• ×

06:14 صباحًا , الثلاثاء 28 شوال 1445 / 7 مايو 2024

خطبة الجمعة 26-08-1434هـ بعنوان ضَيفُنا الغَالي أَقبَلَ + المَخلُوعُ المُنتَخَبُ !

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ للهِ جعلَ رمضانَ سيِّدَ والشُّهورِ،ضَاعفَ فيه الحَسَنَاتِ والأُجُورِ،نشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريك له يَعلَمُ خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصُّدورُ،ونشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه بَعَثَهُ اللهُ بالهدى والنُّورِ،صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ البعثِ والنُّشُورِ.أمَّا بعد:فاتَّقوا الله عبادَ الله سِرًّا وجهرًا،واجعَلوها عُدَّةً لكم وذُخرًا،يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ أيُّها المؤمنون:أيامٌ قلائلُ ويٌشرفُ على الدُّنيا رَمَضَانُ المُبارَكُ,وسبحانَ اللهِ كأنَّنا بِالأَمْسِ ودَّعناهُ،وهانحنُ نستقبلُهُ بعد عَامٍ كَامِلٍ،اقتَربت أيَّامُهُ وَلَمَعت أَنوارُهُ، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ شَهرُ الرَّحمةِ وإقالةِ العثَرات،شهرُ التَّوبةِ وإجابةِ الدَّعوات.يُنادَى كلَّ ليلةٍ فيه:يا باغي الخير أقبل،ويا باغيَ الشرِّ أقصر.من صامَه إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنَّبِهِ،ومَنْ قَامَهُ إيمانًا واحتِسَابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذَنَّبِهِ,ومَن قامَ ليلة القَدرِ فيه إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذَنَّبِهِ,كُلُّ ذلِكَ ثبتَ عن النَّبِيِّ فيالهُ من مَوسمٍ مُباركٍ عَظِيمٍ!
عباد الله:بلوغُ رمضانَ نعمةٌ كُبرى يَقْدُرُها الصَّالِحونَ الْمُشَمِّرونَ.وأَعظَمُ خَسَارَةٍ أنْ يَكونَ المَرءُ مِمَّن عَنَاهم المُصطفى حينَ قَالَ: «احْضُرُوا الْمِنْبَرَ».قالَ الصَّحابةُ فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: "آمِينَ"فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ:"آمِينَ"فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ:"آمِينَ"فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ,قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْنَا الْيَوْمَ مِنْكَ شَيْئًا لَمْ نَكُنْ نَسْمَعُهُ قَالَ:"إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَرْضَ لِي فَقَالَ:بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَقُلْتُ:آمِينَ فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ:بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ:آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ:بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ الْكِبَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، فلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ,فَقُلْتُ:آمِينَ ».فأيُّها الأخيار:من أراد صِياماً مقبولاً فعَليه أنْ يَتَطهَّر من أدرانِ الذُّنوبِ وأن يغسِلَ قلبَه من أوحالِ المعاصي،
وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فالتَّوبةُ والاستِغفار أَولَى مَا يُستَقبَل به رمضانُ!فكيفَ نلقَى الله تعالى وَنَدعُوهُ؟ونَطلُبُ خيرَه وإِحسانَه وَنرجوهُ,ونحن مثقَلون بالأوزارِ؟! وقد ذكَرَ لنا النَّبيُّ الرَّجُلَ يُطيلُ السَّفَر أَشعثَ أغبر يمدُّ يدَيه إلى السَّماء:يا رَبِّ،يا ربِّ, ومَطعمُه حرامٌ،ومَشرَبه حَرام،ومَلبَسه حَرام،وغُذِّي بالحرام:« فأنَّى يستَجَاب لذلك ؟!».
