• ×

08:00 صباحًا , الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445 / 21 مايو 2024

خطبة الجمعة 25-08-1431هـ بعنوان مرحباً يا رمضان

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله جعل رمضانَ سيِّدَ الأيامِ والشُّهور، ضاعفَ فيه الحسناتِ والأجور، نحمده سبحانه ونشكره وهو العزيز الغفور، ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له يعلم خائنةَ الأعين وما تخفي الصُّدور، ونشهدُ أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله بعثه الله بالهدى والتُّقى والنُّور، صلّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثرهم بإحسانٍ إلى يوم النُّشُور.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى عبادَ الله وراقبوه سِرًّا وجهرًا، واجعَلوا التقوى عُدَّةً لكم وذخرًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
أيُّها المؤمنون: أيامٌ قلائل ويشرفُ على الدنيا هلالُ رمضانَ المبارك. وسبحانَ اللهِ كأنَّنا قبل أيام نودعُ رمضانَ الماضي، وهانحن هذه الأيامَ نستقبلُه بعد مرور عام كامل، فاللهم اجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا وارزقنا فيه حسن القول والعمل.
عامٌ مضى ذهبت لذاتُه وبقيت تبعاته، نسينا أفراحَه وأتراحَه وبقيت لنا حسناتُه وعلينا سيئاتُه. وهكذا تنتهي الأعمارُ على طولها وقصرِها، ويعود الناسُ إلى ربِّهم كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ
ها نحن نرقُب ضَيفًا عزيزًا اقتَربت أيّامه ولمعت أنوارُه،
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ شَهرُ الرَّحمةِ والعِتق من النّيران، شهرُ التَّوبات وإجابةِ الدَّعوات وإقالةِ العثَرات.
وينادَى كلَّ ليلةٍ فيه : يا باغي الخير أقبل، ويا باغيَ الشرِّ أقصر.
رمضانُ هذه الأيام حديثُ المنابِر وزينةُ المنائِرِ وحياةُ المساجد، من صامَه إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قامَه إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ، ومَن قام ليلة القَدر إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه كما ثبتَ بذلك الخبَر عن النبيِّ .
فما حقُّ رمضان علينا يا مؤمنون ؟ وبم يَحسُنُ استقبالُه ؟
عباد الله : بلوغُ رمضانَ نعمةٌ كُبرى يقدُرُها الصالحون الْمُشَمِّرون.
وأعظم خسارةٍ أن يكون المرءُ ممن عناهم المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال : (احضِروا المنبر) فأحضروه، فلما ارتقى درجةً قال: ((آمين))، فلما ارتقى الثانيةَ قال: (آمين) فلما ارتقى الثالثة قال: (آمين)، فلما نزل قال أصحابُه: يا رسولَ الله سمعنا منك شيئاً ما كُنَّا نسمعه فقال : (إنَّ جبريلَ عرض لي فقال: بَعُدَ من أَدرَكَ رمضانَ فلم يغفر له، قل آمين فقلت: آمين) وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فيا أيُّها الأخيار، من أراد صِياماً مقبولاً فعَليه أن يتطهَّر من أدرانِ الذُّنوبِ وأن يغسِلَ قلبَه من أوحالِ المعاصي، فالتّوبةُ والاستِغفار أولى ما يُستَقبَل به رمضانُ، فكيف نلقَى الله تعالى وندعوه ! ونَرجو خيرَه وبِرَّه وإِحسانَه ونحن مثقَلون بالأوزارِ! وقد ذكَر لنا النبيُّ الرّجلَ يُطيلُ السّفَر أَشعثَ أغبر يمدُّ يدَيه إلى السَّماء: يا رَبِّ، يا ربِّ، ومَطعمُه حرامٌ، ومَشرَبه حَرام، ومَلبَسه حَرام، وغُذِّي بالحرام: ((فأنَّى يستَجَاب لذلك؟!)).
