• ×

02:56 صباحًا , الجمعة 29 ربيع الثاني 1446 / 1 نوفمبر 2024

خطبة الجمعة 12-11-1433هـ بعنوان بادروا بالحجِّ إلى البيت الحرام

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله الذي شرعَ الحجَّ إلى البيتِ الحرامِ,وجعلَـَه أحدَ أركانِ الإسلام,نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلامُ,ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه خيرُ الأنامِ,صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آله وأصحابِهِ الكِرَامِ,ومن تبعهم بإحسانٍ على الدَّوامِ,
أمَّا بعدُ:فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
عباد الله:لقد بَنَى اللهُ دِينَهُ وأقامَه على أركانٍ خمسةٍ,من أقامَها وحقـَّقَ ما فيها فازَ ورَبِحَ,ومن فرَّطَ في أحدِها خابَ وَخَسِرَ,قال رسولُ الله : " بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ شهادةِ ألاَّ إله إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ الله و إقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ والحجِّ وصومِ رمضانَ"
واليومَ يا مؤمنون:نعيشُ مع رُكنٍ تَهفو إليه القلوبُ المؤمنةُ,نَعيشُ مع رحلةٍ قُدسِيَّةٍ,يَعْمُرُ المؤمنُ فيها وقتَه بالعبادةِ والذِّكر,وَيستَعمِلُ بَدَنَهُ ومالَه في العبادةِ والذِّكر!ويُجهادُ فيهِ من غيرِ قِتَالٍ .
قال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ فالحجُّ يا مؤمنونَ:رحلة ٌفي عالمِ الطُّهرِ والنـَّقاءِ "فالحجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ" نعم عبادَ اللهِ:يعود الحاجُّ من هذا الرُّكنِ العظِيمِ وقد تَطهَّرت رُوحُه,وتَهذَّبت أخلاقُهُ, وغُفرت ذُنُوبُه,كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ : « مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ »
ومن رحمةِ الله بعبادِهِ أنَّ الحجَّ مرَّةً في العُمُرِ, قَالَ أبو هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه:خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ :« أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا». فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :« لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ،وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ». أَمَا عَلِمتَ أيُّها المُبَارَكُ: أنـَّه إذا توفَّرت فيكَ شروط ُالحجِّ وانتفت عنكَ المَوانِعُ وَجَبَت عليكَ المُبادَرةُ! سُئل الشَّيخُ ابنُ العُثيمِينَ رَحِمَه اللهُ:هل وجوبُ الحجِّ على الفَورِ أَمْ على التَّرَاخِي؟ فقالَ: ( الصَّحيحُ أنَّه واجبٌ على الفَورِ وأنَّه لا يجوزُ للإنسانِ الذي استَطَاعَ أنْ يؤخِّرَهُ)انتهى

