• ×

04:19 صباحًا , الخميس 1 ذو القعدة 1445 / 9 مايو 2024

خطبة الجمعة 17-09-1434هـ بعنوان غَزوتُنا الكُبرى الخَالِدَة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 الحمدُ لله أعزَّ أولياءَهُ بِنَصرِهِ،وأَكرَمَ المُؤمنينَ بِتَحقِيقِ وَعدِهِ،جعلَ لِكلِّ شيءٍ أَجلاً،وأَحاطَ بِكُلِّ شيءٍ عِلمَاً،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ،ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه جاهدَ في اللهِ من غير توانٍ ولا تقصيرٍ,صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابهِ: الذينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
أمَّا بعدُ:فاتَّقواَ اللهَ عبادَ اللهِ فمن لا تَقوى لَهُ فلا زادَ لهُ ولا سَعَادَةَ،ولا نَجَاةَ لهُ ولا رِيادَةَ, أيُّها المسلمونَ:لئن كان رَمضانُ شهرُ الفُرقانِ بالقرآن,فإنَّهُ شهرُ الفُرقَانِ بالنَّصرِ والتَّمكينِ! فقد جاءت معركةُ بدرٍ في رَمَضَانَ،لتؤكِّدَ أنَّه شَهرُ البَذلِ والتَّضحيةِ، وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ
إِذا قَامَتِ الدُّنيا تُعُدُّ مَفَاخِرَاً فَتَاريخُنا الوَضَّاحُ من بَدْرٍ ابتدأَ
في جُمَادَى الأُولى من السَّنَةِ الثانيةِ من الهجرةِ سمِعَ رسولُ الله أنَّ عيراً لقريشٍ مُتجهةٌ نَحوَ الشَّامِ مُوقَّرةٌ بالأموالِ والمَتَاعِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ لِيعتَرِضَ طَرِيقَها وقالَ: (هذه عيرُ قُريشٍ فيها أموالُكم,فاخرجوا إليها لعلَّ الله أن يُنفِلُكُمُوها) فَتُعوِّضُهم عن بعضِ ما أَخَذَت قُريشٌ من أموالِهم،سَارَ رَسُولُ اللهِ بجيشٍ فيه ثلاثُمائَةٍ وأربعةَ عَشَرَ رَجُلاً بِفَرَسَينِ فَقط,وسبعينَ بعيرَاً يَتعاقَبُونَها,كلُّ ثَلاثَة ٍعلى بَعيرٍ,علِمَ أبو سفيانَ بجواسيسهِ عن مَسيرِ عَسْكَرِ المُؤمنينَ فأرسلَ إلى مَكَّةَ, مُنادياً قد شَقَّ قَمِيصَهُ لِيصرَخُ:يامعشرَ قُريشٍ,الَّلطِيمةَ,الَّلطِيمةَ,الغَوثَ الغَوثَ أموالُكم عَرَض لها محمدٌ في أصحابِهِ,لا أرى أن تُدرِكُوها,فَتَحفَّزَ النَّاسُ سِراعاً وتجمَّعَ ألفٌ وثلاثُمائةِ مُقاتِلٍ, في مِائَةِ فَرَسٍ وستُمائَةِ دِرعٍ وجِمَالٍ كثيرةٍ بِقَيادَة أَبي جَهْلٍ.! خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وأقبلوا يُحادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ!ولكنَّ أبا سُفيانَ بِحنكَتِهِ اتَّجَهَ نَحوَ السَّاحِلِ وَنَجَتِ القافِلَةُ, وَأرسَلَ إلى قُريشٍ أنْ ارجِعوا,فَهمَّ الجَيشُ بالرجوعِ, إلاَّ أنَّ أبا جهلٍ قالَ:والله لا نَرجِعُ حتى نَرِدَ بدرَاً, فنُقِيمَ بها ثلاثًا فنَنْحرُ الجَزُورَ,ونُطعِمُ الطعامَ, ونسقي الخمرَ,وتعزفُ لنا القِيانُ,وتسمعُ بنا العَرَبُ,فلا يَزالُونَ يَهابُونَنا أبداً,فَساروا حتى نَزَلُوا قريباً من بدرٍ وراءَ كثيبٍ بالعُدوةِ القُصوى.ولمَّا كانَ الأمرُ كذلكَ كان لابُدَّ من مَوقفٍ بطوليٍّ, يَرُدُّ كيدَ قُريشٍ في نُحورِهم وَيَكْسِرُ شوكَتَهم,فاستشارَ النَّبِيُّ أصحابَه,فَقَامَ أبو بَكرٍ وعمرُ والمقدادُ بنُ عمروٍ فقالوا:امضِ لِمَا أَرَاكَ اللهُ فَنحنُ مَعَكَ,وهؤلاءِ كُلُّهم من المُهاجرينَ وهم قِلَّةٌ في الجيش.