• ×

01:55 صباحًا , الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445 / 21 مايو 2024

خطبة الجمعة 10-09-1431هـ بعنوان حماية شرع الله

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله أعلى معالم َالعلم وأعلامَه ، وأظهرَ شعائرَ الشرعِ وأحكامَه ، بعث الرسلَ إلى سُبلِ الحقِّ هادين ، وأخلَفهم بعلماءَ إلى سُننِ الهُدى داعين , نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقُّ المبينُ ،ونشهد أنَّ نبيَّنَا محمدا عبدُ الله ورسولُه الأمينُ ،صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آلِه الأطهار ، وأصحابِه الأخيار ، والتابعينَ لهم ومن تبعهم بإحسانٍ ما تعاقب لليلٌ ونَهار .
أمّا بعد: فإنَّ الوصيةَ الكُبرى لي ولكم هي تقوى اللهِ سبحانه ، فبالتقوى تحصُل الوَلايةُ وتُزَفُّ البُشرى.
عباد الله: إنِّنا مطالبون بالتمسُّكِ بشريعتِنا الغَرَّاءِ والعَضِّ عليها بالنَّواجذِ وحمايةِ جنابِها من أنْ تُخدَشَ أو تُثلَم أو أن تتسَلَّل لها أيدي العابثينَ لِواذًا، أولئك الذين يقلِّبون نصوصَها وثوابتَها، ويتلاعبونَ بأحكامِها ومسلَّماتِها كيفَما شاءوا، وحقاً: مَن عَدِم النورَ والهدايةَ تخبَّط في الظُّلَم ! ولا عاصمَ مِن أمرِ الله إلا مَن رحم !.
ثم اعلَمُوا يا مؤمنون : أَنَّ مَن أَرَادَ الحَقَّ أَصَابَهُ، وَمَن لَجَأَ إلى اللهِ وَفَّقَهُ اللهُ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرضَاهُ، ومن يَعتَصِمْ باللهِ فقد هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُستَقيمٍ .
أيُّها المسلمون: أنبلُ عملٍ نشرُ علمٍ نافعٍ تحتاجُه الأمَّةُ، يَهديها من الضلالة، ويُنقذَها من الغواية، ويُخرجَها مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ. فقد حضَّ الله على ذلك فقال: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون
فالعلم النافع شرفٌ لأهله في الدنيا والآخرة، وصاحبُ العلم النافع هو الذي يعمل بعلمه فيكونُ قدوةً لغيره ، يقف عند حدود الله ، ويتأدَّبُ بشرعِ الله، ويتحلَّى بأخلاق الإسلام العاليةِ.
صاحبُ العلمِ النافع هو الذي ينشرُ علمَه في الآفاق، فلا يكتُمَه ، فإذا ما سُئل أبانَ الحقَّ بلا ريبٍ ولا التباس وِفْقَ ما دلَّت عليه السنةُ والكتابُ . فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ
ورسولُ الله قال: (( مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَجَّمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ )).
فما أعظَمَه من وعيدٍ على عالمٍ كتمَ علمه وأخفاه ! على عالمٍ يرى الباطلَ والحرامَ والمعاصي فلا ينطِقُ بالحق ! وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ
عباد الله : و من أهمِّ وسائل نشرِ العلم ، التَّصدِّي للإفتاء . لعموم حاجة الناس لذلك لا سِيَّمَا حينَ قلَّ الإقبالُ على العلم، واكتفى البعضُ بالسؤال .
والإفتاءُ ما زال قائمًا منذ فجرِ الإسلام وحتى يومنا هذا بحمد الله تعالى.
وتكتسبُ الفتوى أهميةً بالغةً لكونِها المنصبَ الذي تولَّاهُ اللهُ بنفسه حيث أفتى عباده،
فقال: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتَاب
وقال الإمامُ ابنُ القيِّمِ رحمه الله: "وأولُ من قام بالإفتاء من هذه الأمةِ سيِّدُ المرسلينَ وإمامُ المتقين وخاتمُ النبيين، عبدُ الله ورسولُه، وأمينُه على وحيه، وسفيرُه بينه وبين عباده، فكان يفتي عن الله بوحيه المبينِ، ثم قام بالفتوى بعده بِرَكُ الإسلام وعصابةُ الإيمان وعسكرُ القرآن وجندُ الرحمن أولئكَ أصحابُه. ألينُ الأمة قلُوبا وأعمقُها علما وأقلُّها تَكَلُّفا وأحسنُها بيانا وأصدقُها إيمانا وأعمُّها نصيحةً وأقربُها إلى الله وسيلةً" انتهى.
أيُّها الصائمون : ومع الأسف الشديد في ظل فوضى الفتاوى في هذا الوقت بالذَّات فإنَّ هناك أدعياءَ على العلم، نصَّبوا أنفسَهم مُفتين للخلق، يقولون على الله بغير علم، هذا الجنسُ من الناس ضرره عظيمٌ، وبلية من البلايا، ورسولُنا خاف منهم فقال: (( إِنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ ثَلاثٍ: مِنْ زَلَّةِ عَالِمٍ ، وَمِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ ، وَمِنْ حُكْمٍ جَائِرٍ)) لما في ذلك من جرأةٍ وافتراءٍ على الله! وإغواءٍ وإضلالٍ للناس، الذي هو من كبائر الإثمِ والعدوان، قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ وشرع الله ليس بالأهواء !


