ تَكُونَ المَضمَضَةُ . رواه مسلم ) .
إي واللهِ إنِّها فطرُ وَسُنًنُ المرسلين وتركُ الأخذِ بها , إهمالٌ للجسم وتشبُّه بغير الآدميين بل وتشبُّهٌ بالكافرين والمنحرفين . فدين الإسلام أخذ على أتباعه وأمرهم بنظافة البدن واللباس والبقعة مع صفاء القلب وسلامة الصدر. وتأملوا عباد الله : في أحوال أممٍ غيَّروا خلقَ الله وفطرةَ الله لقد انقلبت فِطرُهُم حتى استحسنوا القبائح وانحرفوا عن السلوك السَّويِّ فصاروا كالبهائم يعيشونَ عراةً أو شبه عراةٍ ويتهارشون في الطرقات ولا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ولا يهتدون إلى الطُّهر سبيلا .
والمسلم بحمد الله هو صاحبُ الطهر والنظافة والنقاء . فالطُّهُور شطرُ الإيمان وشرع اللهُ الوضوءَ لكل صلاةٍ لطهارة الظاهر والباطن وفي الحديث عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول :
(( أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْرَاً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ ؟ )) قالوا : لا يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ ، قَالَ : (( فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا )) متفقٌ عَلَيْهِ . أيُّها المؤمنون استمعوا إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحثُّ على الطهارة والنظافة والنقاء فيقول:
(( لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيب بَيْتِهِ ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَينِ ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإمَامُ ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى )) رواه البخاري .
واعلم يا رعاك الله أنَّ التَّطهرَ والنظافةَ ليست مقصورةً على مجامع الناس فحسب بل في خاصة نفسِك وإنْ كنت في خلوتك كالاستحداد وقصِّ الأظافر وعدمِ مسِّ ذَكَرِكَ بيمينك أو الاستنجاءِ أوالاستجمار باليمين كُلُّ ذلك من الطهارة والنظافة والنَّقاء بل حتى عند نومك ومبيتك أُمرتَ بالطهارة , فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ مسلم يبيت طاهرا على ذكرِ الله فيتعارَّ من الليل فيسألُ الله من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه) وفي الحديث الآخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (طهِّروا هذه الأجسادَ طهَّركم الله فإنه ليس عبدٌ يبيت طاهراً إلا بات معه ملكٌ في شعاره ولا ينقلب ساعة من الليل إلا قال اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً) .
عباد الله : لقد كان هديُ نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أعدلَ هدي وأكملَه فكان يلبس الحسن من الثياب ويُحبُّ البياضَ من الثياب ويتطيب بالمسك والعنبر وكان يرجِّل شعره ويتعاهده والله تعالى " يحبُّ أن يرى ظُهورَ أثرَ نعمتِه على عبده " بل كان رسولنا يُنكِّر على من قََبُح منظرُه واتسخت ملابسُه وبليت ثيابُه فقد قال:جابرُ بنُ عبد الله - رضي الله عنهما - «أتانا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ، فرأَى رجلا ثائِرَ الرأْسِ ، فقال : أَما يَجِدُ هذا ما يُسَكِّن به شعرَه؟».) وَرَأَى رَجُلاً آخَرَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ « أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ ».) حقا عباد الله (إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ) فاللهم طهِّر بواطننا من الشرك والغل والحقد والحسد وطهر أجسادنا من النجس والقذر وارزقنا حسن القول والعمل أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي فطر خلقه على ما تستحسنه العقولُ , وأيَّد ذلك بما أمر وعمل به الرسولُ فطرةٌ جُبِل عليها خَلْقا وخُلُقا وأمرنا الربَّ باتباعها تعبُّدا له ورِقا .نشهدُ ان لا اله الا الله وحده لا شريك له كريمٌ عظيمُ الأسماء والصفات , ونشهد أنَّ محمدا عبدالله ورسوله نبيُّ الفضائل والمكرمات صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وإيمان إلى يوم الممات.
