• ×

09:09 مساءً , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 02-10-1434هـ بعنوان ما أَعظَمَكَ يَا رَمَضَانُ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمد لله ذي المنِّ والعطاءِ،نحمدُه على الإحسان والنَّعماءِ،نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ,شرَّفَنَا بالإسلامِ،وَتَابَع علينا الإنعَامَ،تَفَضَّل على التَّائبينَ والصَّائِمينَ بالعفو والغفرانِ, ونشهدُ أنَّ نبينَا محمداً عبدُ الله ورسوله,إمامُ الحُنَفَاءِ،وسيِّدُ الأَصفِيَاءِ،صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله الأتقياء، وأصحابِهِ الأوفياءِ، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ ما دامتِ الأرضُ والسماءُ،أمَّا بعد:فاتَّقوا الله يا مسلمونَ،فالتَّقوى أكرمُ ما أسررتم وأَبَهى ما أَظْهَرتُم. وهي أربَحُ بِضاعَةٍ،فاستقيموا على الخيرِ والطَّاعةِ,إلى أنْ تَقومَ السَّاعةُ.هنيئًا لِمَنْ وُفِّق للصِّيامِ والقِيامِ،هَنِيئًا للصَّائِمينَ،هنيئًا للتَّائبينَ,هَنِيئاً لَنا جميعا بِقولِ نبيِّنا: «من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّمَ من ذَنبِّهِ».وقُلُوبُنا بينَ خَوفٍ وَرَجَاءٍ،وألسِنتُنا تَلْهَجُ بالدُّعاءِ أن يتقبَّلَ اللهُ منَّا, وإنَّما يتقبلُ اللهُ من المُتَقينَ.
أيُّها المؤمنونَ:يَمتَازُ دِينُنا أنَّهُ دَائِمُ الصِّلَةِ باللهِ تعالى,لا يَنفكُّ المُسلِمُ عن ربِّهِ بِمُجَرَّدِ ذَهَابِ شَعِيرةٍ أدَّاها،بل يَظَلُّ الإسلامُ مُلازماً لكَ في كلِّ أوقاتِكَ وأحوالِكَ،في بيتِكَ وسُوقِكَ وعمَلِكَ،وفي شعبانَ ورمضانَ وشوالَ وفي كلِّ زمانٍ. قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. بينما لو تأمَّلتَ الدِّياناتِ الأخرى لوجدتَ أنَّ شَعَائِرَهم مُجرَّد طُقُوسٍ جوفاءَ!لا تَعْدُو أنْ تكونَ مُجرَّد إشباعٍ زَائِفٍ،لا تَصِلُ العَبْدَ بِخَالِقِهِا،ولا تُوجِدُ لهُ سَعَادَةً ولا طُمأنِينَةً! فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ فالصلواتُ المفْرُوضَةُ هي الصِّلةُ بينَ العبدِ وربِّهِ كُلَّ يومٍ ولَيلَةٍ،وقُلْ مثلَ ذَلِكَ في سَائِرِ العِبَادَاتِ!بل لم يَقِفِ الارتباطُ بالخالقِ بالفَرَائِضِ فحسبُ؛حتى النَّوافِلَ واللهُ في الحديثِ القدسيِّ يقولُ:«وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ». فأيُّ ارتباطٍ أعظمُ من ذلكَ بينَ مَخلُوقٍ ضَعيفٍ وخالِقِهِ العظيمِ؟!فاللهُ تعالى يحفظُ عليك سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ وَيَدَكَ وَرِجلَكَ عن الحرامِ ويُعطِيَكَ سُؤْلَكَ ويُعِذَكَ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ !
أيُّها المسلمون َ:لقد شَرَعَ لنا رَبُّنا أَعمَالاً بَقِيَّةَ العَامِ تُمَاثِلُ الصِّيامَ والقِيامَ؛:«فَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ».وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».فَمثلُ هذهِ الفَضَائِلَ تَداعُ المُسلِمَ على الجِدِّ والاستمرارِ في العملِ,ولهذا كانَ من تَوجِيهَاتِ نبيِّنا أنْ قال:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ».حتى كَرِهَ أهلُ العلمِ أن ينقَطِعُ العبدُ عن العملِ الصَّالِحِ الذي اعتادهُ؛استنباطاً من ذَلِكَ,ومن حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حين قَالَ لهُ رَسُولُ اللَّهِ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ ».!
