• ×

03:57 صباحًا , الخميس 1 ذو القعدة 1445 / 9 مايو 2024

خطبة الجمعة 13-03-1434هـ بعنوان بَلِ الرَّفِيقُ الأعلى

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله جَعَلَ الموتَ وَسِيلَةً لِلقَائِهِ,نشهدُ أن لا اله إلا الله وحدَهُ لا شَريكَ له,أكرمَ النَّبِيِّينَ والمؤمنينَ بجنَّتِه ونَعمَائِهِ,ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه اختارَهُ اللهُ على سَائِرِ أَوليائِهِ, صَلَواتُ رَبِّي وسلامُهُ وأعطَرُهُ وأَزكَاهُ,على الرَّحمةِ الْمُهداةِ,وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ الثِّقاتِ ومن تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمَمَاتِ.أمَّا بعدُ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ عبادَ اللهِ:لقد اختارَ اللهُ مُحمَّداً لِيكونَ نَبِيَّاً وَرَسُولاً،ولِلعالَمِينَ بَشِيراً وَنَذِيراً،فَأَنزَلَ عليه: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ فقَامَ رَسُولُ اللهِ في الرِّسَالَةِ أَتَمَّ القِيامِ،وَشَمَّرَ عن سَاقِ العَزمِ والإتمَامِ,فَدَعا إلى اللهِ القَريبَ والبَعِيدَ،وآمَنَ بِهِ كلُّ سَعِيدٍ، وَعَصَاهُ كُلُّ جَبَّارِ عَنِيدٍ،ظَلَّ ثَلاثَاً وعِشريِنَ عامَاً!لاقى فيها المَتَاعِبَ والمَشَقَّاتِ,فَشَاءَ اللهُ تَعَالَى أنْ يَجمَعَ بَينَ يَدَيهِ جُلَّ المُسلِمينَ في أَعظَمِ اجتِمَاعٍ عَرَفتُهُ الدُّنيا،على صَعِيدِ عَرَفَاتَ,فألقى النَّظرَةَ الأَخِيرَةَ على أَصحَابِهِ بعدَما أنزَلَ اللهُ قولَهُ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا فَبَكى عمرُ رَضِيَ اللهُ عنه وقالَ: (واللهِ ليس بعدَ الكَمَالِ إلا النُّقصانُ)فقالَ لهم :«تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ.وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ»فَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ,فَأشَارَ بِإِصْبَعِهِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ«اللَّهُمَّ اشْهَدْ,اللَّهُمَّ اشْهَدْ, اللَّهُمَّ اشْهَدْ».وفي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشرِيقِ نَزَلَ قَولُهُ تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: أجَلٌ ضُرِبَ لِمُحَمَّدٍ نُعِيت لَهُ نَفسُهُ.
مَعَاشِرَ المُؤمنينَ:نَعلَمُ أنَّ الحديثَ عن الْمُصطفى يأسِرُ القلوبَ ويُجري المَدَامِعَ!ومع ذلكَ فهو يُقَوِّي العَزَائِمَ!وليسَ الحَدِيثُ عن وَفَاةِ سَيِّدِ البَشَرِ لِلتَّحزُّنِ واستِدرَارِ العَوَاطِفِ!كلاَّ وَرَبِّي إنَّما لِما فيها من العِظَاتِ والعِبَرِ،فقد كانت حَيَاتُهُ دَعوةً وجِهَادَاً،وَكَذلِكَ كانت وفاتُه هدايةً وإرشادًا.والحديثُ عن نَبَأِ وفاتِهِ لأنَّهُ هَزَّ قُلوبَ الرِّجالِ!وَخَرَجَ بسَبَبِهِ فِئَامٌ عن الدِّينِ! وَرَفعَ البَاطِلُ رَأسَهُ!وطَمِعَ الشَّيطانُ في القَومِ!فَنَتَعَلَّمُ من ذَالِكَ لأجلِ الطَّريقِ الأَقوَمِ!