أما بعد . فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى فالسعيدُ من اتقى ربَّه وتدبر أمره وأخذ ليوم الحساب حذره (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) مع الأسف الشديد هناك أناسٌ بخلوا على أنفسِهم و انشغلوا بالمعايش فلم يُعطوا النَّفسَ حقَّها من الطهارة والنظافة والجمال . فليست الفوضى في اللباس والمظهر من الاسلام في شيء. وبمقابل أناسٌ أسرفوا على أنفسهم حتى تجاوزوا الحدَّ المشروع وخالفوا أمرَ الله ورسولِه فالإسلامُ يدعو إلى الجمال من غير إسرافٍ ولا تكلُّف فقد سأل رجلٌ عبدَ الله بنَ عمرَ رضي الله عنهما : ما ألبس من الثيابِ ؟ قال : مالا يزدريك به السُّفهاءُ ولا يعيبك فيه الحكماءُ . وإذا كان الأمر كذلك فليس من الجمال إسبالُ الملابس بل عدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك كِبرا وخيلاء فقَالَ : (( لا يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إزاره بَطَراً )) متفقٌ عَلَيْهِ . وقَالَ : (( مَا أسْفَل مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإزْارِ فَفِي النار )) رواه البخاري
ونهى رسولُ الله الرجالَ عن لبسِ الحرير وعن التَّختُّمِ بالذَّهب وعن لبس ثوب الشُّهرة .
عباد الله : يا من رضيتم بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا . ليس من الجمال في شيء حلقُ اللحى بحجةِ الزينة والجمال ومن تأمل هديَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام قولا وعملا علم أنَّ حلقَ اللحية ليس بالأمر الهيِّنِ كما يظنه بعض إخواننا نذكر هذا عباد الله لأنَّ البلوى قد عمَّت بحلقها , ولقلة إنكارنا فيما بينَنَا عليها . وإمامُنا وقدوتُنا صلى الله عليه وسلم يقول (خالِفُوا المشركين : وَفِّروا اللِّحى ، وأَحْفُوا الشوارب) وقال صلى الله عليه وسلم (جُزُّوا الشواربَ وأرخوا اللحى خالفوا المجوس) قال الشيخُ السَّعديُّ رحمه الله في خطبةٍ له ( أيُّها الناسُ اتقوا الله وتمسَّكوا بهدي نبيكم المصطفى , وامتثلوا أوامره واجتنبوا عنه زجر ونهى, فقد أمركم ربكم بحفِّ الشواربِ وإعفاءِ اللحى وأخبركم أنَّ حلقَها وقصَّها من هدي الكفار والمشركين, ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم فالله الله يا عباد الله في لزوم دينكم ولا تختاروا عليه سواه , فوالله ما في الاقتداء بأهل الشرِّ إلا الخزيُ والندامةُ ولا في الاقتداء بنبيكم إلا الصلاحُ والفلاحُ والكرامةُ وإيَّاكم أن تصبغوها بالسواد فقد نهى عن ذلك خير العباد . انتهى
عباد الله إنَّ إعفاءَ اللحية من سنن الفطرة فحقُّها الإكرام والتطييبُ والترجيل . وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم . ومن أكرمها ظاهرا فحريٌ أن يكون مُكرما لها بأخلاقه وأدابه لِيتطابقَ المظهرُ مع الجوهر ( فإِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) ( ولَيْسَ الْإِيمَان بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي , وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْب وَصَدَّقَهُ الْعَمَل ).
فاللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم ارزقنا إتباعه ظاهرا وباطنا
فاللهم ارزقنا جميعا حسن القول والعمل اللهم جمِّل بواطننا بالاخلاص والتقوى. وظواهرنا بالطهر والنقاء
اللهم احشرنا في زمرته وارزقنا السير على سنته ياربَّ العالمين
اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة ياربَّ العالمين
اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان ووفقنا لما تحبُّ وترضى يا رحمان
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى واجعلهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ياربَّ العالمين
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

بواسطة : admincp
 0  0  16.6K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 07:12 صباحًا الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445 / 21 مايو 2024.