• ×

05:06 مساءً , الخميس 8 ذو القعدة 1445 / 16 مايو 2024

خطبة الجمعة 22-09-1433هـ بعنوان شهرنا انتصار وعزٌّ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمد لله أعز أولياءه بنصره، وأكرم المؤمنين بتحقيق وعده، جعل لكل شيء أجلاً، وأحاط بكل شيء علماً،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير،ونشهد أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه جاهد في الله تعالى من غير توانٍ ولا تقصيرٍ,صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابهِ: الذينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
أمَّا بعد: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ فمن لا تقوى له فلا زادَ لهُ ولا سعادةَ،ولا نجاةَ لهُ ولا رِيادَةَ, أيُّها المسلمونَ:لئن كان رمضانُ شهرُ الفُرقانِ بالقرآن,فإنَّهُ شهرُ الفُرقان بالنَّصر والتَّمكينِ!
فقد جاءت معركةُ بدرٍ في رمضانَ،لتؤكّدَ أنَّه شهرُ البذلِ والتضحيةِ،لا النَّومَ والبَطَالةَ والدَّعةَ,فيومُ بدرٍ هو يومُ الفرقانِ كما سماهُ الله: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ لقد علّمَ النبيُّ صحابتـَه أنَّ رمضانَ هو شهرُ الصَّبرِ وأنَّ الصبرَ من الدِّينِ بمنزلةِ الرأسِ من الجسد إذا قامت الدنيا تُعُدُّ مَفَاخِرَاً فتاريخُنا الوضَّاحُ من بَدْرٍ ابتدأَ ففي السَّنَةِ الثانيةِ من الهجرةِ سمِعَ رسولُ الله أنَّ عيراً لقريشٍ مُتجهةٌ نحو الشام مُوقَّرةٌ بالأموال والمتاع فخرج رسولُ الله ليعترضَ طريقَها وقال: (هذه عيرُ قريشٍ فيها أموالُكم,فاخرجوا إليها لعلَّ الله أن يُنفِلُكُمُوها) ولم يعزم على أحدٍ بالخروج,فسارَ رسولُ الله بجيشٍ فيه ثلاثُمائَةٍ وأربعةَ عَشَرَ رجلاً بِفَرَسَينِ فقط,وسبعينَ بعيرَاً فقط يَتعاقَبُونَها,كلُّ ثلاثة ٍعلى بعيرٍ,علِمَ أبو سفيانَ بجواسيسهِ عن مسيرِ عسكرِ المؤمنينَ فأرسلَ إلى مَكَّةَ,مُنادياً لِيصرَخُ:يامعشر قريشٍ,اللطيمةَ,اللطيمةَ,الغوثَ الغوث أموالُكم عَرَض لها محمدٌ في أصحابِهِ,لا أرى أن تُدرِكُوها,فتحفَّز الناسُ سِراعاً وتجمَّعَ ألفٌ وثلاثُمائةِ مُقاتِلٍ,في مائةِ فَرَسٍ وستُمائَةِ دِرعٍ وجِمَالٍ كثيرةٍ بقيادة أبي جهل: خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وأقبلوا كما قال رسولُ الله : (بحدِّهم وحديدِهم يُحادُّونَ اللهَ, ويحادُّونَ رسولَه) ولكنَّ أبا سفيان بحنكتِهِ وذكائِه سارَ بالعيرِ باتجاه الساحل ونجو من محمدٍ وأصحابه,وأرسل إلى قريش وهم في الجُحفةِ: إنَّكم خرجتم لِتَحْرُزُوا عيرَكُم ورجالَكُم وأموالَكُم,وقد نجاها الله فارجعوا,فهمَّ الجيشُ بالرجوع,ولكنَّ أبا جهلٍ قالَ:والله لا نرجعُ حتى نَرِدَ بدرَاً, فنُقِيمَ بها ثلاثًا فنَنْحرُ الجَزُورَ,ونُطعِمُ الطعامَ,ونسقي الخمرَ,وتعزفُ لنا القِيانُ,وتسمعُ بنا العربُ,فلا يَزالُونَ يَهابُونَنا أبداً,فساروا حتى نزلوا قريباً من بدرٍ وراءَ كثيبٍ بالعُدوةِ القُصوى.