واعلمْ أيُّها المؤمنُ:أنَّ صاحبَ المَعاصِي مَخذُولٌ مَحرُومٌ لا يوفَّقُ لِطَاعَةٍ،ولا يُهدى للتي هي أقومُ!فأيُّ عيشٍ لمن قُطِعَ عنه الخيرُ!وأيُّ توفِيقٍ لِمَن أَعرَضَ عنهُ الرَّبُّ جَلَّ وعلا ؟ فَرَمَضانُ أكبرُ فُرصَةٍ للتَّوبَةِ والإنابَةِ إلى اللهِ تعالى! يا مسلمون:استقبِلوا شَهرَكم بردِّ المَظَالِمِ إلى أهلها,وبإخلاصِ العِبادَةِ لله وحدَه واتِّباعِ سُنَّةِ رَسولِهِ  قولاً وعَمَلاً!وأظهرِوا الفرَحَ واستبشروا بقدومِ برمضانَ,واحذَرُوا من التَّذمُّرِ والتَّسخُّطِ والتأفُّفِ في شَرعِ اللهِ!أو تَقدِيرِ اللهِ تعالى بِحرارَةٍ جَّوٍّ أو طُولِ نَهَارٍ!فالمِنَّةُ للهِ تعالى أنْ هَدَانَا لِدِينِ اللهِ والعَمَلِ بهِ,فَلقد كان الحبيبُ يبشِّرُ أصحابَه بقدومِ رمضانَ فيقولُ: «أتاكم رَمَضَانُ شهرٌ مباركٌ،فَرَضَ الله عزَّ وجل عليكم صيامَه،تُفتَّحُ فيه أبوابُ السماء،وتغلَّقُ فيه أَبوابُ الجَحِيمِ،وتُغلُّ فيه مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ,للهِ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر،من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم».
عباد الله:استقبلوا شَهرَكُم بِصَفَاءِ القُلُوبِ وَنَقَاءِ الصُّدورِ!فَنحنُ مُقبلونَ على خَيرِ الشُّهورِ.فإلى متى ونحن مُتعادُون ومُتَقاطعونَ؟ألا نستفتحُ شَهرَنَا بِقُلوبٍ مِلؤُها الصَّفَاءُ والمَودَّةُ؟والأخوةُ والمحبةُ؟فَقبلَ صيامِنا عن الطَّعَامِ والشَّرَابِ:دعوةٌ أنْ تَصومَ قُلوبُنا عن الشَّحنَاءِ والبغضاءِ، رَدِّدوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
عبادَ اللهِ: ومِمَّا يُستقبَلُ به رَمَضَانُ التَّفقُّهُ في الدِّينِ.لِيَعبُدَ المسلمُ ربَّه على علمٍ وبصيرةٍ, وقد قالَ النَّبِيُّ: «صوموا لرؤيَتِه وأفطروا لرؤيته». فَيدخُلُ الشَّهرُ إمَّا برؤيةِ هلالِ رَمَضَانَ أو بِإكمَالِ شَعبَانَ ثلاثين يَوماً، ولا عِبْرَةَ بِالحِسَابِ الفَلَكِيِّ المُجرَّدِ كَمَا قرَّرَهُ أهلُ العلم!
عبادَ اللهِ:ومعَ وُضُوحِ تَوجِيهِ النَّبِيِّ حيالَ ذلك إلاَّ أنَّه مع بدايةِ كلِّ رَمَضَانَ يَحلُو لِبَعضِ النَّاسِ التَّشويشُ والتَّشكِيكُ بلا علمٍ ولا بصيرةٍ،ويَتَفَوَّهُونَ بما لا يعلَمونَ،يصوِّبُونَ ويُخَطِّئِونَ وهم يجهَلُونَ أبسَطَ مبادِئِ الإثباتِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
عبادَ اللهِ:شهرٌ هذه بعضُ فضائِلِهِ حَقِيقٌ بالإجلال والإكرامِ،وَجَدِيرٌ بأن يُصانَ عن القَبَائِحِ والآثامِ،وأن يُغتَنَم بالطَّاعاتِ,ويُبادرَ فيه بالصَّالحاتِ.ولَعلَّنا ونَحنُ نستَقِبلُ رمضانَ أنْ نُجاهدَ أنفسَنا لِنحقِّقَ تقوى الله تعالى:بالابتعادِ عن القَنَواتِ الهَابِطَةِ,والمُسَلسَلاتِ السَّاقِطَةِ, والشَّبكاتِ الفاتِنَةِ,والأغاني المَاجِنَةِ,فهناكَ مَن يَصُدُّونَ الخلقَ عن خَالِقِهم!ويُضِلُّونهم عن رشادهم! يَعِدُونَ النَّاسَ ويُمَنُّونَهم, وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا: «فَمَنْ لَمْ يَدَعْ قَولَ الزُّورِ والعَمَلَ بهِ فَلَيسَ لِلهِ حَاجةٌ أنْ يدَعَ طَعَامَهُ وشرَابَهُ». وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً فاللهمَّ بَلِّغنَا رَمَضَانَ ونَحنُ على أَحسَنِ حَالٍ وَخَيرِ عَمَلٍ,وأَعِنَّا على صِيَامِ وَقِيَامِهِ إِيمَانَاً واحتِسَابَا.أقولُ ما تَسمَعُونَ واستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكم ولِلمسلمينَ فاستَغفِرُوهُ إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.



الخطبة الثانية: المَخلُوعُ المُنتَخَبُ!

