• ×

08:01 مساءً , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 23-10-1434هـ بعنوان يا أهل العلمِ والتَّعليم

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ للهِ اتَّصفَ بالعلمِ والحِلمِ,أحاطَ علمُهُ بالكائِنَاتِ وأَنَارَ بِفضلِهِ العقولَ بِمُحكمِ الآياتِ وَفَتَقَ أَذهانَ البَشَرِ بشتى العلوم على مرِّ العُصور الماضيات.
سبحَاَنكَ الَّلهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمتَ بالقَلَمِ القُرُونَ الأُولى
أخرجتَ هذا العقلَ من ظُلُمَاتِهِ وَهدَيتَهُ النُّورَ المُبينَ سبِيلاً
نشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له،رفعَ أهلَ العلم فكانوا قِمَمًا,ونشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه,بُعِثَ بالعلمِ والأَخلاقِ للنَّاسِ عَرَبًا وعَجمًا،صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه الذين بذَلوا للدِّينِ مُهجًا وهِممًا،والتابعينَ لهم بإحسانٍ وإيمانٍ أبداً أمَّا بعدُ:فالسَّعيدُ من اتقى اللهَ،وأَخَذَ من دُنياهُ لأُخَراهُ, : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
أيُّها المُسلِمونَ:لا يَزَالُ هَمُّ المُصلِحينَ الأوَّلُ هو هَمُّ التَّربيةِ والتَّعلِيمِ ! إذْ هو وَظِيفَةُ الأَنبِياءِ والمرسَلِينَ،ومِعيَارُ حَضَارَةِ الشُّعوبِ والدُّوَلِ أجمعينَ,وأوَّلُ ما نَزلَ على رسولِنا الكريم : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَأَوَّلُ ما صَدَرَ لِلبَشرِيَّةِ هو التَّعليمُ: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَأوَّلُ مُعلِّمٍ في هذهِ الأُمَّةِ هو مُحمَّدٌ وَأوَّلُ مَدرَسَةٍ في الإِسلامِ في دارِ الأَرقَمِ بنِ أبي الأرقَمِ أسفَلَ جبلِ الصَّفا ومن تِلكَ المَدرَسَةِ صاغَ رَسُولُ اللهِ صًحَابَتَهُ الكرامَ وربَّاهم على الإيمانِ والتَّقوى,
أيُّها الكرامُ:وبعدَ غدٍ بإذنِ اللهِ تنطلقُ مسيرةُ العلمِ والتَّعليمِ في أرجاءِ بِلادِنا الغالِيَةِ،وَيَبرُقُ فَجرٌ جَديدٌ بَهيجٌ بإذِنِ الله،فَنَسأَلُ المولى أن يجعلَه عاماً دِراسِيَّاً مُباركاً،مَلِيئاً بالعلمِ والعَمَلِ والهدى والتُّقى,
عبادَ اللهِ:وَأَنفعُ الوَصَايَا وأجمعُها أنِ استقبِلُوا دِراسَتَكُمْ بفألٍ حَسَنٍ,ونَظْرَةٍ مُشرقَةٍ فقد كَانَ رَسُولُنا يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ في شَأنِهِ كُلِّهِ,ويَكرَهُ التَّشاؤمَ,ويَستَعِيذُ باللهِ من العجزِ والكَسَلِ,
فَرِسالَتُنا الأُولى:لأُمَنَاءِ التَّربيةِ والتَّعلِيمِ،لِمَشَاعِلِ النُّورِ والرَّحْمَةِ والهِدَايَةِ,نعم أنتم أيُّها المعلِّمونَ الأفاضِلُ،يامن تَشَرَّفتُم بِأعظَمِ مَهمَّةِ وأشرفِ رسالةٍ!هاهم أبناءُ المسلمينَ مُقبلونَ عليكم ينتَظِرُونَ منكم عُلوماً نافعةً،ووصاياً جامعةً،فخذوا بِمَجَامِعِ قُلُوبِهم،ودُلُّوها على مَحَبَّةِ اللهِ ومَرْضَاتِهِ،واغرِسُوا فيها الإيمانَ والإحسانَ: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَأَخلِصُوا للهِ في القولِ والعملِ, فما كانَ للهِ دامَ، وما كان لغيرِ الله انقطعَ.