ولِلمَصَائِبِ سُلوَانٌ يُهَوِّنُها وَمَا لِمَا حَلَّ بِالإسلامِ سُلوَانُ
وصَدَقَ اللهُ : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ
عباد الله:ومن حِكْمَةِ الله تعالى أنْ جَعَلَ عَلامَاتٍ تَدلُّ على قُربِ أَجَلِهِ عَلِمَها الرَّسُولُ ولم يَعْلمْها أكثرُ أصحابهِ,ففي العامِ العاشرِ تَكَاثَرَتِ الوفودُ وَدَخَل النَّاسُ في دينِ اللهِ أفواجاً ! وكانَ يُرَدِّدُ على الحُجَّاجِ «لِتَأْخُذُوا عنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» وَقَبْلَ أنْ يَترُكَ مَكَّةَ حاجَّاً وَدِّعَ الكَعبَةَ المُشَرَّفَةَ،ثُمَّ عادَ إلى المَدِينَةِ النَّبَويَّةِ،لِتَبكي المَدِينَةُ مَرَّةً أُخرى,لا مِن الفَرَحِ كَمَا كانَ عِندَ مَقدَمِهِ الأوَّلِ،ولَكنْ حَزَنَاً لِمَا حلَّ بِهِ من مَرَضٍ!وأوَّلُ مَعَالِمِ مَرَضِهِ وجعٌ في رأسِه وحَرَارَةٌ اشتَدَّتْ عليهِ حتى كانوا يَجِدونَ سَورَتَها من فَوقِ عِصَابَتِه!ومن عَلامَاتٍ قُربِ أَجَلِهِ أنْ أتاهُ جِبْرِيلُ عليهِ السِّلامُ ذاتَ لَيلَةٍ فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِىَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَخَرَجَ إليهم وَوَدَّعَهم وَدعَا لهم طويلاً!ثُمَّ ثَقُلَ برسولِ اللهِ المرضُ فجعلَ يسألُ أزواجَه: (أينَ أنا غداً)؟فَفَهِمْنَ مُرَادَهُ وانتقلَ إلى بيتِ عائشةَ رضي الله عنها وقال: (أَهرِيقُوا عليَّ سَبْعَ قِرَبٍ من آبارٍ شتَّى حتى أَخرُجَ إلى النَّاسِ فأَعهَدَ إليهم) ثُمَّ خَرَجَ إليهم فصلَّى بهم وَخَطَبَهُم وقال:«عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ»فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وقَالَ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا,فَقَالَ لهُ رَسُولُ اللَّهِ:لا تَبْكِ يا أَبَا بَكْرٍ«إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِى مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً»فَأَمَرَهُ أنْ يُصلِّيَ بالنَّاس فَجَلَسَ رسولُ الله في بيتِهِ ولم يَخرُجْ منهُ ! فوجدَ يَومَاً من نفسِهِ خِفَّةً فخرَجَ يُهادَي بينَ رَجُلَينِ ورِجْلاهُ تَخُطَّانِ من الوَجَعِ فأرادَ أبو بكرٍ أنْ يتأَخَّرَ فأشارَ إليهِ النَّبيُّ أنْ مَكَانَكَ فجلَسَ إلى جَنْبِ أبي بكرِ.ثمَّ اشتَدَّ الوجعُ برسولِ الله ,فَكُلَّما أفاقَ قالَ: (هل صلَّى النَّاسُ هل صلَّى النَّاسُ)وفي فجرِ الاثنينِ الثَّانيَ عَشَرَ من شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ والصحابةُ قد اصطفُّوا خلفَ أبي بكرٍ يُصَلُّونَ إذْ رَفَعَ رسولُ السِّترَ عن غُرفتِهِ وبَرَزَ للنَّاسِ فكادوا يُفتَنُونَ عن صَلاتِهِم فَتَبَسَّم فَرِحَاً وعادَ إلى مَنزلِهِ.ثُمَّ في الضُّحى جاءَتُهُ سَكَرَاتُ المَوتِ فَكانَ يُدخِلُ يَديهِ في الإناءِ ويُرَدِّدُ: اللهمَّ أَعنِّي على سَكَرَاتِ الموتِ ويقَولُ:«لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لا يجتمعُ دِينَانِ بأرضِ العَربِ».