الحمدُ للهِ مُعزِّ مَنْ أَطَاعَهُ،ومُذِلِّ مَنْ عَصَاهُ،بِصدقِ التَّوكُّلِ عَليهِ يَندَفِعُ كُيدُ كُلِّ كُائِدٍ،ويُتَّقى شرُّ كلِّ حَاقِدٍ،نَشهدُ أن لا إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ،ربُّ الأَربَابِ،وَمُسَبِّبُ الأَسبَابِ،بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ،وإليهِ تَصرِيفُها،ونَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبيِّنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ،هدَى بِهِ أَقوَامَاً حَائِرَةً،وَجَمَع َبِهِ قُلُوباً مُتَنَافِرَةً ودِيَاراً مُتَنَاثِرَةً،صلَّى اللهُ وسلَّمَ وَبَاركَ عليهِ،وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ النُّجُومِ الزَّاهِرَةِ،والتَّابِعينَ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ مِمَّن ابتَغَى اللهَ والدَّارَ الآخِرَةَ، أمَّا بعدُ.فاتَّقوا اللهَ يامؤمنونَ وكونوا من الصَّادِقينَ ولَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.عبادَ اللهِ:أُمَّتُنَا الإِسلامِيَّةُ تَمُرُّ بِمِحَنٍ عَظِيمَةٍ ونَوازَلَ شَدِيدَةٍ ونَكَبَاتٍ مُتَلاحِقَةٍ, سَاهَم فِيها خِيانَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ،مِن أَعدَائِها بالمَكرِ الكُبَّار تَارَةً,والخِيانَةِ والخَدِيعَةِ تَارَاتٍ, وبِخَدِيعَةِ وتَمالُئِ أَبنَائِهَا تَارَاتٍ أُخرى!
يُخَادِعُنِي العَدُوُّ فَلا أُبَالِي وأَبْكِي حِينَ يَخدَعُنِي الصَّدِيقُ.
نعم:كُلُّ الخِيَانَاتِ قَاسِيَةٌ وَمَرِيرَةٌ،وَلَكِنَّ الأَقْسَى أنْ يَخُونَكَ مَنْ تَتَوقَّعُ منهُ العَونَ والمَددَ! أيُّها الأَكَارِمُ: لقد تَابَعَ المُسلِمونَ أحدَاثَ مِصرَ الإباءِ والعِلمِ والحِكمَةِ: حينَ تَنادت ثُلَّةٌ عِلمانيَّةٌ فاسِدَةٌ, وطُغمَةٌ من الفُلولِ الحَاقِدَةِ المَاكِرَةِ, وجُيُوبٌ من العِلمَانيِّينَ السَّافرةِ, وبَلطَجِيَّةٌ هَمَجِيَّةٌ مُستأجَرَةٌ, وطَائِفَةٌ سَاذِجِةٌ! تُنادِي بالإطاحَةِ بِرئيسِها الشَّرعِيِّ المُنتَخَبِ عبرَ صَناديقِ اقتراعِها,في خُطَّةٍ دَولِيَّةٍ مُحكَمةٍ,وبِدَعمٍ مالِيٍّ ومَعنويٍّ عَربِيٍّ غَبيٍّ! وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ نعم لقد خَلَعوا رَئِسَهم, وفَرَّقوا جَمعَهُم,وَنَسَفوا كُلَّ مَبادِئِهم التي كانوا يَتَغَنَّونَ بها,وكشَفُوا عَن قُبحِ وجُوهِهم,وأَخرَجُوا مَكنُونَ صُدورِهِم.وربُّكَ حَكيمٌ عليمٌ.