أيُّها المعلمونَ الأفاضلَ:كُلٌّ مِنَّا ساعٍ إلى مصدرِ رِزْقِهِ وعمَلِهِ،فإمَّا أنْ يَخرُجَ بِنِيَّةٍ صالِحةٍ تَعودُ عليهِ بالأجرِ والثَّواب،وإمِّا أن يرجعَ بِنَصَبِ الدُّنيا وحِرمَانِ الآخِرةِ,والنِّيةُ الصالحةُ تعينُ العاملَ على ضبطِ سُلُوكِهِ,وإتقانِ عملِهِ وحفظِ أمانتِه.ثًمَّ اعلموا أنَّ رسالةَ التَّعليم إتِّساءٌ واقتداءٌ, بِأَشْرَفِ الرُّسلِ والأنبياءِ،فقد كان حَلِيمَاً رَحِيمَاً رَفِيقاً شَفِيقَاً،فييسِّروا ولا تعسِّروا،وبشِّروا ولا تنفروا,ولْتَكُنْ طلْقَ الوَجْهِ دائمَ البِشْرِ،فإنَّ رَسُولَنا ما لَقِيَ أحَداً إلا تبسَّم في وجهِهِ . أيُّها المعلمونَ الأفاضلَ:أبناؤنا أمانةٌ في أعناقِكم،فاقْدُرُوا لِلكَلِمَةِ قَدْرَها،وزِنُوا لِلحرَكَةِ وزنَها فطلابُنا يَعقِلُون بِأَعيُنِهم أكثرَ من آذانِهم،واللهُ تعالى يُحَذِّرُ ويقولُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ .يا رجالَ التَّربِيَةِ والتَّعلِيمِ، مَنَاهِجُنا سَتَظَلُّ حِبْرًا على وَرَقٍ ما لم نُترجمْها بِسُلُوكِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا،فينشأُ الطَّالبُ على الصَّدقِ إذا لَمْ تَقَعْ عينُهُ مِنَّا على غشٍ أو تَسمَعَ أذنُه مِنَّا كَذِبًا،يتعلَّمُ الطَّالِبُ مِنَّا الرَّحْمَةَ إذا لَم يُعاملْ بِغلظَةٍ وقَسْوَةٍ,يَتَرَبَّى على الأمانةِ إذا قَطَعْنَا دَابِرَ الْخِيَانَةِ،قال ابنُ المباركِ رحمه الله: "نَحنُ إلى قليلٍ من الأدبِ أَحوَجُ مِنَّا إلى كثيرِ من العلم" يا حُمَاةَ التَّربِيَةِ والتَّعلِيمِ:بَعدَ غدٍ يَتَوَافَدُ عليكم طلابٌ مُتَبايِنُونَ فيهم الجاهلُ والْمَتَعلِّم,والسَّفيهُ والمتَّزن,فعامِلُوا كلاًّ بحسْبِهِ,واصبروا رحمكم اللهُ على تعليمِ الجاهلِ وتربيةِ السَّفِيهِ,فالْمُعَلِّمُ النَّاجحُ مَنْ يَتَوَاضَعُ لِطُلاَّبِهِ ويُحسِنُ إليهم،فلا يتكبَّرُ ولا يَحتَقِرُ,مُتَمَثِّلاً قولَ النَّبِيِّ الأعظَمِ: (إنَّ الله أوحى إليَّ أنْ تَوَاضَعُوا)
الْمُعَلِّمُ النَّاجِحُ هو الذي يكشفُ المواهبَ ويقَوِّي العزائِمَ،كما كان مع أصحابه،فقد قال لعبدِ الله بنِ مسعودٍ : (إنَّك شابٌ معلَّمٌ) فَوقَعت هذه الكَلِمَةُ في نفسِهِ مَوقِعَها,فصارَ من القرَّاءِ والفُقَهاءِ،وصَنَعَ مِن أُسامةَ ابنَ زيدٍ قائِدَاً مَيدَانِيَّاً على صِغَرِ سِنِّهِ! الْمُعَلِّمُ النَّاجِحُ حَسَنُ الأَلفَاظِ،دَقِيقُ المُلاحَظَةِ،إيْجَابِيٌّ في طَرْحِهِ،مُتجدِّدٌ في أسلوب عرضِه.الْمُعَلِّمُ النَّاجِحُ من يَصِلُ إلى قُلوبِ طُلاَّبِهِ وَيُقِيمُ معهم جُسُورَ الْمَحَبَّةِ والإخاءِ،طَيِّبُ الذِّكْرِ نَقِيُّ الفِكْرِ حَسَنُ القُدوَةِ.كفاكَ شَرفاً أيُّها الْمُعَلِّمُ أنَّكَ تَقِفُ مَقَامِ الرَّسُولِ الأعظمِ فقد بَعَثَهُ اللهُ للنَّاسِ: يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ بَعَثَهُ اللهُ لِيُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ومَكارِمَهَا ,فهنيئاً لك (فإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ )
. إنَّ المعلمَ في الوجودِ كنخلةٍ تؤتِي مع الثَّمرِ الرَّطِيبِ ظَلِيلاً
يكفيه فَخْرًا أنْ يقالَ: مُعلِّمٌ فَمُعلِّمُ الأجيـالِ كانَ رَسُولاً
أعانَ اللهُ الجميعَ على أداءِ الأمانةِ,وحقِّ الرِّعايَةِ,وجعلنا الله جميعاً مفاتيحَ خيرٍ ومَغَالِيقَ شَرٍّ. أقول قولي هذا،وأستغفِر اللهَ لي ولكم ، فاستغفروه إنِّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله الوليِّ الحميدِ،نشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له يهدي من يشاءُ ويحكمُ ما يريدُ،ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صاحبُ الخلقِ الكريمِ والأَدَبِ الحَمِيدِ اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه،وعلى آلهِ وأصحابِه ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المزيدِ. أمَّا بعدُ:أبنَائَنا الطُّلابَ:هاهي أيامُ العِلمِ أقبلت فَأَقْبِلُوا عليها بجدٍّ وإخلاصٍ.واعلموا أنَّ جهودًا كبيرةً عُمَلت من أجلِكم،فكونوا عند حُسْنِ الظَّنِ بكم,وتَذكَّروا قولَ رسولِ الله: (من سَلَكَ طريقاً يلتمسُ فيه علماً سهَّلَ اللهُ له به طريقاً إلى الجنةِ).