وصارَ بعضُ الناسُ كما وصفهمُ اللهُ: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أيضاً: (أشيروا عليَّ أيُّها النَّاسُ)وإنَّما يريدُ الأنصارَ,فقال سعدُ بنُ معاذٍ:والله لَكأنَّكَ تُريدُنا يا رسولَ الله,قال:أجل.فقالَ يارسُولَ اللهِ:أظعِنْ حيث شئتَ,وصِلْ حبلَ من شئتَ,واقطع حبلَ من شئتَ,وخُذ من أَموالِنا مَا شِئتَ,وأَعطِنا ما شِئتَ,وما أخذتَ منَّا كان أحبَّ إلينا ممَّا تركتَ,وما أمرتَ فيه من أمرٍ فأمرُنا تبعٌ لأمرِكَ,فوا لله لئن استعرضتَ بِنا البَحرَ فَخُضتَهُ لَخُضنَاهُ مَعَكَ.
الله أكبرُ عبادَ اللهِ:إنَّهُ الحُبُّ الحَقِيقيُّ,والولاءُ الصادِقُ,يومَ أن تُبْذَلَ الأنفسَ والأموالَ في سبيل دينِ اللهِ تعالى,حينَها قالَ: (سِيروا وأبشِروا؛فإنَّ الله تعالى قد وَعَدني إحدى الطَّائفتَينِ, والله لكأنِّي أنظرُ إلى مَصَارعِ القَومِ) فَتحرَّك النبيُّ بأصحابِهِ فَنَزَلُوا بَدْرَاً,واستَكشَفَ الأمرَ بنفسِهِ،فعلِمَ عددَ القومِ,ومن خرجَ من أشرافِهم فقال لأصحابِهِ: (هذه مَكَّةُ قد أَلقَت إِليكُم أَفلاذَ كبِدِها) فَبَدأت بَشائِرُ النَّصرِ,بأنْ أنزلَ اللهُ مَطَراً,فكانَ على المُشركينَ وابِلاً شديدَاً منَعَهُم التَّحرُّكَ,وعلى المُسلِمِينَ طَلاًّ طهَّرهم به, إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ وأشارَ الحُبابُ بنُ المنذرِ أنْ يَأتوا أدنى مَاءِ القَومِ فَيـنزِلِوا فيهِ ويُغِّوروا ما وراءَه من القُلُب,فَيَشرَبُ المُسلِمونَ ولا يشربُ الكافِرونَ,وبَنوا عَريشًا لِلنَّبِيِّ لِيُشرفَ على مَيدانِ القِتَالِ بِنَفسِهِ,ثمَّ عبَّأَ رسولُ الله جيشَه,وصارَ يَمْشِى في مَوضع المَعرَكَةِ,ويُشِيرُ بِيدِهِ هذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ اللهُ,ثمَّ بات عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يُصلِّي إلى جذعِ شَجَرَةٍ,وبات المسلمونَ ليلَهم بهدوءٍ وسَكِينَةٍ,فلمَّا رآهم عُميرُ بنُ وهبٍ على ذلِكَ,رَجعَ إلى قومِهِ وقال: يا معشرَ قريشٍ قد رأيتُ البلايا تَحمِلُ المَنَايا,قومٌ لَيس مَعهم مَنَعَةٌ ولا مَلجَأٌ إلاَّ سُيُوفُهُم,والله ما أَرَى أنْ يُقتلَ رَجُلٌ منهم حتى يُقتلَ رَجُلاً مِنكُم,فإذا أَصَابُوا مِنكم أعدادَكُم فما خيرُ العيشِ بعد ذلك,فَرَوا رأيكم,فلم يَلتَفِتُوا إليه.ولمَّا طلعَ الصَّباحُ,وتَراءَى الجَمعَانِ قال رسولُ الله: (الَّلهم هذه قريشٌ قد أقبلت بخُيلائِها وفخرِها,تُحادُّكَ وتُكَذِّبُ رَسُولَـكَ,الَّلهم فَنَصرَكَ الذي وَعدتَّنِي) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبةُ الثانية:

الحمدُ للهِ القويِّ القهارِ،نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، يُقَلِّبُ الليلَ والنَّهارَ, ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه المصطفى المختارُ،اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه المهاجرينَ منهم والأنصارِ,ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم القرارِ.أمَّا بعد:فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ في الليلِ والنَّهارِ,والسِّرِّ والجِهَارِ.
