• ×

12:04 مساءً , الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445 / 21 مايو 2024

خطبة الجمعة 20-07-1431هـ بعنوان أناس موفقون في الإجازة الصيفية

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله خلَق الإنسانَ ولم يكن شيئًا مَذكورًا، أحسَن صورتَه وجعله سميعًا بصيرًا، أرسَل إليه الرسل وهداه السبيلَ إمَّا شَاكرًا وإمّا كفورًا، نشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له إنّه كان حليمًا غفورًا، ونشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، بلَّغ الرسالة وأدّى الأمانةَ وكان لله عبدًا شكورًا، صلَّى الله وسلَّّم وبارك عليه وعلى آلِه وأصحابه رجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدوا الله عليه فكان جزاؤهم جزاءً موفورًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلَّم تسليما مزيدا,
أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي العاصمةُ من الفتن، والمنجيةُ من المهالك ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب
أيُّها المسلمون، الوقتُ هو مادَّةُ الحياة، ، والأعمالُ الصالحةُ هي أغلَى الذَّخائرِ، والعُمرُ أثمنُ بضاعةٍ، والحسرةُ والخَسارُ لمن قصَّر فيه وأضاعَه، ومِن علامات المقتِ إضاعةُ الوقت، وإذا أحبَّ الله عبدَه بارك له في عُمرِه, والخيرُ والتّوفيق في بركة العمر، لا في طولِه و قِصَرِه، والمسلم يستعيذ بربِّه من فتنة الْمِمات ومن فتنةِ الْمَحيا كذلك.
والخلقُ كلُّهم مأمورون بعبادة الله وحده لا شريك له، فاللهُ يقول: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وإنَّك لَتَغْبِطُ أناسا جعلوا الإجازةَ مَغْنَمَاً , نظروا إليها بفأل حسن! وحرِصوا فيها على ما ينفعُهم فلم يَعْجَزُوا , تركوا التشكِّيَ والتسخُّطَ والتلاومَ, وتحميلَ الآخرينَ الأخطاءِ , وأخذوا بدعاءِ نبيِّنا (اللهم إنِّي أعوذ بك من العجز والكسل ومن الجبن والبخل ) فاغتنموا صحتَهم وفراغَهم بما يرضي ربَّهم أخذا من قول نبيِّنا : ( نعمتانِ مغبونٌ فيها كثير من الناس: الصحةُ والفراغ ).
عباد الله : حصولُ الفراغِ وكمالُ الصِّحة نعمةٌ عظيمة، قلَّ من النَّاس من يُدرِكُها ويستثمرُها بما بالنافع في الآخرة والأولى وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
فلمثل هؤلاء نقول جزاكم الله خيراً وثبَّتنا اللهُ وإيَّاكم على الطَّريق المستقيمِ وجنَّبنا جميعاً سُبُلَ الشيطانِ الرَّجيم ، فكأني بِهؤلاءِ القوم قد بدأو إجازتَهم بقراءة شيءٍ من القرآن الكريمِ، يُحيُون قلوبَهم بكلام ربِّهم ،ويتمثَّلون قولَ المصطفى : ((خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلمه)) وكأني بِهم يطمحون لأن يكونوا من أولئك الذين قال الله عنهم، إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ
كأني بإخواني هؤلاء يسعون جاهدين أن يَخْتِمُوا القرآنَ الكريمَ في شهرٍ من الأشهر الْحُرُم قبل أن يُدركَهُم رمضانُ !
ثم صِنفٌ آخرُ من النَّاسِ موفَّقون في الإجازةِ , لزيارة الأقارب والأرحام، وكأنِّي بِهم يتصوَّرون الأعرابيَّ الذي أمْسَكَ بزمامِ ناقةِ النبيِّ  فقال يا رسول الله أخبرني بأمر يُدخِلُنِي الجنةَ وينجِّيني من النَّار؟ فَنَظَرَ  إلى وجوهِ أصحابِه وقال: ((لقد وفِّقَ أو هُدي ، لا تشركْ بالله شيئاً، وتقيمَ الصلاةَ، وتؤتيَ الزكاةَ وتصلَ الرحمَ ))
نعم حَرِصُوا على أرحامِهم خوفاً من العذاب الأليم إنْ هم قصَّروا في ذلكَ ,
فالنبيُّ يقول إنَّ اللهَ قال : ((أنا اللهُ وأنا الرحمنُ خَلَقتُ الرحمَ واشتققتُ له اسماً من اسمي، فمن وصلَها وصلتُه، ومن قطعها قطعتُه))