ولمَّا كانَ الأمرُ كذلكَ كان لابد من موقفٍ بطوليٍّ,يَرُدُّ كيدَ قُريشٍ في نحورهم ويكسرُ شوكَتَهم, فاستشار النبيُّ أصحابَه, فقام أبو بكرٍ وعمرُ والمقدادُ بنُ عمروٍ فقالوا وأحسنَوا المقالَ,وهؤلاءِ كُلُّهم من المهاجرين وهم قِلَّةٌ في الجيش.وصارَ بعضُ الناسُ كما وصفهمُ اللهُ: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أيضاً: (أشيروا عليَّ أيُّها النَّاسُ) وإنَّما يريدُ الأنصارَ,فقال سعدُ بنُ معاذٍ رضي اللهُ عنهُ:والله لَكأنَّكَ تُريدُنا يا رسولَ الله, فقال : (أجل).فقالَ فإنِّي أقولُ عن الأنصار وأجيبُ عنهم:فأظعِنْ حيث شئتَ,وصِلْ حبلَ من شئتَ,واقطع حبلَ من شئت,وخذ من أموالنا ما شئت,وأعطنا ما شئت,وما أخذتَ منَّا كان أحبَّ إلينا مما تركتَ, وما أمرتَ فيه من أمرٍ فأمرُنا تبعٌ لأمرِكَ,فوا لله لئن سرتَ حتى تبلُغَ البَرَكَ من غمدان لَنَسيرَنَّ معك,ووالله لئن استعرضتَ بنا البحرَ فخضتَه لَخُضنَاهُ مَعَكَ.
الله أكبرُ عبادَ الله:إنَّه الحبُّ الحقيقيُّ,أن تُبْذَلَ الأنفسُ والأموالُ في سبيل دينِ الله تعالى,سُرَّ النبيُّ بقولِ سعدٍ ثمَّ قالَ: (سيروا وابشروا؛ فإنَّ الله تعالى قد وَعَدني إحدى الطَّائفتَينِ,والله لكأنِّي أنظرُ إلى مصارعِ القومِ) فَتحرَّك النبيُّ بأصحابه فنزلوا بدرا,واستكشف الأمرَ بنفسِهِ،فعلِمَ عددَ القومِ,ومن خرجَ من أشرافِهم فقال لأصحابِهِ: (هذه مكةُ قد ألقت إليكم أفلاذَ كبِدِها) فَبَدأت بَشائِرُ النَّصرِ,بأنْ أنزلَ اللهُ مَطَراً,فكانَ على المُشركينَ وابِلاً شديدَاً منَعَهُم التَّحرُّكَ,وعلى المسلمينَ طَلاًّ طهَّرهم به,كما وصفَ اللهُ: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ قال الحُبابُ بنُ المنذرِ رضي اللهُ عنهُ:يا رسولَ الله,أهذا منزلٌ أنزلَكَ اللهُ إيِّاه,أم هو الرأيُ والحربُ والمَكِيدةُ؟ فقالَ رسُولُ اللهِ : (بل هو الرأيُ والحربُ والمكيدةُ) قال:فإنَّ هذا ليس بَمنزِلٍ يا رسولَ الله, فانهض بالنَّاسِ حتى نأتيَ أدنى ماءِ القومِ فننـزِلَ ونغِّورَ ـ أي نخربَ ـ ما وراءَه من القُلُب,ثم نبني عليه حوضًا,فنملأَه ماءً, فنشربُ ولا يشربون,ونسقي ولا يسقونَ,فقال رسولُ الله : (لقد أشرتَ بالرأي).فَبَنوا للنبيِّ عريشًا ليُشرفَ على ميدانِ القتالِ,ثمَّ عبَّأَ رسولُ الله جيشَه, ومشى في موضع المعركة, وجعل يشير بيده
(هذا مصرعُ فلانٍ غدًا إن شاءَ اللهُ,وهذا مصرعُ فلان غدًا إن شاء الله) ثمَّ بات عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يُصلِّي إلى جذعِ شَجَرَةٍ,وبات المسلمونَ ليلَهم بهدوءٍ وسَكِينَةٍ,فلمَّا رآهم عُميرُ بنُ وهبٍ على ذلِكَ,رَجعَ إلى قومه وقال:يا معشر قريشٍ قد رأيتُ البلايا تحملُ المنايا, قومٌ ليس معهم مَنَعَةٌ ولا مَلجَأٌ إلا سيوفُهم, والله ما أرى أن يُقتل رجلٌ منهم حتى يقتلَ رجلاً منكم,فإذا أصابوا منكم أعدادَكُم فما خيرُ العيشِ بعد ذلك,فَرَوا رأيكم,فلم يلتفتوا إليه.ولما طلعَ الصباحُ,وتراءى الجمعانِ قال رسولُ الله : (اللهم هذه قريشٌ قد أقبلت بخُيلائِها وفخرِها, تُحادُّكَ وتكذبُ رسولَـك, اللهم فنصرَكَ الذي وَعدتَّنِي) وأخذ النَّبيُّ يُعدِّلُ الصفوفَ بِقَدَحٍ في يدِهِ,وأمرَ أصحابَهُ ألا يبدؤوا القتال حتى يأمُرَهُم,
أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله منَّ علينا بالأمنِ والإيمانِ،وغمرنا بالفضل والإحسان،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيمُ الرحمن،ونشهد أنَّ محمدا عبد اللهِ ورسوله،أيَّدهُ بالنصر والبرهانِ صلى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.أما بعد:فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ عباد الله: في سيرةِ النبيِّ العطرة,وآثاره الجميلةِ,أسوةٌ للمؤمنين وقدوةٌ للصالحين.ولكن علَّنا ندعُ الحديثَ عن الغزوةِ وأحداثِها,بعدما ثار نقعُها وغبارُها إلى الجمعة القادمة بإذن الله!لأنَّنا بِحاجة لِلأنسِ بعشرنا الفاضلة لِنُحييَ القلوبَ ونشحذَ الهممَ,فقد دخلنا في العشر وكلُّنا أملٌ وطمعٌ في رحمةِ الرَّحيمِ الرَّحمن,أن يُعتِقَ رِقَابَنا من النَّارِ,وأن يستجيبَ دعاءَنا،فق قالت عائشةُ رضي الله عنها: (كان رسولُ الله يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره). وكان إذا دخل العشرُ شَدَّ مِئزَرَهُ وأحيا لَيلَهُ وأيقظَ أهلَهُ.وكان السلف يَغتسلِونَ وَيَتَطيبُونَ كلَّ ليلةٍ فَرَحَا بِمقدَمِ العشر,وحقَّ لهم ذلك،فإنَّ فيها ليلةَ القدر: (وما أدراكَ ما ليلةُ القدر ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهرٍ).من قامَها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه،ليلةُ القدرِ يفتحُ فيها البابُ،ويقرَّبُ الأحبابُ، أليس من عجبٍ أن بعض إخوانِنا أغفلَ ما يكونون في زمنِ الجِدِّ والاجتهادِ؟أليس من عجبٍ أنَّ بعضَ الصَّائِمينَ لا يحلو لهم التَّسوقُ والشِّراء إلا في هذه الأزمنةِ الغاليةِ النفيسة؟ يا رجالَ الَّليلِ جِدُّوا رُبَّ صَوتٍ لا يُرَدُّ لا يقـومُ الليـلَ إلاَّ من لـَهُ عَزمٌ وجِدُّ
عشرٌ إذا دخلت على الأخيارِ والصالحينَ فرُّوا إلى المساجدِ معتكفينَ,رُكَّعَاً سُجَّداً يبتغون فضلاً من ربِّهم ورضوانًا،قد فارقوا النَّومَ والهُجُودَ،يَرجونَ رحمةَ الرَّبِّ الوَدُودِ،فاحمدوا اللهَ يا صائِمونَ:على أنْ هداكم للصَّلاةِ والعبادَةِ,والذِّكر والاعتكافِ والدُّعاءِ,بينما كثيرونَ مَحرومونَ فالمؤمنونَ يقولونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ
اللهم اجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان
اللهم اجعلنا ممن يصومُ رمضانَ ويقومهُ إيماناً واحتساباً,واجعلنا ممن يوفق لِقيامِ ليلة القدر فيكتب له عظيم الثواب والأجر,
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين,وانصر إخواننا المستضعفين في سوريا,وبورما,وفلسطينَ,كن لهم ناصرا ومعيناً,اللهم عليكَ بالطُّغاةِ فإنَّهم لا يعجزونكَ اللهم انتقم منهم وخذهم أخذَ عزيز مقتدر,اللهم وفق ولاتنا لما تحب وترضى دُلَّهم على طريقِ البرِّ والتقوى وأصلح لهم البطانة وأعنهم على أداءِ الحقِّ والأمانة ,
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اغفر لنا ولوالدينا,
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
بواسطة : admincp
 0  0  2.2K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 05:06 مساءً الخميس 8 ذو القعدة 1445 / 16 مايو 2024.