• ×

03:12 صباحًا , الأحد 26 شوال 1445 / 5 مايو 2024

خطبة الجمعة 02-06-1434هـ بعنوان الأوقافُ عَطَاءٌ وَنَمَاءٌ ( 2 )

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ للهِ ذِي العِزِّةِ والعَظَمَةِ والجَلالِ،اللَّهمَّ لكَ الحَمدُ على نعَمٍ تَترَى علينا في انهمَالٍ، حرَّمتَ علينا المُضَارَّةَ والاحتِيَالِ،وَتَوعَّدَّتَ المُعتَدِينَ على حُدُودِكَ بِالعذَابِ والنَّكَالِ, نَشهد أنْ لا إلهَ إلا أَنْتَ وَحدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ الكبيرُ المُتَعالِ, ونَشهدُ أنَّ نَبيَّنا مُحمَّدًا عَبدُكَ وَرَسُولُكَ أبانَ لنا الحَرَامَ مِنَ الحَلالِ،فَصَلواتُ رَبِّي وسلامُهُ وبَرَكَاتُهُ عليه، وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ,وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ المَآلِ،
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ:واشكروهُ على مَا منَّ بِهِ علينا مِن نِعمٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى،وَجَعَلَ من أَسَاسِ الشُّكرِ والبِرِّ الإِنفِاقَ في سَبِيلهِ.فقالَ عزَّ من قَائِلٍ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ قالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ،وَكَانَ أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ النَّبِيُّ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا نَزَلَتْ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بِيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ فَضَعْهَا حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ فَقَالَ بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ،ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ,وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَفِي بَنِي عَمِّهِ.
أيُّها الكِرَامُ:حقَّاً لقد تميَّزَ دِينُنا عن غَيرِهِ بِسَبقِهِ في تَشرِيعِ أَبْوابِ الخَيرِ والبِرِّ،وَكانَ مِن أَعظَمِ مَا شَرَعَ اللهُ الوَقْفُ الخيريُّ.وقد كانَ سَلَفُنا الصَّالِحُ كَمَا أَسلَفنَا أنَّهُ لَم يَكُن أَحَدٌ مِنهم ذُو مَقدِرَةٍ إِلاَّ وَقَّفَ!ومع الأسفِ الشَّديدِ في الوقتِ الحَاضِرِ ضَعُفَ وانحسرَ هذا العملُ النَّبيلُ لدى كثيرٍ من المُسلمينَ!فيا مُسلِمونَ:أنسينا قولَ اللهِ تعالى: مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