وهذا ما عناه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله حين وجَّه رسالةً واضحةَ المعالمِ بيَّنةَ الأهدافِ لسماحة مفتي عام المملكةِ حيث قال حفظه الله : قصدنا من ضبط الفتوى حفظُ حمى الدِّينِ، ورعايةُ وحدةِ الكلمةِ، وحسمًا لمادة الشَّرِّ، التي تعودُ بالضَّرر على البلاد والعباد وأنَّ من يُشَوِّشُ على الناس في الفتوى فسيُعرِّضُ نفسَه للمحاسبة والجزاءِ الشرعي الرَّادع، كائنًا من كان؛ ذلك لأنَّ الحفاظ على الفتوى شأنٌ يتعلق بديننا، ووطننا، وأمننا، وسمعةِ علمائِنا، ومؤسساتِنا الشرعيةِ التي هي مَعقِدُ اعتزازنا واغتباطِنا !
فيا أيُّها المسلمون : اعرفوا عمن تأخذون دينَكم ,فليس كلُّ مُلْتَحٍ يُستفتى , وليس كلُّ مفسِّرٍ للأحلام يستفتى، وليس كلُّ من ظهر في الفضائيات أو الإذاعات على أنَّه شيخٌ يُستفتى،
فلا تسألوا ولا تستفتوا إلا من تواترَ عند الناسِ فضلُه وعلمه وسيرُه على المنهج الصحيح وكونُه أهلاً للفتوى،
فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
اللهم إنَّا نسألك الثباتَ على الحقِّ والاستقامةَ على الهدى،
أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله الذي نزّل الذِّكرَ وحفظه على مَرِّ الأزمانِ ، قيَّضَ له عُدولا يحمِلُونه في كلِّ عصرٍ وأوانٍ نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الدَّيان , ونشهد أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه بعثه الله رحمة وأماناً للإنس والجان , صلى الله وسلَّم وباركَ عليه ، وعلى آله وأصحابِه أهلِ الحقِّ والإتباع والعرفان ، و التابعين لهم ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ .
أمَّا بَعدُ: فاتقوا اللهَ عباد الله: حَقَّ التقوى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقى، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم ، فَإِنَّ أَجسَامَكُم على النارِ لا تَقوَى.
عباد الله : لقد أراد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله من بيانه ورسالته لسماحة مفتي عام المملكة أن يُنبَّه الناسُ بأن لا يغترُّوا بتلك الأطروحات والمجادلات التي تمسُّ أصولَ الدِّينِ ومسلَّماتِ الشريعة عبر الفضائياتِ و الصحفِ والمنتدياتِ , التي هي والله نذيرُ خطرٍ، وعلامةُ سوء,. ومن المؤسف أنَّ الطَّرح يكونُ أحياناً ممن يُحسب على الدِّينِ وأهلِه ! وتلك واللهِ هي الحالقةُ والطامةُ الكبرى ! وصدقَ اللهُ ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )
أيُّها الكرام: ونضعُ النُّقاط َعلى الحروف ومزيدا من النُّصح والبيان والوضوح ! لله ولرسولِه ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم .
فحين يُقلِّل أناسٌ ويُهوِّنون من شأن صلاة الجماعةِ في بيوتِ الله تعالى علناً في الصحفِ والفضائيات! ويَسُوقُون من الأقوال والأدلة ما تجعلُ العاميَّ حيرانا , فأسألكم بالله هل هذا الصِّنفُ من النَّاس ناصحٌ لله ولرسوله ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم ؟ هل التشويشُ في ذلك سيزيد من إيمانِ النَّاس وتقواهم لله ربِّ العالمين ؟ إذاً فما هدفُ هؤلاء المفتين ؟ أدع الجواب لدينِكم وضمائِركم ! وصدقَ الله (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ )
أيُّها الكرام: وحين يُنادي بعضُ المسؤلين أو يتساهلُ بعض المفتينَ بشأن اختلاطِ الجنسين في الأسواق وأماكنِ العمل والمتنزَّهات حين يتساهلون بذلك أتُراهم ناصحون لله ولرسوله ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم ؟ إذاً فما هدفُ هؤلاء النَّاس؟ (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ )
مَنْ شرَّق وغرَّب وأفتى النَّاس بجواز الغناء بآلة وبغير آلة ؟ ومن أفتى بجواز تمثيلِ المرأة أمام الرجال ؟ أتُرى هؤلاء القوم ناصحون لله ولرسوله ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم ؟ أدع الجواب لدينِكم وضمائِركم ! وصدقَ الله (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ )
والله ما كان لهؤلاء القومِ أن يُقلِّبوا نصوصَ الوحيينِ ، ويتلاعبوا بأحكام دينِ الله تعالى إلا حينما غَفَلوا عن استشعارِ هيبَةِ القرآنِ الكريمِ في النُّفوس، ونَسُو تعظيمَ سنةِ رسولِ الله في القلوب وحينما أمِنوا كذلك من غضبةَِ العلماءِ الرَّبانين وحزمِ وقوةِ مسئولينَ ناصحين!وإلا فمن المعلوم (أنَّ الله يزعُ بالسلطان مالا يزعُ بالقرآن) واللهِ يا كرام إنَّ المخلصينَ ينتظرونَ دوما وأبدا من الهيئاتِ العلمية واللجانِ الشرعية أنْ تصدعَ بالحقِّ وتُزلزلَ الباطلَ وتدحضَ الشبهاتِ وتُحاسبَ العابثينَ ! ولكنْ حقاً مَن أمنَ العقوبةَ أساءَ الأدَب ! والله لقد فرح أناسٌ ببيان ورسالة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله فلعلَّ الله أنْ يكتبَ فيها خيرا كثيرا ويدحرَ بها شرَّاً كبيرا .
والله المسئول أن يُبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر ياربَّ العالمين .
اللهم يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلوبَنا على دينك، وصراطِك المستقيم .
اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ياربَّ العالمين
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى واجعلهم هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ياربَّ العالمين .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
بواسطة : admincp
 0  0  1.7K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 01:55 صباحًا الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445 / 21 مايو 2024.