أبنائي الطُّلاب:المعلمونَ بمنزلةِ آبائِكم فلا تظنُّوا بِهم سُوءاً,ولا تنطِّقوا أمامَهم بِسُوءٍ أو تصرُّفٍ مَشِينٍ!تَحلَّوا بالصَّبِر الجميلِ،واحذروا الإهمالَ والكَسَلَ فلا يَنالُ العلمَ كسولٌ ولا عاجز,وقد كان النَّبيُّ يستعيذُ باللهِ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ,واحذروا رفقةَ السُّوءِ فالقَرِينُ بالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي,واحترموا العلمَ وكُتُبَهُ,وأتقِنُوا ما تَتَعلَّمون,وطبِّقوا ما تأخذون,فالأمَّةُ تنتظرُ منكم عُلماءَ يَنشُرُونَ الدِّينَ وأطباءَ ومُهندسينَ,وجنوداً مُخلصِينَ,كانَ الله في عونِكُم ووفَّقَكُم صِرَاطَه المستقيمَ .
معاشرَ الأولياءِ:نَحنُ شركاءُ المدرسة في رسالَتِها،وأكثرُ ما يُعاني منه الْمُرَبُّونَ قلةُ تَواصُلِنا مع المدرسة،فبعضُنا يظنُّ أنَّه بتوفير لوازمِ المدرسة وحاجِيَّاتِها قد انتهى دورُه وقامَ بواجِبِهِ دونَ مُتابعةٍ أو سُؤَالٍ.علينا معاشرَ الأولياءِ أنْ نَزْرَعَ قي قلوبِ أبنائِنا حُبَّ العلمِ والتَّعلُّمِ والمعلِّمينَ واحترامَهم, فالأدبُ مِفتاحُ العلمِ وأساسُ الطَّلبِ.
معاشرَ الأولياءِ:عظِّموا أمرَ الله في نفوسِ النَّاشِئَةِ، (مُروهم بالصَّلاةِ لِسَبعٍ، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في الْمَضَاجِعِ ). واحذروا الإسرافَ في شِراءِ الأدواتِ فاللهُ تعالى يقول: وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
أيُّها الكرامُ:لإخوانِنا المُحتاجِينَ حقٌّ علينا,فقد اشتدَّت عليهم ظُرُوفُ الْحَيَاةِ,وتكالبَت عليهم عِدَّةُ مُناسباتٍ يَشُقُّ معَهَا تَوفِيرُ مَا يحتاجهُ أبنَاؤُهم،فهل يَجِدُوا من الْمَدَارسِ والْمُحسنينَ أمثَالِكم رعايةً خاصَّةً وبطريقةٍ مُناسِبَةٍ؟فَجَزَى اللهُ كلَّ من ساهم وأعانَ.وكان الله في عونِ الجميع,وهدانا سواءَ السَّبيل, اللهمَّ أعنِّا على أداءِ الأمانةِ, اللهمَّ نعوذُ بك من السُّوءِ والمَكْرِ والخيانةِ .اللهم اجعل عامَنَا الدِّراسيَّ عامَ خيرٍ وهدىً ,وفلاحٍ وتُقى, ياربَّ العلمين .
اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ياربَّ العالمين.
اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنا لما تُحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى واجعلهم هداةً مهتدين غيرَ ضالين ولا مُضلين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ياربَّ العالمينَ.
اللهم وأعزَّ الإسلامَ والمسلمين في كلِّ مكانٍ كن لهم ناصِراً ومُعيناً.
اللهم وعليك بأعداء الدِّينِ,الذينَ يُفسِدونَ في الأرضِ ولا يُصلِحونَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم,
ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

بواسطة : admincp
 0  0  12.3K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 08:01 مساءً السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.