عبادَ اللهِ:وإنَّ المتأملَ لحالِ إخوانٍ لنا تجاوزُ الثلاثينَ أو الأربعينَ ومع هذا لازالوا يُسوِّفونَ ويؤجِّلونَ وَيتَحجَّجُونَ بأعذارٍ وَاهِيَةٍ,فعليك أيُّها المسلمُ بالمبادرةِ ولا تَتَقاعس وَدَعْ عنكَ الشُّحَ والكَسَلَ!فما دُمتَ مُستطيعاً فأدِّ ما افترض الله عليكَ, وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فها أَنتَ تُؤَخِّرُ الحجَّ عاماً بعد عامٍ ولا تَدْري ما يَعرِضُ لكَ يقول نبيُّنا :«تعجَّلوا إلى الحجِّ يعني الفريضةَ فإنَّ أحدَكم لا يَدْري ما يَعرضُ له » وقَالَ :«مْنْ أرادَ الحَجَّ فَليتعَجـَّل فإنَّه قد يَمرَضُ المَرِيضُ وتضِلُ الرَّاحِلَةُ وتكونُ الحَاجَةُ»
عباد الله:وما فِعلُ النبيِّ بالمبادَرَةِ إلى الحجِّ إلا دليلٌ على ضَرُورَةِ المُبَادَرَةِ, فقد فُرضَ الحجُّ سنةَ تسعٍ من الهجرةِ,وحجَّ النبيُّ في السَّنَةِ العَاشِرَةِ,وقد كان عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه يقولُ: (لقد هممتُ أنْ أبعثَ رِجالاً إلى هذه الأَمصَارِ فَينظُرُوا كلَّ مَنْ كان غنياً ولم يحُجَّ فَيَضرِبُوا عليهم الجزية َما هم بمسلمينَ ما هم بمسلمينَ) .
عبادَ اللهِ:وهل هناك تيسيرٌ كالذي نعيشُه في بلادِنا وللهِ الحمدُ والمنَّة ُ أمنٌ وغنى,وقربٌ وتسهيلاتٌ,حتى يسَّر الله لنا حملاتٍ مُباركةٍ تهدفُ غالباً إلى نفعِ النَّاس وراحتِهم,فَقَارِن بينَ ما أنتَ فيه,وبين مَن قدِمَ من شتَّى البِلادِ؟قد أمضى وَقْتَاً يَجمعُ مالَهُ,حَرَمَ نفسَه وأولادَه ليصلَ إلا بيتِ الله الحرامِ!ثُمَّ تَرى جَمْعاً منهم قد هدَّهمُ المرضُ,وَثَقُلَت بهم الخُطى ومع ذلك لَـَبَّوا نداءَ اللهِ,وَصَدقَ المَولَى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فَبادِر أيُّها المؤمنُ بِأَدَاءِ ما افتَرَضَ اللهُ عليكَ,وَقُمْ بأَخذِ التَّصاريح ِاللازمةِ,والاحتياطاتِ الصحيِّةِ المطلوبةِ,وكن مع رِفْقَةٍ صَالِحَةٍ,واختَرْ من المَالِ أطيَبهُ,فإنَّ اللهَ طيبٌ لا يقبلُ إلا طَيِّبِاً,ثُمَّ إنْ اكتَمَلَتْ حَمَلاتُ الحَجِّ التي في بَلْدَتِكَ,فابحث عن حَمَلاتٍ في المُدنِ والمُحافَظَاتِ الأُخرى,فليس اكتمالُ العَدَدِ في مَدينَتِكَ مُسَوِّغَاً إلى تأخِير حَجَّتِكَ!سَهَّلَ اللهُ أَمْرَنَا وأمرَكُم,وَتَقَبَّلَ مِنَّا ومِنكُم صالِحَ القَولِ والعَمَلِ, واستغفر الله لي ولكم وسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّ ربِّي غفورٌ رحيمٌ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ,نشهد ألا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له المَلِكُ المُبِينُ, ونشهد أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه الصَّادِقُ الأَمِينُ,صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه وعلى آله وأصحابِهِ,وَمَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ,أمَّا بعدُ فاتَّقوا اللهَ,وأدُّوا ما افْتَرَضَ عليكم من المُبَادَرَةِ إلى حجِّ بيتِ اللهِ الحَرَامِ, فالحجُّ بِحَمْدِ اللهِ يهدمُ ما قَبْلَهُ من الآثامِ والذُّنوبِ, والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلاَّ الجَنَّةُ! سُئِلَ رَسُولُ اللهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ:الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟قَالَ:حَجٌّ مَبْرُورٌ.