ولا شَكَّ أنَّ الدَّوامَ على العملِ الصَّالِحِ سِرٌّ من أَسرَارِ العُبُودِيَّةِ للهِ,وفيهِ عَدَمُ مِنَّةٍ بِالعمَلِ,وأنَّ المِنَّةَ للهِ تعالى أنْ وفَّقَكَ وشَرَّفكَ بِعِبَادَتِهِ!
فيا مَن صُمتم وأحسنتُم:لازِمُوا ما اعتَدُّتم عليهِ من الخيرِ في رَمَضَانُ ولا تَنْقَطِعُوا عنه،وَخُذُوا مِن العَمَل مَا تُطِيقُون واثبتوا عليه ولو كان قَليلاً؛ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ. فالقليلُ الدَّائِمُ يَنْمُو ويزكو، والكثيرُ الشَّاقُّ يَنْقَطِعُ ولا يَدُومُ,وفي الحديثِ أنَّ رسولَ اللهِ قالَ:«إنَّ الْمُنْبَتَّ لا أَرْضَاً قَطَعَ ولا ظَهْرَاً أَبْقَى».وَقَالَ قَتَادَةُ رَحمَهُ اللهُ: ( من استطاعَ منكم ألاَّ يُبطِلَ عَمَلاً صَالِحَاً عَمِلَهُ بِعَمَلٍ سَيءٍ فَلْيفْعَلْ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ؛فإنَّ الخَيرَ يَنْسَخُ الشَّرَّ،وإنَّ الشَّرَ يَنْسَخُ الخَيرَ،وإنَّ مِلاكَ الأَعمَالِ خَوَاتِيمُها،)
بارك الله لنا في القرآنِ والسُّنَّةِ،ونفعنا بما فيهما من البَيِّنَاتِ والحكمة، أقولُ ما سمعتم وأستغفرُ اللهَ فاستغفروه إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله الكريمِ المنَّانِ،نشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك لهُ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ. ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا وسَيِّدَنَا مُحمْدَاً عبدُ اللهِ ورسولُه،صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ما تعاقَبَ الزَّمانُ .أمَّا بَعدُ:فعليكم بتقوى اللهِ سبحانه، ولزومِ طاعتِه في المَنشَطِ والمَكْرَهِ،والغَضَبِ والرِّضَا،والخَلْوةِ والجَلْوَةِ،ومنْ يَتِّقِ اللهَ يجعلْ له من أمرِهِ يُسرًاْ. أبشروا يا مَنْ صُمتُم وقَرَأتُم وَتَصَدَّقتم فلِعملِكم الصَّالحْ جَزَاءٌ في الدُّنيا وثوابٌ في الآخرةِ،قال تعالى :مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً. ففي ظلِّ طاعتِكم لله تُخبِتُ قُلُوبُكم وتنشرحُ صُدورُ َلمولاكم وَيَحِلُّ بكم الأُنْسُ والاطمِئنانُ. أَبْشِروا:فَثَوابُ طَاعَتكمِ ثَبَاتٌ في الدُّنيا عن مُضِلاَّتِ الفِتَنِ,وفي الآخِرَةِ خَتْمٌ على الإسلام! يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ . أَبشِروا فَجَزاءُ عَمَلِكُم الصَّالِحُ مودَّةٌ في قُلُوبِ المُؤمِنِينَ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا.قال الشَّيخُ السَّعدِيُّ:وهذا مِن نِعمَةِ اللهِ على عباده،الذين جَمَعوا بينَ الإِيمَانِ والعَمَلِ الصّالِحِ،أنْ وَعدَهم مَحبَّةً ووِدَاداً في قُلوبِ أَوليائِه، وأهلِ السَّماءِ والأَرضِ،وإذا كانَ لَهم في القُلوبِ وُدٌّ تَيَسَّرَتْ لهم أمورُهم وحصلَ لهم من الخيراتِ ما حَصَلَ".انتهى .