وصار يُرَدِّدُ:لا إله إلا اللهُ إنَّ للموتِ لَسَكرَاتٌ بَلِ الرَّفِيقُ الأعلى بلِ الرَّفِيقُ الأعلى,مع الذينَ أنعمتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا وأخَذَ يُرَدِّدُ: (الصَّلاةَ الصَّلاة وما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم حتى جَعَلَ يُلَجْلِجُها في صَدْرِه وما يَفِيضُ بِهَا لسانُه)ولَمَّا تَغَشَّاهُ الكَرْبُ،قَالَتْ فَاطِمَةُ:وَاكَربَ أَبَتَاهُ فقَالَ: (لَيْسَ عَلَى أَبيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ )وَيُقبِلُ مَلَكُ المَوتِ عليهِ لِيُنَادِيَ رُوحَهُ الطَّاهِرَةَ:أَيَّتُها الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ،اخرُجِي إلى مَغفِرَةٍ مِن اللهِ ورِضوَانٍ وَرَبٍّ رَاضٍ غَيرِ غَضَبانَ،تَقُول عائشةُ رضيَ اللهُ عنها:من نِعمَةِ الله عليَّ أنْ تُوفِّيَ رسولُ الله في بَيتِي وفي يَومِي وبينَ سَحْرِي ونَحرِي وأنَّ اللهَ جَمَعَ بين رِيقِي وريقَه فقد أَخَذَ سِوَاكاً فَقَضَمْتُهُ وَطَيَّبتُهُ واستَاكَ به أحسَنَ ما كان استِنَانَاً فما عدا أنْ فَرَغَ من السِّواكِ حتى وَضَعَ يَدَهُ ثمَّ قَالَ:في الرَّفِيقِ الأعلى ثُمَّ قَضَى رَسُولُ الله !فقالت فاطمةُ:يَا أَبَتَاهُ،أَجَابَ رَبَّاً دَعَاهُ!يَا أَبتَاهُ!جَنَّةُ الفِردَوسِ مَأْوَاهُ!يَا أَبَتَاهُ,إِلَى جبْريلَ نَنْعَاهُ! وَتَصرُخُ عَائِشَةُ وَتَبْكِي وَتَخرُجُ وهيَ تَقُولُ:مَاتَ رَسُولُ اللهِ،مَاتَ خَيرُ خَلقِ اللهِ،مَات إِمَامُ النَّبِيِّينَ،وَسَيِّدُ المُرسَلِينَ،مَاتَ الحَبِيبُ ،فَيُقَابِلُها عُمَرُ,وَيُشهِرُ سَيفَهُ وَهُوَ في نَاحِيةِ المَسجِدِ وَيَقُولُ:واللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ،ولا يَمُوتُ حتى يَقطَعَ أَيدي المُنَافِقِينَ وَأَرجُلَهُم.عند ذلك أَظْلَمَتْ المدينةُ على أهلِها,وضاقت عليهم أرجَاؤها,وانطفأَ عليهم ضِياؤها,حقَّا لقد انْدَهَشَ الناسُ فلم يُصَدِّقوا الخَبَرَ!حتى جاءَ أبو بكرٍ فَدَخَلَ على عائشةَ فَوَجَدَ رسولَ الله مُسَجًّى بِبُرْدٍ فَكَشَفَ عن وجْهِهِ وأَكَبَّ يُقَبِّلُهُ ويَبْكِي ويقولُ:بأبي أنتَ وأمِّي يا رسولَ اللهِ,إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعونَ طبتَ حيَّاً و ميِّتاً فَصَعَدَ المِنبرَ وعمرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ,فحمدَ الله وأثنى عليه وقال : أمَّا بعدُ.فمن كان يعبدُ مُحمَّداً فإنَّ مُحمَّداً قد ماتَ ومن كان يعبُدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يَمُوتُ ثُمَّ قَرَأَ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ فبدأَ الناسُ يُرَدِّدُونَ الآيةَ وكأنَّهم لمْ يَقْرَؤُهَا مِنْ قَبلُ !
وَرَاحُوا بِحُزنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيهُم وَقَد وَهَنَت منهم ظُهُورٌ وَأَعضُدُ
يُبْكُّونَ مَنْ تَبكِي السَّمَوَاتُ يَومَهُ وَمَن قَد بَكَتهُ الأَرضُ فَالنَّاسُ أَكمَدُ
وَهَلْ عَدَلَتْ يَوماً رَزِيَّةُ هَالِكٍ رَزِيةَ يَومٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ
فَلَمَّا أَرَادُوا تَغْسِيلَهُ قالوا:واللهِ ما نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللهِ مِن ثِيَابِهِ أَمْ نُغَسِّلُهُ فيها؟!فَلَمَّا اختَلَفُوا أَلقَى اللهُ عليهم نَومَةً شَمِلَتهُم،ثُمَّ كَلَّمَهُم مُكَلِّمٌ:أَنْ اغسِلُوا رَسُولَ اللهِ وَعَليهِ ثِيَابُهُ, فَصاروا يَصُبُّونَ المَاءَ فَوقَ القَمِيصِ وَيَدلِكونَهُ!