عباد الله: ومن الجوانب المضيئةِ في الإجازات الصيفيةِ , تلك المحاضنُ التربويةُ من دوراتٍ علميةٍ , وحلقاتٍ لتحفيظ كتابِ الله وتعليمه , ودوراتٍ مُكَثَّفَةٍ للقرآن تنتشرُ في بلدتنا للبنينَ والبنات ولله الحمدُ والمنَّةُ ،
فعلينا يا كرامُ : إلحاقهم بالمراكز الصيفيةِ التي هي بِحقٍّ فُرَصٌ تربويّّةٌ ,عظيمٌ نفعُها، ثريّةٌ معلوماتُها، تحفَظُ الأوقاتَ، وتعينُ على الخير وتُوَثِّقُ الصِّلاتَ بالرفقةِ الصالحةِ,
قام عليها أناسٌ صالحون مُصلحون همُّهم الصَّلاح والإصلاح فليبشروا بالخيرِ فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم قال ( خيرُ الناس أنفعُهم للناس)
أيُّها الكرامُ : وَفَضَلاً عَن هَذَا وذاك فَإِنَّ في الإجازاتِ فرصٌ لأَعمَالٍ دُّنيَوِيَّةٍ مُبَاحَةٍ مِن تِجَارَةٍ َوصِنَاعَةٍ, ومِهَنٍ وحِرْفةٍ ، تنفي البَطَالَةَ وَالكَسَلَ الممقوتةِ عقلاً وشرعاً، فَمَا عَلَى الأَبِ إِلاَّ أَن َيَطلُبَ لابنِهِ مَا يُنَاسِبُهُ , وَيُلحِقُهُ بِعَمَلٍ يَنفَعُهُ , وَيَشغَلُهُ عَمَّا يَضُرُّهُ وَيُفسِدُهُ.
فيا عباد الله قوموا بواجب النُّصح والقِوامة , والحفظِ والرعاية , لأولادِكم وبناتِكم وأهاليكم فرسولنا يقول ( كلكم راع ومسئول عن رعيته)
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )
اللهم اجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان يارب العالمين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هوا الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أعاد وأبدا، أجزل علينا النَِّعم وأسدى، لا هاديَ لمن أضل، ولا مضلَّ لمن هدى، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الأعلى ، ونشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أكرمُ رسولٍ، وأشرف نبيٍّ، صلى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وصحبه،أهلِ المحلِّ الأسمى , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ فلا عِزَّ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ وَلا نجاةَ إِلاَّ بِتَقوَاهُ،
وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ
أَيُّهَا الكرام ، تَذهَبُ إِجَازَةٌ وَتجيءُ أُخرَى، وَعِندَ إِقبَالِ كُلِّ ِإجازةٍ يُمَنِّي المَرءُ نَفسَهُ بِأَمَانِيَّ كَثِيرَةٍ، وَيَعِدُهَا بِمَوَاعِيدَ مُختَلِفَةٍ، فَإِذَا بِالأَهدَافِ التي وُضِعَت تَبدَّدت وَإِذَا بِالأَمانيِّ التي عُقِدَت تَنَاثَرت، وَتَنقَضِي الإِجَازَةُ وَمَا قَضَى مُرِيدٌ مُرَادَهُ، وَتَضِيعُ وَمَا حَصَّلَ مُتَمَنٍّ مَا تَمَنَّى، (فلَيْسَ الْإِيمَان بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي , وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْب وَصَدَّقَهُ الْعَمَل )
أَلَيسَ مِنَ الخُسرَانِ أَنَّ لَيَالِيًا تَمُرُّ بِلا نَفعٍ وَتُحسَبُ مِن عُمرِي
لذا فإنَّ رسولنا أوصانا فقال : ( اِغتَنِمْ خمسًا قَبلَ خمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ ) فليس عدلاً في قاموس العقلاء أن تكونَ الإجازةُ ضياعًا للأوقات, وهدْرًا للطَّاقات, وركوبًا لأصناف المعاصي والمنكرات.
