• ×

09:20 مساءً , الجمعة 9 ذو القعدة 1445 / 17 مايو 2024

خطبة الجمعة 11-08-1431هـ بعنوان نصائح للزوجين

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمد لله خلق فسوى , وقدر فهدى، خلق الزوجين الذكرَ والأنثى من نطفةٍ إذا تمنى، ، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، آلاؤه لا تُعدُّ ولا تحصى , ونشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسولهُ جاءت رسالتهُ بالخير والهدى , وأقامت مجتمعا على المودة والتُّقى ، اللهم صلَّ وسلم وبارك عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن آل بيته المؤمنين وصحابته الخيرين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد . فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).
أيُّها الكرامُ: في مثل هذه الأيام تكثر مناسبات الزواج والأفراح التي تُحقَِقُ أمنياتِ البنين والبنات، في إقامة بيتٍ سعيد، يجدون فيه المأوى الكريم، والراحةَ النفسيَّة، والحلم السعيد،
هذا البيت يا كرام ، له سماتٌ ومواصفاتٌ ! وله حقوقٌ وواجبات !
فكيف نُحقِّقُ سعادتَه ؟ وكيفَ نقيمُ أركانَه ودعائِمَهُ ؟
لِنعلمَ يا كرام أنَّ البيتَ نعمةٌ لا يعرف قيمتَه إلا من فقده، فعاش في ملجأٍ مُوحش، أو تائِه في شارعٍ أو فلاة، قال تعالى: ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ) فذَكِّر سبحانه بتمام نعمته على عباده ببيوتٍ هي سكنٌ لهم يأوون إليها، ويستترون فيها،وينتفعون بِها.
نعم إخوةَ الإسلام البيت نعمةٌ ! وهو أمانةٌ كذلكَ يحمِلها الزوجان، اللذان هما أساسُ بنيانه ودِعامةُ أركانه، وبِهما يُحدِّد البيتُ مسارَه، فإذا استقاما على منهج الله قولاً وعملاً وتزيَّنا بتقوى الله ظاهرا وباطنا وتجمَّلا بحسن الخلق والسيرة , غدا البيتُ مأوى النَّور وإشعاعَ الفضيلة، وموطنَ بناءٍ لجيلٍ صالح , و مجتمعٍ كريم .
وفي كتاب الله وسنة رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم من الإصلاح التَّام، والعدل العام، ما يجعل كلاًّ من الزوجين يعرف ما له وما عليه! فإذا ما أدركوا ذلكَ عاشوا في كنف بيتٍ آمنٍ مطمئنٍّ , فالله يقول (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)
وفي محمدٍ صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حيث يقول: "خيركم , خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". وقوله عليه الصلاة والسلام: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً، وخيارُكُم خياركم لنسائهم".
وفي كلِّ بيتٍ أيُّها الكرام :عتابٌ ومودةٌ، وسخطٌ ورضا، ولكنَّ الرجلَ يقودهُ عقلُه ونضجُه وفكرهُ , فيعفوا عن الخطأ ويَدمحُ الزلل، والمرأةُ خُلقت من ضِلَعٍ أعوج، فبالصبر عليها تستقيمُ الأمور، والمصطفى يقول: " وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا , فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ , وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي اَلضِّلَعِ أَعْلَاهُ , فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمَهُ كَسَرْتَهُ , وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ , فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا " متفق عليه.



أيها الزوجان الكريمان: اتقيا الله في حياتكما الزوجية، قوما فيها بالحقوق , ولا تدمِّراها بالعقوق، واحتكما لقول المولى جل وعلا: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )
وقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : "ألا إنَّ لكُمْ مِنْ نسائكُمْ حقّا، ولِنسائِكُمْ عليكم حقّا"
أيها الزوجان الكريمان ، بيتُكما قلعةٌ من قلاع هذا الدِّينِ، وكلٌّ منكما على ثغر. وكلاكما حارسٌ له، ومسئول عنه: ((فكلكم راعٍ و مسئول عن رعيته, والمرأة في بيت زوجها راعيةٌ وهي مسئولةٌ عن رعيتها))
ومن سمات البيت الأصيلة بل من سعادته وأنسه ولذتِه عمارتهُ بذكر الله تعالى ، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَثَلُ البَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ ، وَالبَيْتِ الَّذِي لا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً )
فإذا خلتِ البيوتُ من الصلاةِ والذِّكر والقرآن غدت مرتعاً للشياطين ! وموطنا للنزاع.
" فالرجلُ إذا دخل بيتَه ، فذَكَر اسم الله تعالى حين يدخُلُ وحين يَطعمُ قال الشيطانُ يعني لأصحابه: لا مبيتَ لكم ولا عشاء ها هنا "