ولَو عَلِمُوا ما يُعقِبُ البَغيُ قَصَّروا ولكنَّهم لم يُفَكِّروا في العَواقِبِ
واللهِ إنَّهم لم يُفَكِّروا بالعواقِبِ: إنَّ أخشى ما نَخشاهُ أنْ يَجُرُّوا مِصرَ وأهلَها إلى حُروبِ قَبَلِيَّةٍ, ونِزاعَاتٍ حِزبيَّةٍ, وفِتَنٍ أشعَلُوا فَتِيلَها ولن يَستَطيعوا إطفائَها! وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ يُخطِئُ مَنْ يَظُنُّ أنْ تَظَاهُرَاتِ القَومِ كانت سِلمِيَّةً,وأَنَّ مَطَالِبَهم إِصلاحِيَّةً؛ فالواضحُ عَيَانَاً أنَّ الهَدَفَ طَمْسٌ لِلهَوِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ واستبدَالُها بِالهَوِيَّةِ العَلمَانِيَّةِ,كما رَدَّدُوها في هُتَافَتِهم لا شَرْعِيَّةَ لا دِينِيَّةَ.والحقُّ ما شَهِدت بهِ الأعداءُ:فقد سطَّرتْ صُحُفِ اليهودِ بأنَّ خائِنَ القُواتِ المُسَلَّحَةِ هو البَطَلُ الذي أعادَ مِصرَ لأَحضَانِ إسرَائِيلَ! وصدَقَ اللهُ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا عبادَ اللهِ: الأَمرُ لا يَتَعَلَّقُ بِمُرسي كَشخْصٍ, ولا بِحزبهِ كَتنظيمٍ, فقد نَختَلِفُ معهُ كثيراً في سِياساتِهِ وَتَوجُّهاتِهِ وإدارَتِهِ!ولكِنَّهُ رَجُلٌ جاءَ إلى السُّلطَةِ بِإرَادَةِ أغلَبِيَّةِ شَعبِهِ عَبْرَ انتِخَابَاتٍ حُرَّةٍ وَنَزِيهَةٍ,ولكنْ الأمرَ يَتَعَلَّقُ بِارتِبَاطِهِمُ الدِّينِيِّ وَصِلَاتِهِمُ الإِسلاَمِيَّةِ،وفي هَذا تَراءَى الجَمعَانَ وَبَرَزَ الفَرِيقَانِ,والسَّاتِرُ اللهُ من التِحَامِ الصَّفَينِ,وتَنازُعِ الفَرِيقَينِ! وهنا وقفاتٌ ونصائِحُ لنا جميعاً في مثل هذهِ الأحداثِ المُتلاطِمَةِ,وَقَى اللهُ المُسلمينَ شَرَّها وردَّ كيدَ أعدائِها في نُحُورِهاَ:
أولاً:وجوبُ الوِحدَةِ وَخَطَرُ التَّفرُّقِ والاختِلافِ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ثانياً:ردُّ التَّنازعِ إلى أهلِ العلمِ والدِّينِ والحكمَةِ كَمَا أَمرَ رَبُّنا وقالَ: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا وفي مِصرَ من أهلِ العلمِ والحكمَةِ مَنْ هو مَدرسةٌ في ذلكَ ولا أدَلَّ على ذلكَ من نِدَاءَاتِ المُصلِحينَ لِلمُتظاهِرينَ الآنَ من وجوبِ الرُّجوعِ إلى المَنَازِلِ,والحذَرِ من الاقتِتَالِ فيما بينهم,وألاَّ يُجَرُّوا إلى فِتَنٍ لها أولٌ وليسَ لها آخِرٌ!ففي الصَّحيحِ أنَّ رَسُولَ اللهِ قالَ:«لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا».
ثالِثاً:الرِّضا بِقَضَاءِ اللهِ تَعالَى وقَدَرِهِ فَبِذَلِكَ يَنْشَرِحُ صَدْرُ المُسلِمِ,ويؤمِنُ بِأَنَّ اللهَ تعالى قَدَّرَ الصِّرَاعَ بَينَ الحَقِّ والبَاطِلِ إلى يومِ القِيَامَةِ, وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ
رابعاً:كَشَفتِ الأحدَثُ عن زَيفِ القِيَمِ التي يَتشَدَّقُ بها بني عِلمانَ وأَذنَابِهم من الِّلبرَاليينَ, وأنَّ الدِّيمُقرَاطِيَةَ التي بها يَتَشَدَّقونَ إنَّما هي حِمَارٌ يَركَبُونَهُ مَتى يَشَاءونَ,ويُنزِلوا عنهُ من لا يَرغبونَ! وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ.
خامساً:كَشَفتِ الأَحدَثُ عن وجُوبِ تَمحيصِ القادَةِ والمَسؤلِينَ,واتِّخاذِ النَّصَحَةِ المُخلِصينَ, الذينَ يَحرصونَ على أمنِ البلدِ واستقرارهِ,وأنْ يَحذروا من المُرتَزِقَةِ, والخَونَةِ,والمَأجورينَ, الذينَ يُفسِدونَ في الأرضِ ولا يُصلِحونَ!
سادِساً:لقد كَشَفتِ الأحدَثُ بِجَلاءٍ لِكُلِّ الرُّؤسَاء والزُّعماءِ عن وجوبِ المُبادَرَةِ إلى الإصلاحاتِ الاقتِصادِيَّةِ والدِّينِيَّةِ والسِّياسِيَّةِ,وإلاَّ فإنَّ النَّاسَ دُونَ حُقُوقِهم!