بالله عليكم يا مؤمنون: ماذا جنى أربابُ السفر للسياحةِ إلى بلاد الكفار أو بلاد الفسقِ والمجون؟ إلا ضياعَ الدِّينِِ وضعفَ الغيرةِ والحياء والجرأةَ على معصية الخالق سبحانه وكسبَ السيئات والخطايا وهدرَ الأموال وتبذيرَ الثروات؟ إلا من رحم ربُّك!
ماذا جنى أربابُ سياحةِ الطَّرب والغناء والمسارح والعروض؟ إلا الذنوبَ والآثام! فأين الخوف من الله أين تحقيق التقوى والإيمان ؟
وصدق الله اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ
أيُّها العقلاءُ : خاسرٌ من جعل الإجازةَ عنوانا للسَّهرِ وإهمالِ الصلوات فَلَيتَ شِعرِي أَيُّ شيءٍ بَقِيَ لِهَؤُلاءِ وَقَد أَضَاعُوا الصَّلاةَ ؟! وَأَيُّ مكسبٍ بقي لهم بعدما أَسقَطُوا عَمُودَ الإِسلامِ؟!والله يُحذِّرُ ويقول: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)
فيا مؤمنون أحفظوا لحظاتِ العُمُرِ، واستثمروا الوقتَ بما ينفَع في العاجِل والآجل، فالنّفسُ كما قال الإمام الشّافعيّ رحمه الله ـ إن لم تَشغَلها بالحقِّ أشغَلَتك بالبَاطِل.
واعلموا يا مؤمنون : أنَّ النَّاس لا تَهونُ على الخالقِِ إلا إذا خالفوا أمرَه وضيَّعوه وجاهروا بذلك فلم يُنكروهُ , فإذا هانوا عليه فإنَّ اللهَ سبحانهُ َيُهلِكَهم.
سألَ رجلٌ عائشةَ رضي الله عنها عن الزلزلةِ متى ؟ فقالت: ( إذا استباحوا الزِّنا، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف. غارَ اللهُ عزَّ وجلَّ في سمائِه، فقال للأرض تزلزلي بِهم، فإن تابعوا ونزعوا وإلا هدَمها عليهم)).
وفي صحيح البخاري رحمه اللهُ عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «ليكونَنَّ من أمتي أقوامٌ يَسْتَحِلُّون الحِرَ ، والحريرَ ، والخمرَ ، والمعازفَ، ، فيُبَيِّتَهم اللهُ ، ويَضَعُ الِعلمَ ، ويَمْسَخُ آخرين قِرَدةً وخنازيرَ إلى يوم القيامة» لماذا ؟ لأنَّهم استحلُّوا ما حرَّم اللهُ تعالى وجاهروا به.
عباد اللهِ : والمعصيةُ تكونُ أقربَ إلى المغفرة إذا كانت سِرَّاً، فإن كانت كذلك فلا تضرُّ إلا صاحِبَها، ولكنَّ البلاءَ أن تُعلنَ وتُظهر وتُعملَ لها الدِّعاياتُ والمقابلاتُ !
وفي الحديث أنَّ رسولَ الله : ((إذا أُخفيتِ الخطيئةُ فلا تضرُّ إلا صاحبَها، وإذا ظهرت فلم تُغَيَّرَ تضرُّ العامة)). وفي الحديث ( وكلُّ أمتي معافى إِلا المجاهرون )
ولمَّا قيل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ )
فاللهم ارزقنا جميعا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى.
اللهم ارزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات .
اللهم اجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا وتوفنا وأنت راضٍ عنا يارب العالمين .
اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين وأهدهم سبل السلام وجنبهم الفواحش والآثام
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرك والمشركين، ودمّر أعداءَك أعداء الدين
الم اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى ياربَّ العالمين.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عباد الله اذروا الله العظيم يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

بواسطة : admincp
 0  0  1.9K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 12:04 مساءً الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445 / 21 مايو 2024.