عبادَ اللهِ: وأفضلُ أَوقاتِ الوَقفِ وأَكثَرُها أَجْرَاً:ما وجَّهَ بهِ النَّبِيُّ الكَرِيمُ،حينَ سُئِلَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟"فقالَ :"أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ،وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ،قُلْتَ:لِفُلانٍ كَذَا وَلِفُلانٍ كَذَا،وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ" وَجَزَى اللهُ أَهلَ العلمِ والفِقهِ خيرَاً فقد خَصَّصوا لِلوقفِ أَبوابَاً وَشَرَحُوا مَسَائِلَهُ وبيَّنوا حلالَهُ مِن حَرَامِهِ,فَتَعالَوا بنا يا رَعاكُمُ اللهِ إلى التَّعرُّفِ على بعضِ حِكَمِهِ وأحكامِهِ: أوَّلاً:الوَقفُ عَقْدٌ لازِمٌ أَي لا يُمكِنُ تَغييرُهُ،ولا يَجُوزُ فَسخُهُ أو الرُّجوُعُ عنهُ إِذا تَلَفَّظَ بِهِ المُكَلَّفُ أو كَتَبَهُ مُنَجَّزاً في حَيَاتِهِ قَبلَ مَوتِهِ؛لأنَّهُ مِمَّا أُخْرِجَ للهِ فَلا يَجوزُ أنْ يَرجِعَ فيه كالصَّدَقَةِ،فَمِن حينِ قولِكَ:وَقَّفتُ بَيتِي، أو مَزرَعَتِي فَإِنَّه يَلزَمُ،وليس لكَ الرُّجوعُ! ثانياً:ينبغي أن تعقِدَ العزمَ لِأَنْ تُوقفَ للهِ شَيئَاً,ولو لَم تَكُنْ مِن أَصحَابِ رُؤوسِ الأَمَوالِ الطَّائِلَةِ!فإنَّ النَّبيَّ قالَ:"مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ،وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ،وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ"فيا عبدَ اللهِ اجعلِ الوَقْفَ مَشرُوعَ عُمُرٍ لكَ,وأبشِر فإنَّ النَّبيَّ قالَ: (مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً,وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ) بل بإمكانِكَ أنْ تُساهِمَ بِمَبلَغٍ مَاليٍّ لإِحدَى أَوقَافِ الجمعيَّاتِ الخيريَّةِ المَوثُوقَةِ والمُنتشِرةِ عندَنا بِحمدِ اللهِ تعالى, ثالثاً:المُبَادَرَةُ بِإثبَاتِ الوَقفِ،لدى المَحاكمِ,حتَى لا يَكونَ الوَقْفُ سَبَباً لِنِزَاعِ الوَرَثَةِ واختِلافِهم كَمَا يَنبَغِي قَبلَ كِتابَةِ الوَقْفِ أْنْ تَستَشِيرَ أَهلَ العِلمِ والخِبرَةِ بِذَلِكَ,وتُوجَدُ مَكاتِبُ استِشَاريَّةٌ تَعتني بذلِكَ، رابِعاً:ومن الأحكامِ:أنَّ الواقِفَ إذا عَلَّقَ الوَقْفَ بِالمَوتِ: كما لو قال: "هذا وَقْفٌ بَعدَ مَوتِي "قَالَ الشَّيخُ ابنُ العُثَيمِينَ رَحِمَهُ اللهُ:"الصَّحِيحُ أَنَّهُ لا يَلزَمُ إلاَّ بَعدَ المَوتِ،فَيَكُونُ مِن ثُلُثِ الوَصِيَّةِ؛وَمَا دَامَ حَيَّاً فَلَهُ التَّغيِيرُ والتَّبدِيلُ والإِلغَاءُ،فَإِذَا مَاتَ فَإنْ أَجَازَهُ الوَرَثَةُ نَفَذَ مَهمَا كَانَ قَدْرُهُ،وإنْ لَم يُجِيزُوهُ نَفَذَ مِنهُ قَدْرَ ثُلُثِ التَّرِكَةِ فَقط.
خامساً:قالَ الشيخُ سُعُودُ الشُّرَيمِ إِمامُ المَسجِد الحَرَامِ وهو مِمَّن عَمِلَ بِالقَضَاءِ ما مفادُهُ: الأَصلَحُ لِكُلِّ مُوسِرٍ أَنْ يُقدِّمَ الوَقْفَ على الوَصِيَّةِ انطِلاقَاً مِن خِبِرْاتِ مُختَصِّينَ, ومُشَاهَدَةِ سَابِرينَ لِوَاقِعنا المَلِيءِ بالمَشَاكِلِ؛وذَلِكَ لِسَبَبَينِ مُهِمَّينِ: أَوَّلُهُما: أنَّهُ يُمكِنُ إِدَارَةُ وَقْفِهِ بِنَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا،فَإذِا جَاءَ أَجَلُ اللهِ سَارَ وَقفُهُ على مَا هُو عَلَيهِ لا تَقطَعُهُ وَفَاتُهُ،بِخلافِ وَصِيَّتِهِ،فَإنَّهُ لا يَدرِي أُقِيمَت بَعدَ مَوتِه أمْ لا.وَثَانِيهِمِا:أنَّ الغَالِبَ في التَّركاتِ العَظِيمَةِ أنْ تَمضِيَ عَلَيها السَّنَواتُ الطِّوالُ ولَمَّا تُقسَّمُ بَعدُ,لِتَشَعُّبِها وَكَثرةِ خِلافِ وَرَثَتِها,فَتَتَعَطَّلُ الوَصِيَّةُ تَعطُّلاً بَالِغًا, بِخلافِ وَقفِهِ،فَإنَّهُ قد أُنجِزَ حالَ حَيَاتِهِ،فلا عَلاقَةَ لَهُ بِقسمَةِ التَّرِكَةِ.كَمَا أنَّهُ يَجوزُ لِلواقِفِ أنْ يَشتَرِطَ الاستِفَادَةَ مِن غَلَّةِ وَقفِهِ مَا دَامَ حيًّا تَحَسُّبًا لِنَوائِبِ الحَيَاةِ،فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ،وإنْ شَاءَ أَنفَقَهُ،فِإذا مَاتَ المُوقِفُ صَارَ وقْفُهُ حَتْمَاً إلى وُجُوهِ الخَيرِ والبِرِّ.بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكم في القُرآنِ العَظِيمِ،وبِهديِ سَيِّدِ المرسَلِينَ,واستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسائِرِ المُسلِمينَ من كلِّ ذنبٍّ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ،أَبَاحَ لَنا مِن المَكاسِبِ كُلَّ تَعَامُلٍ مَبرُورٍ،وَنَهانا عن المُضارَّةِ والفُجُورِ, نَشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ الحليمُ الشَّكُورُ،ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُه أَهدى آمِرٍ وَأَبَرُّ مَأْمُورِ،صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ،ومَن تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يِومِ البَعثِ والنُّشُورِ, أمَّا بعدُ فاتَّقوا عبادَ اللهِ وأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ,اتَّقوا اللهَ في أموالِكم وأولادِكم,فهذه وَصَايا اللهِ لَكم.
عبادَ اللهِ: وسادِسُ أحكامِ الأوقافِ:ما نبَّهُ عليه الشيخُ ابنُ العُثيمينَ رحمةُ اللهِ عليه في خُطبةٍ بَليغةٍ ونَصِيحةٍ فَريدَةٍ حيثُ قالَ ما مفادُهُ: ( أَيُّها المُسلِمُونَ:إِنَّنِي أُحِبُّ أنْ أَتَعَرَّضَ لِمَوضُوعِ لَم يَسبِقْ أنْ تَعَرَّضنَا لَهُ وأُطَبِّقَهُ على ضَوءِ قَولِ النَّبيِّ «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ».فَلا يَجوزُ لأَحدٍ أنْ يُوصيَ لِبعضِ وَرَثَتِهِ دُونَ بَعضٍ،لا بِشيءٍ مِن أَعيَانِ المَال ولا مِن مَنَافِعِهِ،فلو فَعلَ لَكانَ جَائِراً فِي الوَصيةِ،وَلَم يَجُزْ تَنفِيذُها إلاَّ بِإجازَةِ بَقِيَّةِ الوَرَثَةِ المُرشِدِينَ،سواءٌ أَوصى بِمَغَلَّةٍ دَائِمَةٍ أَو مُدَّةٍ مُعيَّنَةٍ لِقَولِ النَّبيِّ :«لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ». وَقد أَجمَعَ العُلمَاءُ على العَمَل ِبِهذا الحَدِيثِ،