عبادَ الله:سيرةُ المُصطفى مُلئت علمًا وإيمانًا،وصبراً وثباتاً,ثلاثةٌ وعشرونَ عاماً حَمَلَ فيها رِسالَةَ اللهِ وبَلَّغَ دينَهُ,وَنصحَ الأُمَّةَ وجاهدَ في الله حقَّ جهادِهِ,
أيُّها الصَّائِمونَ:وبعدما تَرَآى الجَيشَانِ يَومَ الفُرقَانِ,أَخَذَ النَّبِيُّ يُعدِّلُ الصُّفُوفَ فَضَرَبَ بَطْنَ سَوَادَ بنَ غُزَيَّةَ فَقَالَ:أَوجَعتَنِي يَا رَسُولَ اللهِ,فاجَعلنِي أَقتَصُّ مِنْكَ!تَصَوَّر فِي هذا المَوقِفِ العَصِيبِ,يَكشِفُ عن بَطْنِهِ ويَقُولُ: (استَقِدْ)خُذْ حَقَّكَ مِنِّي,فاعتَنَقَ رَسُولَ اللهِ وأَخَذَ يُقَبِّلُ بَطنَهُ,وهو يقولُ:أَردُّتُ أنْ يَكونَ آخرَ العَهدِ بِكَ،وأنْ يَمَسَّ جِلدِي جِلدَكَ!. ثُمَّ بَدَأت مُبارَزةُ الفُرسانِ,وَكَانَ أوَّلُ وَقُودِ القِتَال أنْ خَرَجَ مِن المُشرِكِينَ الأسودُ المَخزُومِي وقال:لأَشرَبَنَّ مِن حَوضِهم أو لأَهْدِمَنَّهُ,فَخَرَجَ إليه حَمزَةُ فَضَرَبَهُ ضَربَةً أَطَنَّ قَدَمَهُ بها,ثُمَّ ثَنَّى عليهِ بأخرى قد أَتَتْ عَليه.ثُمَّ خَرَجَ ثَلاثةٌ مِن فُرسَانِ قُريشٍ,وَنَادَوا:يَا مُحمَّدٍ,أَخْرِج إلينا أَكفَاءَنا من قَومِنا,فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: (قُم يا عُبيدَةُ بنِ الحَارِثِ,وَقُم يَا حَمزَةُ،وقُم يَا عَليُ), فأمَّا حَمزَةُ وعَليُ فلم يُمْهِلا الرَّجُلَينِ,وأمَّا عُبيدةُ فاختَلَفا بالضَّربِ،فَكَرَّ عليٌ وحمزةُ على عُتبَةَ فَقَتَلاه.فاشتعلَت نفوسُ المؤمنينَ حمَاساً,ونفوسُ المشركينَ حقداً!حينها أعطى رسولُ الله الأوامرَ فقالَ: (لا تَبدَؤوا القِتَالَ فَإذَا أكثَبُوكُم يعنى اقتربوا فارموهم،واستبقُوا نَبلَكم،ولا تَسلُّوا السُّيوفَ حتى يَغشَوكُم) أمَّا المُشركونَ فقد استَفتَحَ أبو جهلٍ فقال:اللَّهمَّ أيُّنا كان أحبَّ إليكَ وأرضَى عِندَك فانصُرهُ اليومَ،فَأنزلَ اللهُ: إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَهَجَمُوا على المسلمينَ,والمسلمونَ مُرَابِطُونَ في مَوَاقِعِهم ويَتَضَرَّعونَ إلى رَبِّهم,ويَتَلَقَّونَ هَجمَاتِهم, مُدَافِعينَ عن أنفُسِهم،ومع ذلكَ ألحقوا بالمشركينَ خسائِرَ فادِحَةً،حتى إذا احتَدَمَ القِتالُ،أخذَ رسولُ الله يُناشِدُ رَبَّهُ: (اللَّهم أَنجز لي ما وَعَدتَّنِي،اللهم إنِّي أنشُدُكَ عهْدَكَ وَوَعدَكَ) حتى سَقَطَ رِدَاؤُه عن مَنكِبَيهِ،فالتَزَمَهُ الصِّديقُ من ورائِهِ،وقالَ:يا رسولَ الله،كَفَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبَّكَ،فَإنَّهُ سَيُنجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ،فأنزلَ اللهُ قولَهُ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ أي رِدْفٌ لكم يُؤازِرُونَكم،حينها بَشَّر النَّبِيُّ أصحابهُ (أبشروا أتاكُم نَصرُ اللهِ،هذا جبريلُ آخذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقودُه،وعلى ثَنَاياهُ النَّقعُ)فَخرجَ رسولُ الله وقد لَبَسَ دِرعَهُ ويقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ثمَّ أخذ حَفْنَةً من الحَصْبَاء،فاستقبلَ بها قُريشاً وقالَ: (شاهت الوجوهُ) فأصابت كلَّ مُشركٍ فَأنزَلَ اللهُ: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى ثُمَّ أَمَرَ الجَيشَ بالهجومِ المُضادِ على المُشركينَ, وذلك حين خفَّت هَجَمَاتُهم وفَتُرَ حَمَاسُهم، وَقالَ: (شُدُّوا والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ،لا يُقاتِلُهم اليومَ رَجُلٌ فَيقتَلُ صَابِراً مُحتَسبِاً مُقبلاً غيرَ مُدبِرٍ،إلا أَدخَلَهُ اللهُ الجنَّةَ فَقومُوا إلى جنَّةٍ عَرضُها السَّمواتُ والأرضُ) ثُمَّ شَدَّوا على المشركين,وَجعَلُوا يُقلِّبونَ الصُّفوفَ،ويقطِّعونَ الأعناقَ,حتى قال عُمَيْرُ بنُ الحُمَامِ: بَخْ ٍبَخ لَئِن حَييتُ حتى آكُلَ تَمرَاتِي إنَّها لَحياةٌ طَويلةٌ! وانقطعَ سَيفُ عُكَّاشَةَ بنُ مِحْصَنٍ، فأتى رسولَ الله فأعطاه جِذْلًا من حَطَبٍ وهزَّهُ، وقال: (قَاتِل بهذا يا عُكَّاشةَ)فصار سَيفَاً طويلَ القَامَةِ،شَديدَ المَتنِ،أبيضَ الحدِيدَةِ،
أيُّها الصَّائِمونَ:أمَّا خَبرُ مَددِ المَلائِكَةِ فَعجبٌ عُجابٌ,فقد كان المُشركُ يَخرُّ أمامَهم مُستلقيَاً،قد خُطِمَ أنفُهُ وشُقَّ وجهُهُ,ولا يَرَونَ قاتِلَهُ!فقد نَزلَ جبريلُ عليهِ السَّلامُ بألفٍ من الملائِكَةِ عن مَيمَنةِ النبيِّ وفيها أبو بكرٍ، وَنَزلَ مِيكائِيلُ بألفٍ من الملائكةِ عن ميسرةِ النبيِّ وفيها عليٌّ, أمَّا المُشرِكونَ فلا تسألوا عن حالِهم, فقد تَخلَّى عنهم إبليسُ اللَّعينُ وقال: إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ فاضطربت صُفوفُهم,وتَفَرَّقت جموعُهم،وَركِبَ المسلمونَ ظُهورَهم يأسِرونَ ويقْتُلُون،حتى تمَّت عليهمُ الهزيمةُ! أمَّا طَاغِيَتُهم أبو جَهلٍ،فَهلكَ بِيدَي غُلامَينِ أَنصَارِيينِ,لقد انتهت المعركةُ بهزيمةٍ ساحقةٍ للمشركينَ،وبفتحٍ مُبينٍ للمسلمينَ,حتى وَقَفَ على القتلى فقالَ: (بئسَ العشيرةُ كنتم لنبيِّكُم) ثُمَّ سُحبوا إلى قُلُبِ بدرٍ.فَجعلَ يُنادِيهم بِأسمائِهم,(يا فلانَ بنَ فلانٍ،أيسُرُّكم أَنَّكم أَطعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ؟فإنَّا قد وَجدنَا ما وَعَدَنَا رَبُّنا حقًّا،فهل وجدُّتم ما وعدَ رَبُّكم حقًا؟)فَقال عمرُ:يا رسولَ الله،ما تُكلِّم من أجسادٍ لا أَرواحَ لها؟فقال : (والذي نفسُ محمدٍ بِيدِهِ،ما أَنتُم بِأَسمَعَ لمِا أقولُ منهم ولكن لا يُجِيبونَ)
