• ×

07:38 مساءً , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 16-10-1434هـ بعنوان الصِّدقُ مَنْجَاةٌ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ،المَلِكِ الحَقِّ المُبِينِ،أَمَرَ بِالصِّدقِ وَرَفَعَ الصَّادِقِينَ،نَحمدُ رَبِّي ونَشكُرُهُ على نِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ،يُحبُّ المُخلِصِينَ الصَّادِقِينَ,وَيكرَهُ المُنَافِقِينَ والمُرَائِينَ,ونَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ له القَوِيُّ المَتِينُ،ونَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا وإمامَنا مٌحمَّداً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ الصَّادِقُ البَرُّ الأًمِينُ، أَخُوكَ عِيسـى دَعَا مَيْتَاً فَقَامَ لَـهُ وأَنْتَ أَحيَيتَ أَجيَالاً مِنَ الرَّمَـمِ . صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ على النَّبِيِّ الأُسوَةِ مَا أَكمَلَهُ،علَّمَ الأُمَّةَ الصِّدقَ وقد كانَت في صَحراءِ الكَذِبِ هَائِمَةً،وأَرشَدَها إلى الحَقِّ وقد كانَت في ظُلُمَاتِ البَاطِلِ عَائِمَةً،وقَادَها إلى النُّورِ وقد كانت في دَيَاجِيرِ الزُّورِ قَائِمَةً أمَّا بعدُ:فإنَّ التَّقوى خَيرُ وَصِيَّةٍ،وأَكرَمُ سَجِيَّةٍ،: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ الصِّــدقُ يَعقِـُد فَـوقَ رَأْسِ حَلِيفِـِهِ بِالصِّــدْقِ تَـاجَـا . والصِّــدقُ يَقْــدَحُ زِنــْدَهُ فـِي كُـلِّ نَاحِيَـةٍ سِرَاجَـا عبادَ اللهِ:اعلَمُوا أَنَّ الصِّدقَ لَيسَ خَاصًّا بِالقَولِ كَمَا يَفهَمُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ،وَلَكِنَّهُ خُلُقٌ يَتَّسِعُ لِيَكُونَ عَمَلاً قَلبِيًّا يَتعلَّقُ بِالنِّيَّاتِ وَالمَقَاصِدِ،وَجَسَدِيًّا يَظهَرُ على الأَعضَاءِ وَالجَوَارِحِ،فَلا تَرَاهُ مُخَالِفًا لِلحَقِيقَةٍ في قَولِهِ،وَلا مُتَحَدِّثًا بما يَعلَمُ أَنَّ الوَاقِعَ خِلافُهُ،وَلا تَجِدُهُ مُخَالِفًا في عَمَلِهِ لِمَا يَقُولُ وَيَعتَقِدُ،وَلا قَائِلاً بما لا يَستَطِيعُ فِعلَهُ،ولا مادِحَاً أَحَدَاً بما ليسَ أهلَهُ,وَتَرَى الصَّادِقَ إِذَا حَصَّلَ عِلمًا عَمِلَ بِهِ وَاستَقَامَ عَلَيهِ،فالصِّدقُ ثَبَاتٌ واستِقَامَةٌ، قَالَ اللهُ سُبحَانَهُ وتعالى: لَيسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُم قِبَلَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهدِهِم إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ في البَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ ،
قال ابنُ كَثِيرٍ رحمه اللهُ: " أُولَئِكَ الذِينَ صَدَقُوا أَيْ: هَؤُلاءِ الذين اتَّصَفُوا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ هُمُ الذين صَدَقُوا في إِيمَانِهِم؛ لأَنهم حَقَّقُوا الإِيمَانَ القَلبيَّ بِالأَقوَالِ وَالأَفعَالِ ، فَهَؤُلاءِ هُمُ الذِينَ صَدَقُوا، وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ ؛ لأَنَّهُمُ اتَّقُوا المَحَارِمَ وَفَعَلُوا الطَّاعَاتِ". ولمَّا قَالَ سُبحَانَهُ: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ ،قال ابنُ القَيِّمِ رحمه اللهُ: "فَالفِتنَةُ قَسَّمَتِ النَّاسَ إِلى صَادِقٍ وَكَاذِبٍ وَمُؤمِنٍ وَمُنَافِقٍ وَطَيِّبٍ وَخَبِيثٍ،فَمَن صَبرَ عَلَيهَا كَانَت رَحمَةً في حَقِّهِ وَنجا بِصَبرِهِ مِن فِتنَةٍ أَعظَمَ مِنهَا،وَمَن لم يَصبرْ عَلَيهَا وَقَعَ في فِتنَةٍ أَشَدَّ مِنهَا". أَيُّهَا المُسلِمُونَ:مَا بَلَغَ مَن بَلَغَ مِن مُتَقَدِّمِي هَذِهِ الأُمَّةِ وَلا امتُدِحُوا وَلا فَازُوا وَأَفلَحُوا إِلاَّ بِصِدقِهِم مَعَ رَبِّهِم وَوَفَائِهِم بما عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ، مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً لِيَجزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدقِهِم وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَو يَتُوبَ عَلَيهِم إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ،وَلَمَّا ادَّعَى قَومٌ الإِيمانَ وَكَأَنَّهُم يَمُنُّونَ على اللهِ رَبِّهم! قال تعالى: إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم في سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ، وَأَمَّا المُنَافِقُونَ:فَإِنَّهُم مَا خُذِلُوا وَلا خَسِرُوا وَلا خَابُوا بِمِثلِ تَقَلُّبِهِم وَتَلَوُّنِهِم وَكَذِبِهِم عَلَى رَبِّهِم وَعَدَمِ صِدقِهِم في عُهُودِهِم وفي أقوَالِهم وأفعَالِهم ونِيَّاتِهم،
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّهُ لا نجاةَ في يَومِ الدِّينِ, ولا تَوفِيقَ في الدُّنيا إِلاَّ لِلصَّادِقِينَ، وَالَّذِي جَاء بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ .أَخرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَن طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رضي اللهُ عنه قال:جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ مِن أَهلِ نَجدٍ ثَائِرَ الرَّأسِ يُسمَعُ دَوَيُّ صَوتِهِ وَلا يُفقَهُ مَا يَقُولُ، حتى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسأَلُ عَنِ الإِسلامِ،فقالَ رَسُولُ اللهِ: (خَمْسُ صَلَواتٍ في اليَومِ وَاللَّيلَةِ, وَصِيَامُ رَمَضَانَ, والزَّكَاةُ)فقال:هَل عَلَيَّ غَيرُهَا؟ قال: (لا إِلاَّ أَن تَطوعَ) فَأَدبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنقُصُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: (أَفلَحَ إِن صَدَقَ)، بَل إِنَّ الصَّادِقَ مَعَ اللهِ لا يُخَيِّبُهُ اللهُ فِيمَا رَجَاهُ، فَقَد قَالَ: (مَن سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ مِن قَلبِهِ صَادِقًا بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِن مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ).أَمَّا كَلِمَةُ التَّوحِيدِ فَإِنَّ لها مَعَ الصِّدقِ شَأنًا عَظِيمًا،قالَ: ( مَن مَاتَ وَهُوَ يَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ محمدًا رَسُولُ اللهِ صَادِقًا مِن قَلبِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ). وَالمُؤمِنُ لا بُدَّ أَن يَقَعَ في الذُّنُوبِ،وَلَكِنَّهُ متى صَدَقَ في التَّوبَةِ وَاستَغفَرَ رَبَّهُ لم يَكُنْ جَزَاءٌ لَهُ إلاَّ الجَنَّةُ،قال عليه الصلاةُ والسلامُ: (سَيِّدُ الاستِغفَارِ أَن تَقُولَ:اللَّهُمَّ أَنتَ رَبي لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ، خَلَقتَني وَأَنا عَبدُكَ،وَأَنَا عَلَى عَهدِكَ وَوَعدِكَ مَا استَطَعتُ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا صَنَعتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنبي، فَاغفِرْ لي فَإِنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنتَ,مَن قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بها فَمَاتَ مِن يَومِهِ قَبلَ أَن يُمسِيَ فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ،وَمَن قَالَهَا مِنَ اللَّيلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبلَ أَن يُصبِحَ فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ).صًدًقْتَ أيُّها النَّاصِحُ الأمينُ حينَ قُلتَ: (عَلَيكُم بِالصِّدقِ؛فَإِنَّ الصِّدقَ يَهدِي إِلى البِرِّ،وَإِنَّ البِرَّ يَهدِي إِلى الجَنَّةِ،وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدقَ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقًا). قال ابنُ القَيِّمِ رحمه اللهُ: "فَكُلُّ عَمَلٍ صالحٍ ظاهرٍ أو بَاطِنٍ فَمَنشَؤُهُ الصِّدقُ،وَكُلُّ عَمَلٍ فَاسِدٍ ظَاهِرٍ أو بَاطِنٍ فَمَنشَؤُهُ الكَذِبُ،وَاللهُ تعالى يُعَاقِبُ الكَذَّابَ بِأَن يُقعِدَهُ وَيثَبِّطَهُ عَن مَصَالحِهِ وَمَنَافِعِهِ،وَيُثِيبُ الصَّادِقَ بِأَن يُوَفِّقَهُ لِلقِيَامِ بمصالحِ دُنيَاهُ وَآخِرَتِهِ،فَمَا استُجلِبَت مَصَالحُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ بِمِثلِ الصِّدقِ،وَلا مَفَاسِدُهما وَمَضَارُّهما بِمِثلِ الكَذِبِ.