عباد الله ومن سمات وصفات البيت المسلم تعاون أفراده على الطاعة ، فضعْفُ إيمان الزوج تقوِّيه الزوجةُ، واعوجاجُ سلوكِ الزوجةِ يقوِّمُهُ الزوجُ، تكاملٌ وتعاضُد، وتناصحٌ وتناصر، قال صلى الله عليه وسلم: ( رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى وَأيْقَظَ امْرَأَتَهُ, فَإنْ أبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا المَاءَ ، ورَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ ، فَصَلَّتْ وَأيْقَظَتْ زَوْجَهَا ، فَإن أبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ ).
فلكلٍّ من الزوجين دورٌ في إصلاح صاحبه، وحثِّه على طاعة الله، ذلك لأنَّ أصلَ العلاقةِ بينهما علاقةٌ إيمانيةٌ ، وموثقٌ ربَّانِيٌّ !
ومن سمات البيت المسلم أنَّه منبعُ الحشمةِ والحياء، فهو مُحَصَّنٌ من سهام الفتك ووسائل الشر ، وأفلامِ الخلاعة والأغاني الماجنة، قَالَ : رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً ، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ ، إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّة )) متفقٌ عليه .
ومن أخصِّ صفات وسمات البيت المسلم أنَّ أسرارَه محفوظةٌ، وخلافاتَه مستورةٌ، لا تُفشى ولا تستقصى، قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالتعاون على البر والتقوى ، ونشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله خيرُ الناس وأوفى ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أما بعد. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ).
أيها الكرام لو قيل لأحدنا تمنَّى في الدنيا ؟
لكان يتمنَّى أن يعيش في كنف بيت سعيد مع امرأة صالحة إذا نظر إليها سرَّتهُ وإذا أمرها أطاعته ،
وهذه السعادة لا تتحقَّقُ بتوفُّر المسكن الفاخر والأثاث الفاره, فهذا فهمٌ خاطئٌ.
إنما تتوفَّر بتحقيق تقوى الله من الزوجين، ومراقبتِه في السر وفي العلن ، وأن ينظرَ كلٌّ من الزوجين إلى الزواج على أنَّه عبادة يتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى.
في ظلِّ هذه المعاني يكونُ البيتُ سعيداً عامراً بالصلاة والقرآن، تظلِّله المحبةُ والوئام،
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَـالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَواةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
أيها الزوج المبارك ومن سمات البيت الصالح كرُم أصل الزوج ولينُ قلبه، فزوجتُك هي حاملة أولادك، وراعيةُ أموالك، وحافظة أسرارك. فاخفضِ الجناح معها، وأظهرِ البشاشة لها، والهديةُ بين الزوجين مفتاحٌ للقلوب، والتَّبسُّطُ والبعدُ عن الغموض والكبرياء من سِيما الحياة السعيدة، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي -أي في الأنس والسهولة- فإن كان في القوم كان رجلاً".
وكن زوجاً مستقيماً في حياتك تكن هي بإذن الله أقوم، ولا تمُدَّنَّ عينيك إلى ما لا يحلُّ لك، فالمعصيةُ شؤمُ البيت ، ومشاهدة الفضائيات يقبِّحُ الجمالَ ، وينقِّص من قدرها عندك. وأحسن إليها بالنفقة بالمعروف ولا تبخل عليها.
وعقدُ الزوجية أكبر من التَّصرفات الهوجاء ، فلا يليقُ أن يتخلى الزوجُ عن زوجته لمجرد خلقٍ كرهه ، أو جمالٍ افتقده ، فعسى أن يجد أخلاقاً أخرى يرضاها، ولن يعدم خيرا فيها، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْركْ مؤمنٌ مؤمنةً إنْ كَرِهَ منها خُلُقاً رضي منها آخر".
أيها المسلمون! وإذا كان هذا منطقُ الشَّرع، فمنطقُ العقل يقول: إنَّ كثيرا من الأزواج تجاوزا الخلافاتِ في بدايتها ، وتغلَّبوا على المكاره والمصاعب أوَّلَ نشأتِها،فغدت حياتُهم هانئةً سعيدةً ! ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً.
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
اللهم إنا نعوذ بك من الهمِّ والحزن, ونعوذ بك من العجز والكسل , ونعوذ بك من الجبن والبخل , ونعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال اللهم اهدنا لما تحب وترضى و زيِّنا بزينة الإيمان و التقوى.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
بواسطة : admincp
 0  0  3.4K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:20 مساءً الجمعة 9 ذو القعدة 1445 / 17 مايو 2024.