فصاحبُ المعاصي مخذولٌ لا يوفَّق لطاعة، ولا يُشارِكُ المسلمين في جماعةٍ، ولا يصطَفُّ معهم في قيامٍ , فأيُّ عيشٍ لمن قُطِعَ عنه الخيرُ وأيُّ توفِيقٍ لمن أعرضَ عن ربِّه الذي لا غِنَى له عنه طَرفَةَ عين؟!
أيَّها المسلمون، استقبِلوا شَهرَكم بردِّ المظالِمِ إلى أهلها , وبإخلاصِ العِبادَةِ لله وحدَه واتِّباع السُّنَّة بقوة عَزيمةٍ وهمَّةٍ , أظهرِوا الفرَح واستبشروا بقدوم برمضان واحذَرُوا من التذمُّرِ والتَّسخُّطِ والتأفُّفِ فالله تعالى يقول : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وكان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، يسألُ ربَّه، ويقول: ( اللهم بارك لنا في رجبَ وشعبانَ وبلِّغنا رمضان) وكان بعض السلف يقولون:اللهمَّ سلِّمني لرمضان،اللهمَّ سلِّم لي رمضان،اللهمَّ تسلَّم منِّي رمضان متقبَّلاً،
عباد الله :استقبلوا شهركم بصفاء القلوب ونقاءِ الصُّدور من الشحناء والبغضاء والتقاطعِ .كفى أيُّها المتهاجرونَ، كفى أيُّها المتقاطعون، نحن مقبلون على أعظم الشُّهورِ وخيرِ الدُّهورِ. إلى متى ونحن مُتعادُون ومُتَقاطعونَ ؟ هل لنا أنْ نستفتحَ شهرنا الكريمَ بقلوبٍ ملئها الصفاءُ والمودة ؟ والأخوةُ والمحبةِ ؟ فيا أيها الأحبةُ في الله : قبل صيامِنا عن الطعام والشرابِ : دعوةٌ أن تصومَ قلوبُنا عن الشحناء والبغضاء، اتركوا ما مضى أنتم قلتم ونحن قلنا،وأنتم فعلتم ونحن فعلنا.فلنترك ذالك جانباً لِتجتمعَ قلوبُنا على الخير والمحبة والإخاء. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فاللهم اجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا وتوفَّنا وأنت راضٍ عنَّا , اللهم وبلغنا رمضان ونحن على أحسنِ حالٍ وخير عمل يا رحيم يا رحمان .أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله مثيبِ الطائعينَ، ومجزلِ العطاءِ للشاكرينَ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحقُّ المبينُ، ونشهدُ أنَّ نبيَّنا محمداً عبد الله ورسوله، اصطفاه ربُّهُ واجتباه، وعبد ربَّه حتى تفطَّرت قدماه، صلى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.
عباد اللهِ : كيف لا نتواصى بالتقوى وما شُرع الصيامُ إلا لتحقيقِه فالله تعالى يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ؟
وكان الحبيبُ عليه الصلاةُ والسلامُ يبشِّرُ أصحابَه بقدوم رمضانَ فيقول: (أتاكم رمضانُ شهرٌ مباركٌ، فرضَ الله عزَّ وجل عليكم صيامَه، تُفتَّحُ فيه أبوابُ السماء، وتغلَّق فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردةُ الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم). شهرٌ هذه بعض فضائله حقيقٌ بالإجلال والإكرام، وجديرٌ بأن يُصان عن القبائح والآثامِ والإجرام، وأن يُغتنم بالطاعات ، ويُبادر فيه بالصالحات.
معاشر المسلمين :ومما يستقبل به رمضان ضرُورةُ التفقُّهِ في الدِّين لِيَعبُدَ المسلمُ ربَّه على علمٍ وبصيرةٍ ؟ ( ومن يرد الله به خيراً يفقِّهه في الدين )
وفي هذا الجامع بحمد الله تقامُ دورة علميَّةٌ بهذا الخصوص تبدأُ عصر اليوم فتزوَّدوا من الخير والعلم والمعرفة.