وَبعضُ النَّاسِ اعتَادَ أنْ يُوصِيَ بِوقْفِ شَيءٍ مِن مَالِهِ وَتخصِيصِهِ بَأولادِهِ وذُرِّيتِهِ مِن بَينِ سَائِرِ الوَرَثَةِ!فَنُرِيدُ أنْ نُطَبِّقَ هذا العَمَلَ على النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ فَنَنظُرَ في حُكمِهِ وفَوائِدِهِ الاجتِمَاعِيَّةِ,وهل فيهِ فَائِدةٌ لِلمَوقُوفِ عَليهم؟ أو هُو إلى الضَّرَرِ والمَفَاسِدِ أَقرَبُ؟فَبالنَّظَرِ إلى النُّصُوصِ الشَّرعِيِّةِ,فلا شَكَّ أنْ الوَصِيَّةِ بِوقْفِ شَيءٍ مِن المَال على بَعضِ الوَرَثَةِ دَاخلٌ في قُولِهِ: «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» فإذا كانَ لا يَجوزُ أنْ يُوصيَ لِبعضَ الوَرَثَةِ,فَكيفَ يَجوزُ أنْ يُوصيَ له بِسُكنى دَارٍ أو استِثمَارِ عَقَارٍ دَائِمَاً وَأَبَدا؟وإذا كانَ اللهُ تَعالى قَدَّرَ لِلوَرَثَةِ نَصيبَهم فَكيفَ يَجوزُ لكَ أنْ تُوصِيَ لأَولادِكَ بِوَقْفِ شَيءٍ مِن مَالِكَ عَليهم؟ أَلَم يَكُن هَذا تَعدِّيَاً لِحُدُودِ اللهِ واقتِطَاعَا مِن حَقِّ بَعضِ الوَرَثَة لِوَرَثَةٍ آخَرِينَ؟وهذا جَورٌ ومُضَارَّةٌ لِلوَرَثَةِ.قالَ شَيخُنا عبدُ الرَّحمنِ السَّعدِيُّ:لا يَحِلُّ لأَحَدٍ أنْ يُوقِفَ وَقفَاً يَتَضَمَّنُ المُحرَّمَ والظُّلمَ,بِأن يَكُونَ وَقفُهُ مُشتِمَلاً على تَخصِيصِ أَحَدِ الوَرَثَةِ دُونَ الآخَرِينَ،فَإِنَّ العبَدَ لَيس لَهُ أنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِه بِمُقتضى شَهوتِهِ النَّفسِيَّةِ وهَواهُ بَل عليه أنْ لا يُخالِفَ الشَّرعَ ولا يَخرُجَ عن العَدلِ،انتهى كلامُ السَّعديُّ في المُختَاراتِ الجَلِيَّةِ.
وأمَّا مِن النَّاحِيَةِ الاجتِمَاعِيَّةِ فَفيهِ مَضَارٌّ: منها الظُّلمُ والجَورُ،لَيسَ على فَاعِلِهِ فَحسب بل على جَمِيعِ النَّاسِ,ومنها حِرمَانُ الوَرَثَةِ الخَارِجِينَ مِن هَذا الوَقفِ مِن حَقِّهم الثَّابِتِ فِي التَّرِكَةِ, ومنها إِلقَاءُ العَدَاوةِ بَينَ المَوقُوفِ عَليهم،فَكم حَصَلَ بَينَ الذُّرِيَّةِ مِن الخُصُومَةِ والتَّقَاطُعِ والتَّشَاتُمِ والمُرَافَعَاتِ بِسبَبِ هَذهِ الأَوقَافِ,ولو تُرِكَ المَالُ لَهم حُرَّا لَتَمَكَّنُوا مِن الانفِصَالِ بَعضِهم عَن بَعضٍ بِبَيعٍ أو غَيرِهِ، وَلَو أَبعَدَ الوَقفَ عَنهم وكانَ على أَعمَالِ بِرٍّ عَامَّةٍ مِن مَساجِدَ وإصلاحِ طُرقٍ وتَعلِيمِ عِلمٍ وَطبعِ كُتُبٍ نَافِعَةٍ وإِطعَامِ مَسَاكِينَ وَكِسوتِهم وإِعانَةِ مُعسْرٍ وسَقِي مَاءٍ وَغَيرِهِ من المَصَالِحِ لَكَانَ أَنفَعَ لِلواقِفِ وأَبرأَ لِذِمَّتِهِ,ومنها أنَّ هذا الوَقفَ إنْ كانَ بِيدِ وَرِعٍ تَعِبَ من تَصرِيفِهِ ومُواجَهَةِ مُستَحِقِّيهِ فَإنْ لَم يُخاصِمُوهُ غَضِبوا عليهِ وَكَأَنَّهُ ظَالِمٌ لَهم،أمَّا إنْ كانَ بِيدِ جَشِعٍ أَهلَكَهُ وأَكَلَهُ,ومن المضارِّ أنَّ فيه دَمَارا وإِتلافَاً لِلأمَوالِ فَإِنَّ بَعضَ المُستَحِقِّينَ لَه لا يَهُمُّهم إِصلاحُ الوَقْفِ،وإنِّمَا يَهُمُّهم أنْ يَستَغِلُّوهُ حتى يَستنفِذُوهُ،