سابعاً:لقد كَشَفتِ الأحدَثُ بِجَلاءٍ عن سُوءِ صَنِيعَةِ الخَونَةِ والخَائِنينَ وأنَّ لهم عِقَابَاً في الدُّنيا قبلَ الآخِرةِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ وفي الصًّحِيحِ أنَّ رَسُولَ اللهِ قالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ».وقالَ: «إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ».وأي خِيانَةٍ أعظَمُ مِمَّا ارتَكَبَهُ خائِنُ القُواتِ المُسلَّحةِ وأزلامِهِ في حَقِّ إخوانِنا بمصرَ؟!
ثامِنَاً:لقد أحسنَ مُرسي بِعَدَمِ رِضاهُ لِمَطلَبِ القُواتِ المُسلَّحَةِ,فهو مَطلَبٌ ظَالِمٌ وفيه غِشٌّ لِلأمَّةِ وتَخَلٍّ عن واجِبِهِ الشَّرعيِّ الذي تَكَلَّفهُ وأخَذَ على نفسِهِ العهدَ والميثاقَ أنْ يَقُومَ بِحقِّهِ,وفي رضاهُ إقرارٌ لِلظُّلمِ وجَرٌّ لِلبَلدِ نحوَ الهاويةِ!بل وفي عَدَمِ رِضاهُ تَطبيقٌ لِما أمرَ بهِ رَسولُ اللهِ عُثْمَانَ بنَ عفَّانَ حينَ قالَ لَهُ: «يا عُثمانُ إِنَّ اللَّهَ مُقَمِّصُكَ قَمِيصًا،فَإِنْ أَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ عَلَى خَلْعِهِ فَلاَ تَخْلَعْهُ».هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَالِي الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. فَلمَّا أرادَ الخَوارجُ خلعَ الخِلافةِ من عُثْمَانَ حِينَها استَشَارَ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا.فَقَالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ: (لا تَخلَعْ قَمِيصَ اللهِ عِندَكَ،فَلو فَعَلْتَ فَسَتَكُونُ سُنَّةً مِن بَعدِكَ،كُلَّمَا كَرِهَ قَومٌ خَلِيفَتَهُم خَلَعُوهُ أو قَتَلُوهُ !).
تاسِعاً:بَيَّنتِ الأَحدَاثُ عظِيمَ مَوقِعِ مِصرَ وأهلِها,الدِّينيِّ والسِّياسيَّ وأنَّها عُمقٌ للإسلامِ وأهلِهِ,وأنَّ الواجِبَ علينا رأبُ الصَّدعِ فيها,والحِفاظُ على بَيضَتِها,وألاَّ نُسلِمَها لأعدائِها فاللهُ تعالى يقولُ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
عاشِراً:نُوصي الجَميعَ بالدُّعاءِ لإخوانِناَ المُسلِمينَ عُمُوماً ولأهلِ مِصرَ خُصوصاً,فالدُّعاءُ أبلغُ سِلاحٍ وأقوى عتادٍ!فلا كاشِفَ للضَّرَّاءِ إلاَّ اللهُ,ولا دَافِعَ للبلوى إلاَّ هو سبحانهُ وبحمدهِ. فالَّلهمَّ احفظ مصرَ وأهلَها واكفِها شَرَّ الأشرارِ وكيدَ الفُجَّار ورُدَّ كيدَ الأعداءِ في نُحورهم,الَّلهمَّ اجمع كَلِمَتَهم على الحقِّ والهدى والدِّينِ,وهيئ لهم قادَةً صالِحينَ مُصلِحينَ,واحفظ عليهم دِينَهم وأعراضهم وأرواحهم وأموالهم ياربَّ العالمينَ.اللَّهُمَّ اجعَلْنَا ممَّن إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ،وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ،وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ اللَّهُمَّ وارزقنا حُسنَ القولِ والعَمَلِ, اللهمَّ ثَبِّتنا بالقولِ الثَّابتِ في الحياةِ الدُّنيا ويَومَ يقومُ الأشهادُ.اللهم آمنَّا في أوطانِنِا،وأَصلِح أَئِمَّتَنا وولاةَ أمورِنا،خُذ بِنَواصِيهم لِلبرِّ والتَّقوى,وأصلح لهم البِطَانَةِ ياربَّ العالمينَ. عباد الله:اذكروا اللهَ العظيمَ يذكركم واشكروه على نِعَمِهِ يَزِدكُم ولَذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يَعلمُ ما تصنعونَ.
بواسطة : admincp
 0  0  2.4K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 06:14 صباحًا الثلاثاء 28 شوال 1445 / 7 مايو 2024.