وكلكم يعلمُ يا رعاكم: أنَّ اللهَ إذا أَحَبَّ عَبْدَا وَضَعَ لَهُ القَبُول ُفي الأَرضِ. أبشروا يا صائمونَ:فجزاءُ عَمَلِكُم الصَّالِحِ تَفريجُ كُرُوبِكم وَتَيسِيرُ أُمُورِكم والرِّزقُ الواسعُ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ. وفي الآخِرَةِ جَنَّةُ الخُلدِ ومُلْكٍ لا يَبْلَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ. عباد اللهِ:لا قيمة لِطَاعةٍ دُونَ أن يكونَ لها أثرٌ مِنْ خَشيَةٍ أو تَقْوى!وما شُرعَ الصِّيامُ إلاَّ لِتَحقِيقِ التَّقوى! فَأينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا هُجرَ القُرآنُ،وضُيِّعَتِ الصَّلاةُ وانتُهكت المُحَرَّمَاتُ؟!
أَينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا أُكِلَ الرِّبَا،وأُخِذَت أَموالُ النَّاسِ بِالبَاطِلِ؟!وتَحَايَلَ المُسلِم في بَيعِهِ وشرائِهِ، وَكَذَبَ في لَيلِهِ وَنَهَارِهِ؟ أَينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا عَقَّ الولَدُ والِدَيهِ,وأَسَاءَ الزَّوجُ لِزَوجَتِهِ وأَولاَدِهِ؟! هَل مِن شُكرِ اللهِ وإِتمَامِ الصِّيَامِ أنْ يُختمَ رَمَضَانُ بِرَقَصَاتِ شَعبِيَّةٍ وطَبلٍ ومِزمَارٍ؟! فَيَا أَهْلَ الطَّاعَةِ والصِّيامِ:اللهُ تعالى لا يُرِيدُ منَّا عِبَادَاتٍ جَوفاءَ,وجُهداً ومَشَقَّةً وعَنَتاً،بَلْ طَلَبَ مِن وراءِ ذلكَ خَشْيَةً وتَقْوى واللهُ تعالى يقُولُ: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
أَيُّها الصَّائِمُونَ:اختِمُوا شَهرَكُم بِكثَرَةِ الاستِغفَارِ,فَنِعمَ خِتَامُ الأَعمالِ الصَّالحةِ الاستغفَارُ, فَبِهِ نَطرُدُ الغَفْلَةَ والنِّسيانَ،وَنَمحو عنَّا شَوَائِبَ التَّقصِيرِ والغَفْلَةِ.الاستغفارُ يَدْفعُ عنَّا الكِبرَ والإعجابَ بِأعمَالِنا،ويورِثُنا الشُّعُورَ بالتَّقصِيرِ،قال ابنُ القيم رحمَهُ اللهُ:"الرِّضا بالطَّاعَةِ من رُعُونَاتِ النَّفسِ وَحَمَاقَتِهَا،وأربابُ العزائمِ والبَصَائِرِ أشدُّ ما يَكُونُونَ استغفَاراً عَقِبَ الطَّاعَاتِ، لِشُهُودِهم تَقصِيرَهُم فيها،وتركِهمُ القيامَ به للهِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلالِهِ وكِبْرِيائِهِ"انتهى كلامُهُ. فاللهم تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ,وتب علينا إنَّك أنت التَّوابُ الرحيمُ.اللهم اجعل مستقبلنا خيراً من ماضينا.اللهم إنَّا نسألكَ الثَّباتَ على الأمرِ والعزيمةَ على الرُّشدِ والغنيمةَ من كلِّ بِرٍ والسلامةَ َمن كلِّ إثم والفوزَ بالجنة والنجاةَ من النَّار.
اللهم ارزقنا الاستقامة على دِينِكَ اللهم وزدنا هدىً وصلاحاً وتوفيقَاً.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وجميعِ المُسلِمينَ ياربَّ العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ.
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.


بواسطة : admincp
 0  0  1.8K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:09 مساءً السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.