فلو أنَّ رَبَّ العَرشِ أَبقَاكَ بَينَنَا سَعِدنَا وَلَكنْ أَمْرُهُ كَانَ مَاضِياً
فاللهمَّ اجزِهِ عنَّا خَيرَ مَا جَزيتَ نَبِيَّا عن أُمَّتِهِ,وَرَسُولاً عن رِسَالَتِهِ،اللهمَّ احشُرنا تَحتَ لِوائِهِ، وأَورِدْنَا حَوضَهُ،وأَسقِنَا بِيدِهِ شَربَةً هَنِيئَةً مَرِيئَةً يَارَبَّ العَالَمينَ.أقولُ ما تسمعونَ واستغفرُ الله لي ولكم فاستغفروه من كلِّ ذَنْبٍ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ .

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ كَتَبَ الفَنَاءَ على أَهلِ هذه الدَّارِ وجعلَ الآخرةَ هيَ دارُ القرارِ, نشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ذو العِزَّةِ والاقتدارِ,ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المُصطفى الْمُختَارُ,صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِه الأخيارِ,ومن سارَ على نهجِهِمُ واتَّبَعَ الآثارَ .
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله عبادَ الله وتفكروا في وفاةِ الأنبياءِ الكرامِ فهيَ خَيرُ واعظٍ لنا وزاجرٍ!لقد تُوفِيَ رسولُ الله وغُسِّلَ وكُفِّنَ وَدُفِنَ في مَكَانِه الذي ماتَ فيهِ!لقد تُوفِيَ رسولُ الله عن ثلاثٍ وستينَ سَنَةً قَضَاها في الدَّعوةِ والإصلاحِ,والهدايةِ والإرشَادِ!وصَلَّى عليه الرِّجالُ والنِّساءُ والصبيانُ أَرْسَالاً دونَ أنْ يَؤُمَّهُم أحدٌ!لقد توفي رسولُ الله بعد ما تَرَكَنَا على مَحَجَّةٍ بَيضَاءَ,لا يَزِيغُ عنها إلاَّ أهلُ الضَّلالِ والأهواءِ,
جزا اللهُ عنَّا كُلَّ خيرٍ مُحمَّداً فقد كَانَ مَهديَّاً وقد كانَ هَادِيَاً
عبادَ اللهِ:ما بَالنا لا نَتَّعِظُ بِموتِ مُحَمَّدٍ إمامِ المُتَّقينَ وحَبِيبِ رَبِّ العالمينَ فَلَعَلَّنَا نَظُنُّ أَنَّنا مُخلَّدونَ!أو أنَّنَا معَ سوءِ أفعَالِنا عندَ اللهِ مُكرمُونَ!
أيُّها المُؤمنونَ الصَّادِقونَ:لقد التَحَقَ الْمُصطَفَى بالرَّفِيقِ الأعلى,وحُبُّه في قلوبِنَا مَغْرُوسٌ وسِيرَتُه وشَرِيعَتُه في الجوارحِ والنُّفوسِ,والحُبُّ الصادقُ يكونُ بالإتِّباعِ لا الابتِدَاعِ!يكونُ بِمَحَبَّةِ سُنَّتِهِ ونُصْرَةِ شَرِيعَتِه!لا بِإِقَامَةِ مَوالدَ بِدْعِيَّةٍ ما أنزلَ اللهُ بها من سُلطانٍ!فَمن أحبَّ لقاءَه فَليتَّبِعَ سُنَّتَهُ إلى يومِ الدِّينِ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ لقد كان رسولنا الله حريصا على أُمَّتِه عقيدةً وعبادةً وسُلوكاً ومنهجَاً حتى وهو يَجُودُ بأنفاسِهِ الشَّريفةِ,يأمرُ بالمعروفِ ويَنْهى عنِ الْمُنْكَرِ!فما أصْدَقَهُ وأَنْصَحَهُ!حقَّاً لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
من العِظَاتِ يا مؤمنُونَ: نُدرِكُ حِرْصَ الرَّسُولِ على جَنَابِ التَّوحيدِ وتَنْقِيَةَ أَرْضِ الجزيرةِ من مَظاهرِ الشِّركِ والضَّلالِ وما ذَاكَ إلا لِخَطَر بقاءِ اليهودِ والنَّصارى في جزيرةِ العربِ فهي جزيرةُ الإسلامِ وحصنُهُ الحَصِينُ!فما بالُ كَثِيرٍ من إخوانِنا يَتَسَاهلونَ باستِقدامِ الكَفَرَةِ إلى بلادِ الحرَمَينِ ويَتَحَجَّجونَ بِحُجَجٍ واهِيَةٍ! وأعذارٍ مَكرُورَةٍ!