هَذِهِ خَمْسَةٌ من المَفَاسِدِ الشَّرعِيَّةِ وهي عِصيَانٌ للهِ وعِصيَانٌ لِرَسُولِهِ وَتَعَدٍّ على الحُدُودِ الشَّرعيِّةِ والمُتَأَمِّلُ يَجِدُ فِيهِ أَكثَرَ مِن هذا أعوذُ بِاللهِ من الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ انتهت خطبةُ الشيخِ رحمهُ اللهُ.
عبادَ اللهِ وسابعُ الأحكامِ:عَلَيكَ أيُّها المُوقِفُ أنْ تَختَارَ النَّاظِرَ الأَمِينَ وَأنْ تَضَعَ لَهُ نِسبَةً مِن رَيعِ الوَقْفِ,فإنَّهُ أنفَعُ لِلوقفِ وأدومُ لِرِعايَتِهِ,وحتى لا يُبَدَّلَ أو يُحرَّفَ,أو أنْ يَكُونَ تَحتَ رعايَةِ جمعيَّةٍ خيريَّةٍ مَوثُوقَةٍ, قالَ اللهُ تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَثَامِنُ الأَحكامِ والوصايا:بعضُ إخوانِنا قد يتوجَّسُونَ خِيفَةً على ذُرِّياتِهم من الفَقْرِ والحَاجَةِ ويُردِّدونَ حَدِيثَ النَّبِيِّ (إِنَّكَ إنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ،خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) وهذا حقٌّ وَلكِنَّهم غَفَلوا عن قولِهِ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ" ولَقَد طَرَحَ النَّبِيُّ هذا السُّؤالَ وأجابَ عنهُ فقال:"أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟ "قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ!قَالَ:"فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ،وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ" فَيا أَهلَ الخَيرِ واليَسَارِ أَحيُوا سُنَّةَ الوَقفِ فِي جَمِيعِ أبَوابِ البِرِّ لِتزكُوا وتُفلِحُوا؛ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى فاللهمَّ لا تَجعل الدُّنيا أَكبرَ هَمِّنا ولا مَبلَغَ عِلمِنَا،اللهمَّ لا تَجعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا،اللهمَّ اجعلنا مِمَّن بَرَّ واتَّقى،وَصَدَّق بالحًسنى،ونَهى النَّفسَ عن الهوى,فَدَخَلَ جنَّةَ المَأوى, اللهمَّ اجعلنا مَمَّن يَتَذكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكرى,اجعَل سَعيَنا مَشكُورَا،وَذَنْبَنَا مَغفُورَا،وأَصلِح لَنا دِينُنا الذي هو عِصمَةُ أَمرِنا,وأَصلِح لنا دُنيانا التي فيها مَعَاشُنا،وَأَصلِح لنا آخِرَتَنا التي إِليها مَعَادُنا، واجعَل الحَيَاةَ زِيادَةً لنا في كُلِّ خَيرِ،والمَوتَ رَاحَة لَنا مِن كُلِّ شَرٍّ،ربَّنا اغفر لنا ولِولدينا ولجميع المسلمين ياربَّ العالمين, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
بواسطة : admincp
 0  0  2.2K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:12 صباحًا الأحد 26 شوال 1445 / 5 مايو 2024.