أيُّها الصائمونَ:جاءت غزوةُ الفُرقانِ في رمضانَ،لِتؤكِّدَ أنَّهُ شهرُ البذلِ والتَّضحيةِ, وما مُجاهِدو سُوريا عنهم الآنَ بِبَعيدٍ!فقد ذاقوا مَرارةَ العَذَابِ والقِتالِ والحِصارِ وتَخاذُلَ إخوانِهم وخيانةَ قادَةِ العَرَبِ والمُسلمينَ,ومع ذلِكَ فهم صابِرونَ ومُصابِرونَ ومُرابِطونَ! وجدنا في غَزوةِ بَدرٍ أنَّ التَّقوى هو سبيلُ النَّصرِ وطريقُ الفلاحِ بلى إنْ تصبروا وتَتَّقوا وجدنا الحبَّ الصادقَ من أصحابِ محمدٍ لِمحمداً ! تبيَّن أنَّ النَّصرَ كلَّه بيدِ الله يؤتِيهِ مَنْ يَشاءُ,فالصَّحَابَةُ لم يُرِيدوا حربَاً ومع ذلك فقد أظفَرَهم اللهُ ونصرَهم لمَّا صَدَقُوا ما عاهدوا الله عليه,في غزوةِ بدرٍ درسٌ عمليٌ لمبدأِ الشُّورى فلم يكن سيِّدُنا يتردَّدُ في مَشورَةِ أصحابِهِ في جَلائِلِ الأمورِ ودَقَائِقِها,لا كما يفعَلُهُ مُجرمُو الحُروبِ وخَونَةُ العهودِ,بأنْ يَستَشِيرُوا شِرذِمَتَهُم في قَتْلِ أَصحَابِ الحقُوقِ المُطالِبينَ بالشَّرعِيَّةِ والعدالَةِ!علَّمَتنا غزوةُ بَدرٍ أنَّ الدُّعاءَ طريقٌ للنَّصرِ! إذْ تَستَغِيثُونَ ربَّكُم فاستَجَابَ لَكُمْ عباد الله:لقد جاءت غزوةُ بدرٍ لتؤكدَ أنَّ عزَّ الأمةِ في جِهَادِها،وأنَّ الذَّلةَ والهَوَانَ في تَخَلُّفها ورُكُونِها وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ فاللهم إنا نسألك علما نافعا وعملا صالحا متقبلا. اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا.اللهم ارزقنا حبَّ نبيك ظاهرا وباطنا.اللهم اجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الكريم واجعلنا من عتقائك من النار يارب العالمين.اللهم انصر إخواننا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ.واحقن دماءَ إخوانِنا في مصرَ.اللهم أصلح الرُّعاةَ والرَّعيَّةَ واجعل ولايتنا فيمن خافكَ واتَّقاكَ اللهم هيئ لهم بطانةً صالِحةً ناصِحَةً ياربَّ العالمينَ. رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .


بواسطة : admincp
 0  0  5.8K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 04:19 صباحًا الخميس 1 ذو القعدة 1445 / 9 مايو 2024.