ألا فاتَّقُوا اللهَ يامؤمِنُونَ:واجعَلوا الصِّدقَ لَكُم شِعَارَاً ودِثَارَا،والتَزِمُوا بِهِ إعلانًا وإِسرارًا؛ يجعَلِ اللهُ التَّقوى في قُلُوبِكم والتَّوفِيقَ والنُّورَ في دُرُوبِكُم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ فاللهم اجعلنا من المُتَّقينَ الصَّادِقينَ ياربَّ العالَمينَ.بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرَآنِ العَظِيمِ،وَنَفَعَنا بِهَدي سَيِّدِ المُرسَلِينَ.وأَستَغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم ولِسائِرِ المُسلِمينَ فاستَغفِرُوهُ إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ،وَعَدَ الصَّادِقِينَ بِالمَغفِرَةِ والأَجرِ الكَرِيمِ،نَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ المَلِكُ الحقُّ المُبينُ،ونشهدُ أنَّ نبيَّنا وإِمَامَنا الصَّادِقُ البَرُّ الأَمِينُ،اللهمَّ صلِّ وسَلِّم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أَجمَعِينَ.أمَّا بعدُ فاتَّقوا اللهَ يا مُسلِمونَ وكُونُوا معَ الصَّادِقِينَ، ثمَّ اعلموا أنَ من أجلِّ النِّعَمِ على العبدِ،أن يُحبِّبَ اللهُ الصِّـــــدقَ إليه،فلا تَرتَاحُ نَفْسُهُ إلا به،ولا يَهــدَأُ ضَمِيرُهُ إلا إليهِ! فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ صِدقُ الِّلسَاِنِ أوَّلُ السَّعَادَةِ،وما مِن شَيءٍ أذهَبَ لِلمُرُوءَةِ من الكَذِبِ،حتى في الأُمُورِ الدُّنيَويَّةِ فَإِنَّهُ لا يَستَقِيمُ حَالُهَا إِلاَّ لِمَن صَدَقَ، قال: (البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا،فَإِن صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لهما في بَيعِهِمَا،وَإِن كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَت بَرَكَةُ بَيعِهِمَا)،وقَد وجَّهَ الصَّادِقُ الأمينُ نِداءً لِلتُّجارِ والبَاعَةِ والمُشتَرِينَ بِوجوبِ الصِّدقِ والحَذَرِ من الكَذِبِ بشتَّى صُوَرِهِ وأنواعِهِ,ففي صحيح ابنِ حِبَّانَ وغَيرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ،خَرَجَ إِلَى الْبَقِيعِ وَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ،فَنَادَى:يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ،فَاسْتَجَابُوا لَهُ،وَرَفَعُوا إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ،وَقَالَ : (إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،فُجَّارًا إِلاَّ مَنِ اتَّقَى،وَبَرَّ،وَصَدَقَ).وفي صحيح مُسلِمٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ قالَ:«مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى».بَل إِنَّهُ مَا في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ مِن خَيرٍ وَبِرٍّ إِلاَّ وَمَنشَؤُهُ الصِّدقُ,وَلا مِن شَرٍّ وَلا فُجُورٍ إِلاَّ وَبِدَايَتُهُ كَذِبٌ وَفُجُورٌ،ولم تُؤتَ الأُمَّةُ في مَاضٍ وَلا حَاضِرٍ إِلاَّ مِن عَدَمِ صِدقِهَا مَعَ رَبِّهَا،وعَدَمِ صِدقِها في تَدَيُّنِها,وفي أخبارِها!فَقَد كَثُرَ في هَذِهِ الأَزمِنَةِ الدَّجَّالُونَ وَالأَفَّاكُونَ،وَوُجِدَ فِيهَا المُتَكَلِّمُونَ المُتَفيهِقُونَ،والنَّفعِيُّونَ الذينَ يَقُولُونَ ما لا يعتَقِدونَ,ويَكتُبُونَ ما لا يُبطِنِونَ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ لا سِيَّمَا بعضُ الصَّحَفِيِّينَ وَالإِعلامِيِّينَ،وبعضُ أصحابِ المَنَاصِبِ المُتَنَفِّذِينَ!