وإليكم أيُّها الكرام جملةً من أحكام الصيام التي لا غنى للمسلم عنها، فلو سُئلتَ عن معنى الصيام فقل: إنِّه الامتناعُ عن جميع المفطِّراتِ من طلوع الفجر الثاني حتى غروبَ الشمس بنيَّةِ التَّعبُدِ لله تعالى، فمن تناول شيئاً من المفطِّراتِ عالما عامداً ذاكراً بطلَ صومُه ، أما النَّاسي فصيامه صحيحٌ، لقول النبيِّ : (من أكل ناسياً وهو صائمٌ فليتمَّ صومَه، فإنَّما أطعمه الله وسقاه) ويدخلُ الشَّهرُ إما برؤيةِ هلالِ رمضانَ أو بإكمالِ شعبان ثلاثين يوماً، ولا عبرة بالحساب الفلكي المجرَّدِ كما قرَّره أهلُ العلم لقولِ النبي : (صوموا لرؤيَتِه وأفطروا لرؤيته). ومع وضوحِ توجيهِ النبيِّ حيالَ ذلك إلا أنَّه مع بدايةِ كلِّ رمضان يحلو لبعضِ النَّاسِ التشويشُ والتشكيكُ بلا علمٍ ولا بصيرةٍ ، يلوك ما لا يعلَم، يصوِّبُ ويخطِّئُ وهو يجهَلُ أبسَطَ مبادِئِ الإثبات،
وهذا والله من الخذلان، ومن كيدِ الشيطانِ ليُشَكِّكَ الناسَ في عباداتِهم ويُكدِّرَ عليهم صَفاءَ صِيامِهم. فاتَّقوا الله عباد الله، وليحذَرِ المسلمُ أن يقولَ ما لا يعلم، أو يكونَ وسيلةً لكيد الشيطانِ من حيث لا يعلم.
عباد الله، ومن توفرت فيه هذه شروطٌ ستةٌ و جب عليه الصيام ، أولها أن يكونَ مسلماً، فلا تقبلُ عبادةٌ من كافر.
ثانيها العقل لحديث رسولِ الله : ( رُفع القلمُ عن ثلاثة:ومنهم عن المجنون المغلوبِ على عقله حتى يَفِيقَ ).
الثالث البلوغ، فلا يجبُ الصيامُ على الصغير حتى يَبلُغَ .
الشرطُ الرابعُ القدرةُ على الصيام لأنَّ الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
الخامس الإقامةُ فالمسافرُ لا يجب عليه الصيام وله الفطرُ ثم القضاءُ، وإن صام حال سفره أجزأه ولا شيءَ عليه،.وتزيد النساءُ بعدم الحيضِ أو النفاس، فيحرمُ عليهما الصيامُ ويجبُ عليهما القضاءُ.
متى اجتمعت هذه الشروطُ وجب الصوم، قال ربُّنا سبحانه: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودٰتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
عباد الله لعلنا في مطلعِ رمضانَ أن نجاهد أنفسَنا ونحقِّقَ تقوى الله تعالى بالابتعاد في هذا الشهر الفضيل عن القنوات الهابطة والمسلسلات الساقطة والأغاني الماجنة
فهناكَ مَن يَصُدُّونَ الخلقَ عن خالقهم ! ويُضِلُّونهم عن سبل رشادهم وهدايتِهم، لم نزل نراهم في الصُّحفِ والشَّاشاتِ، يَعِدُونَ الناس ويُمَنُّونَهم، بقضاءِ أسعد الأوقات في ليالي رمضان . وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا
(فمن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)
وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً فاللهم أعنا على صيام رمضان وقيامه إيمانا واحتسابا
اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيمانا واحتسابا يارب العالمين
نسأل الله أنْ يُظِلَّ علينا شهرنا بالأمن والإيمان والسَّلامة والإسلام، وأن يرزقنا فيه الجدَّ والنَّشاط، وأن يوفّقَنا فيه لصالح الأقوال والأعمال.
اللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان ووفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى يارحمن
عباد الله , اذكروا الله العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم , ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

بواسطة : admincp
 0  0  7.4K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 08:00 صباحًا الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445 / 21 مايو 2024.