معاشر المؤمنين:والحجُّ له شروطٌ خَمْسَةٌ مَنْ تَوفـَّرت فيه وَجَبَت عليه الْمُبادَرَةُ,وهي الإسلامُ, والبُلُوغُ,والعقلُ,والحُرِّيَّةُ,وأنْ يكونَ مُستَطِيعَاً بِمَالِهِ وبَدَنِهِ,وتزيدُ المرأة ُشَرْطَاً سَادِسَاً وهو وجودُ المَحْرَمِ لها .عبادَ اللهِ:والأصلُ أنَّ الحجَّ عبادَةٌ بَدَنِيَّةٌ يُطلبُ من العبدِ فِعْلُها بِنَفْسِهِ!وقد جاءَ في السُّنَّةِ ما يُبيحُ الاستِنَابَةَ لِعَجْزٍ أو لِمَوتِ,فَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ,فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرَاً لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ نَعَمْ،وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجَّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ:«فَاقْضُوا الَّذِي لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ»
وهنا أيُّها الكرامُ:عددٌ من المَسَائِلِ لِمنْ لَمْ يؤدِّ فَرِيضَةَ الحَجِّ,أولاً:وجوبُ المبادرة لمن توفـَّرت فيه الشروط ُقال ابنُ القيِّمِ رحمه الله: (مَنْ تركَ الحجَّ عَمْدَاً مع القدرةِ عليه حتى ماتَ,أو تركَ الزكَّاةَ فَلَمْ يُخرجها حتى ماتَ,فإنَّ مُقتضى الدَّلِيلِ وقواعدَ الشَّرعِ أنَّ فِعلَـَهما بعد مَوتِهِ لا يُبرئُ ذمتَـَه ولا يُقبلُ منه والحقُّ أحقُ أن يُتَّبع) انتهى
ثانيا:مَنْ كان مَريضَا مَرَضَاً لا يُرجى زَوَالـُه وبرؤه فإنه يُنوِّبُ من يحُجُّ عنه بِأُجْرَةٍ أو بغيرِ أُجرَةٍ ثالثا:مَنْ كانَ مَرِيضَا مَرَضاً يُرجى زوالُهُ وبُرؤه فإنَّه يصبرُ حتى يزولَ عنه مرضُه. والمسائِلِ:أنَّ مَنْ كانَ عليه دَينٌ حآلٌّ فإنِّه يُبادِرُ بِتَسدِيدِ دُيُونِهِ,فإنْ تَوفَّرَ مَبلَغُ الحَجِّ فليُبادِر بِهِ, أمَّا الأقساطُ الشَّهرِيَّةُ وأقسَاطُ البنكِ العقَارِي,وأقساطُ السَّياراتِ, فلا تُعتَبَرُ دُيُونَاً حآلَّةً,
ومن المسائلِ: أنَّهُ لا يجُوزُ طلبُ الزَّكاةِ,ولا دَفعُها لأجلِ أَدَاءِ فَرِيضَةِ الحَجِّ,أمَّا دَفعُ الصَّدقاتِ لِلمساهمةِ في مُساعَدَةِ مَن يَرغَبُونَ الحجَّ فهو نوعٌ من الإحسانِ والقُربى,وقد قالَ رَسُولُ اللهِ : « مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا ».
فيا عبدَ اللهِ:متى ما توفـَّرَ عندكَ الزَّادُ والرَّاحِلَةُ وَجَبَت عليكَ المُبادرةُ,فتوكَّلوا على الله وبادروا بالحجِّ إلى بيت الله الحرام, إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ
وتَفقَّهوا في دِينِ اللهِ تعالى حتى تُؤدُّوا شَعَائِرَ اللهِ على عِلمٍ وبَصِيرَةٍ,فقد كانَ رسولُ اللهِ يردِّدُ ويقولُ:«لِتَأخُذوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم» وقالَ: «مَنْ يُردِ اللهُ به خَيراً يُفقِّههُ في الدِّينِ»
فاللهم إنِّا نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً,
اللهم إنا نسألك البر والتقوى ومن العمل ما ترضى.
اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة وإلى جنَّتِك مآلنا.
اللهم يسِّر للحجاج حجَّهم ووفقهم ويسر لهم أمورهم ياربَّ العالمين
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدين واشف جميع مرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ

بواسطة : admincp
 0  0  3.6K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:56 صباحًا الجمعة 29 ربيع الثاني 1446 / 1 نوفمبر 2024.