فَيُدخِلُونَ أَنفُسَهُم فِيمَا لا يُحسِنُونَ،وَيُنَصِّبُونَ أَنفُسَهُم لِلتَّحكِيمِ في شُؤُونِ الأُمَّةِ وَأُمُورِ المُسلِمِينَ، وَصَدَقَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ حَيثُ قال: (إِنَّ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ،وَيُؤتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ،وَيَنطِقُ فِيهَا الرُّوَيبِضَةُ))قِيلَ:وَمَا الرُّوَيبِضَةُ؟ قال: (المَرءُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ في أَمرِ العَامَّةِ). وَإِنَّ المُتَابِعَ لِمَا يُكتَبُ اليَومَ وما يُذاعُ لَيَرى انطِبَاقِ هَذَا الحَدِيثِ عَلَى ذالِكَ رأي العَينِ،فَكَم مِن صَادِقٍ كَذَّبُوهُ وَظَلَمُوهُ!وَكَم مِن كَاذِبٍ صَدَّقُوهُ وَأَظهَرُوهُ!وَكَم مِن حَقَائِقَ قَلَبُوهَا وَغَيَّرُوهَا! وَكم من صَغَائِرَ كَبَّرُوهَا وَضَخَّمُوهَا!إذاعاتٌ وَقَنواتٌ,وحِواراتٌ ونَدَواتٌ,وأخبارٌ وتَقَاريرُ,قَلَّبوا فيها الأُمورَ, ودَلَّسوا فيها على النَّاسِ!حتى عُرِفُوا أن تَكذِبَ أكثَرَ تَنتَشِرُ أكثَرَ,وإكذِبْ اكذِبْ حتى يُصّدِّقَكَ النَّاسُ,أَلا فَاتَّقُوا اللهَ يا مُسلِمُونَ،وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ،اُصدُقُوا اللهَ يَصدُقْكُم، اُصدُقُوا مَعَ أَنفُسِكُم وَإِخوَانِكُم،اُصدُقُوا في بَيعِكُم وَشِرَائِكُم وَمُعَامَلاتِكُم،اُصدُقُوا في أَخذِكُم شَرَائِعَ دِينِكُم،لا تُكُونُوا ممَّن يُؤمِنُ بِبَعضِ الكِتَابِ وَيَكفُرُ بِبَعضٍ, بَل خُذُوا مَا أُوتِيتُم بِقَوَّةٍ وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ، عُوِّدْ لِسَـانَكَ قَوْلَ الصِّدْقِ تَحْظَ بِهِ إِنَّ اللِّسَانَ لِمَـا عَـوَّدْتَ مُعْتَادُ فَمَا أَجْدَرَنا جَمِيعَاً مِن تُجَّارٍ وَعُمَّالٍ وَمُوَظَّفِينَ وإعلامِيِّينَ ومُعَلِّمينَ ومُتَعَلِّمِينَ أنْ نَتَحَلَّى بِالصِّدقِ في جَمِيعِ شُئونِنا،لِتَعُودَ الثِّقَةُ إلى نُفُوسِنا,ولِنَعِيشَ بِأَمْنِ وحُبٍّ وسَعَادَةٍ في حَياتِنا! ولِيَنشأَ جِيلٌ يَتَربَّى على الكَرامَةِ والعِفَّةِ,والأَمَانَةِ والجُرأةِ بِحقِّ،بَعِيدا عن حياةِ النِّفاقِ والمَذَلَّةِ والمهانَةِ,بِهذا يَنتَشِرُ الصِّدقُ فِي المُجتَمَعِ,وَيُنبَذُ الكذَّابُونَ,وتَطهُرُ وَسَائِلُ النَّشرِ العَامَّةِ,وَتَنْقَى مَصَادِرُ التَّلَقِّي المُختَلِفَةُ,فَإنَّهُ مِن السيِّئِ أنْ يَعتَادَ النَّاسُ الكَذِبَ,وألا يَسمَعَ المسئولُ إلاَّ كَذِباً,فكما أنَّ دَورَنَا مُحارَبَةُ الفَسادِ المَاليِّ فَنَحنُ مُطالَبونَ شَرْعاً بِمُحارَبَةِ النِّفاقِ الإعتقاديِّ والعَمَليِّ, فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ الثَّبَاتَ في الأَمرِ وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرَّشدِ،وَنَسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمتِكَ وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِكَ،وَنَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ وَحُسنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسأَلُكَ قُلُوبًا سَلِيمَةً وَأَلسِنَةً صَادِقَةً،اللَّهُمَّ اجعَلنا من الصَّادِقِينَ في اعتقادِهم وأقوالِهم وأعمالِهم,اللَّهُمَّ اجعَلنا مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا,اللَّهُمَّ واعصِمْنَا من الكَذِبِ والزَّلَلِ,اللهم وأصلِح أحوال المُسلِمينَ في كُلِّ مكانٍ وهيئ لهم قادَةً صالِحينَ مُصلِحينَ,عبادَ اللهِ اذكروا الله يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم وأقم الصلاةَ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
بواسطة : admincp
 0  0  4.8K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 07:38 مساءً السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.