مَعَاشِرَ الشَّبابِ: لقد أدرِكتُم حِرْصَ الرَّسولِ على إقامةِ الصَّلاةِ والوصيَّةِ بها!فَهوَ يَجودُ بِنَفسِهِ وأنفاسِهِ الشَّرِيفَةِ ويَقُولُ):الصَّلاةَ الصَّلاة,هل صَلَّى النَّاسُ)فما بالُ كثيرٍ من شَبَابِنا عن صلاتِهم ساهونَ؟وفي شَبَابِهم لا هونَ,ألا يَظُنُّونَ أنَّهم مَبعُوثُون ليومِ عَظيمٍ يومَ يَقومُ النَّاس لِرَبِّ العَالَمِينَ!
عبادَ اللهِ:أدرَكْنَا عِظَمَ مَنزِلَةِ أبي بكرٍ فقد نَصَرَ اللهُ به الدِّينَ وثَبَّتَ به المؤمنينَ فجزاهُ الله عنَّا وعن المسلمينَ خيراً,فأينَ أهلُ الرَّفضِ الذينَ يَسُبُّونَهُ وَيَلْعَنُونَهُ,ألا لعنَةُ اللهِ على الظَّالِمينَ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فواللهِ لَيسَ بَعدَ الأَنبِيَاءِ مَنْ هو خَيرٌ مِنهُ،

عبادَ اللهِ: وبالرَّغمِ مِن عِظَم المُصِيبَةِ إلا أنَّها لم تُوهِنِ الإسلامَ والمُسلِمينَ،ولم يَضعُف أبو بكرٍ أمَامَها،بل انطَلَقَ بالحقِّ وثَبَّتَ أهلَهُ,وَلَئِن ضَعُفَ المُسلِمُون في يَومٍ فَإنَّ الجَولةَ لَهم،والنَّصرُ آتٍ لا مَحَالَةَ. فَرَضِي اللهُ عنهُ وأرضاهُ,وَجَزَاهُ عنَّا والمُسلِمِينَ خَيرَ الجَزَاءِ وأوفاهُ.
في وفاةِ نبيِّنَا تسليةٌ لكلِّ مَكْرُوبٍ!فمن أُصيبَ بِمُصِيبةٍ فَلْيَذكُرْ مُصَابَ الأُمَّةِ برسولِها فإنَّها تَخِفُّ عليه كُلُّ المَصَائِبُ ,
أيُّها المؤمنونَ: لقد قال المولى قولاً كريمَاً تَشريِفَاً لِنَبِيِّنَا وتَكرِيمَاً, وإرشَادَاً لنا وتَعْلِيمَاً :
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نَبِيِّنَا وقُدْوَتِنَا محمدِ بنِ عبدِ الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
اللهمَّ إنِّا نشهدُ أنَّه بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمانَةَ ونَصحَ الأُمَّةَ وجاهدَ في الله حقَّ جهاده
اللهمَّ اجزه عنَّا وعن المسلمين خيرَ الجزاءِ .
اللهمَّ ارزقنا إتِّبَاعَ سُنَّتِه والتمسُّكَ بها ظاهرا وباطنا قولا وعملا واعتقادا .
اللهمَّ أوردنا حوضَه واسقنا من يده شربةً لا نظمأُ بعدها أبدا ياربَّ العالمينَ .
اللهمَّ إنَّا نسأَلُكَ إيماناً صادقاً ولِسانَاً ذَاكِرَا وعَمَلا صَالِحَاً مُتقَبَّلاً .
اللهمَّ ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة
ربَّنا اغفر لنا ولإخوانِنِا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعلْ في قُلُوبِنا غِلاًّ للذين آمنوا ربَّنا إنِّكَ رؤوفٌ رحيمٌ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ

بواسطة : admincp
 0  0  3.2K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:57 صباحًا الخميس 1 ذو القعدة 1445 / 9 مايو 2024.