• ×

08:22 مساءً , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 30-10-1434هـ بعنوان مَنْ لِي بِكَعبِ بنِ الأَشرَفِ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ للهِ جَعَلَ الأَيامَ دُولاً بِعَدْلِهِ،وَجَعَلَ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ بِفَضلِهِ،القَائِل: وَتِلْكَ ٱلاَّيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ. نَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،شَهَادَةَ خَاضِعٍ لأَمْرِهِ.ونَشهدُ أنَّ نَبِيَّنا وَسَيِّدَنَا مُحمَّدا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ,أَمَرَنَا بإتِّبَاعِ سُنَّتِهِ والاهتِدَاءِ بِهَديِهِ، القَائِل: «فَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي،وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ،عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ». اللهمَّ صلِّ وسَلِّم وبارك عليهِ وعلى آلِهِ الطَّاهِرِينَ وَصَحَابَتِهِ الغُّرِّ المَيَامِينِ ومَنْ سَارَ على نَهجِهم إلى يومِ الدِّينِ.أمَّا بعدُ:عبادَ اللهِ:أُوصيكم ونَفْسِي بِتَقوى اللهِ العَظِيمِ وَطَاعَتِهِ,وأُحَذِّرُكُم وإيِّايَ مِن عِصيَانِهِ وَمُخَالَفَتِهِ،: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. معاشِرَ المُؤمِنينَ: في سيرةِ النَّبيِّ الأَعظَمِ خيرُ الدُّرُوسِ والعِبَرِ,وأَقوَمُ المَنَاهِجِ وأعدَلُها,كيفَ لا يكونُ كذلِكَ وإِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى,ونَبِيٌّ مَعصُومٌ وقد لاقى في زَمَنِهِ مَكْراً كُبَّارا وَكَيدَاً عظيماً وسُخريَةً واستِهزاءً وسبَّاً وشَتماً وأُناساً خَونَةً وَظَلَمَةً مُعتَدِينَ!فتَأَمَّلوا كَيفَ تَعَامَلَ بِأَبِي وأُمَّي وَنَفْسِي مَعَهُم رَسُولُنا ؟والقِصَّةُ التي سأورِدها لكم يا رعاكُمُ اللهُ تأمَّلوها جيدا وافتَحُوا قُلُوبَكم وأَفهَامَكُم واربِطُوها بِحاضِركم فهي من بابِ:"وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرُ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ". بعدَ غَزوَةِ بَدْرٍ الكُبرى وانتَصَارِ النَّبِيِّ وأصحَابِهِ على كُفَّارِ قُرَيشٍ ،حينَها تَبَعثَرَتْ أَورَاقُ اليَهودِ والمُنَافِقِينَ فِي المَدِينَةِ،وَحَصَلَتْ رَبْكَةٌ غَيرُ طَبِيعِيَّةٍ ولا مُتَوَقَّعَةٍ،إذْ كيفَ تَنتَصِرُ فِئَةٌ مُؤمِنَةٌ قَلِيلَةٌ على قُرَيشٍ العَظِيمَةِ المَهيبَةِ العَريقَةِ العَمِيقَةِ؟!فَبَدَأت جَلَسَاتٌ سِرِّيَةٌ وعَلَنِيَّةٌ،ومُبَاحَثَاتٌ عريضَةٌ حِيالَ هَذا الحَدَثِ الجَلَلِ،فَقد اجتَمَعَ مُعسكَرُ الكُفْرِ والمَكرِ بِأجنِحَتِهِ الثَّلاثَةِ اليَهودُ والمُنَافِقُونَ ومُشرِكُوا مَكَّةَ!وشَعَرُوا مُنذُ انتِصَارِ المُسلِمينَ،بِخُطُورَةِ هَذا الكَيَانِ الجَدِيدِ،وبَدأَت عَدَاواتٌ عَمَلَيِّةٌ لِلنَّبِيِّ وأصحَابِهِ ولِلمُسلِمِينَ في المَدِينَةِ النَّبَويَّةِ.وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ القائِلُ: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا. فكانَ من ضِمنِ اتِّفاقاتِ ومُخَطَّطاتِ مُعسكَرِ الكُفْرِ والمَكرِ العَمَلُ على الحَرْبِ الإعلامِيَّةِ!فانبَرَى شُعرَاءُ اليَهُودِ فِي هِجَاءِ المُسلِمِينَ والوَقِيعَةِ فِي أَعرَاضِهم،والشِّعرُ في السَّابِقِ أقوى سِلاحٍ إعلامِيٍّ لَديهم! وَلَم يَسلَمْ حتى رَسُولَ اللهِ مِن سَبِّهم وأذاهُم وقد تولى كِبرَ هذِهِ المَهَمَّةِ رَأْسُ اليَهُودِ رَجُلٌ يُدعى بِكَعبِ بِنِ الأَشرَفِ،مِن أشرافِ قَبِيلَةِ طَيئٍ,ولكِنَّ أُمَّهُ مِن يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ،وكانَ غَنِيَّاً مُترَفَاً مَعرُوفاً بِجَمَالِهِ ودَلالِهِ وكان من شُعَرَاءِ اليَهُودِ.هَذا اليَهُودِيُّ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ انتِصَارِ المُسلِمينَ انزَعَجَ وَقَالَ:واللهِ لَئِن كانَ مُحَمَّدٌ أَصابَ القَومَ لَبَطْنُ الأَرضِ خَيرٌ مِنْ ظَهْرِها. اللهُ أكبرُ:هكذا بنوا يَهودَ كٌلَّما تَمَكَّنَ أهلُ الإسلامِ انْغَاظُوا وانْزَعَجوا فَكَادُوا وَمَكَروا ! أتدرونَ عبادَ اللهِ ما فَعَلَ هذا اليَهُودِيُّ ؟!خَرَجَ بِنَفْسِهِ إلى أهلِ مَكَّةَ لِيُواسِيَهم وينْشُدُ الأَشعَارَ نِيَاحَةً على قَتلاهم,لِيُثِيرَ حَفَائِظَهم وَيُشعِلَ حِقدَهُم على النَّبِيِّ وأصحَابِهِ،وَيدْعُوهم إلى حَربِهم وعَدَمِ الاستِسلامِ لهم،حتى سَأَلَهُ أبو سُفيَانَ والمُشرِكُونَ:يا كَعبُ أَدِينُنَا خَيرٌ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ؟ وأَيُّنا أَهدَى سَبِيلا ؟ وكانَ كَعبٌ يَهُودِيَّاً وَيَعلَمُ الحَقَّ مِن البَاطِلِ،فَقَال أنتم تَصِلُونَ الأَرحَامَ وتَسقونَ المَاءَ،وتَفُكُّونَ الأَسِيرَ،وتَسقُونَ الحَجِيجَ,أَمَّا مُحَمَّدٌ فقد قَطَّعَ الأَرحَامَ واتَّبَعَهُ سُرَّاقُ الحَجِيجِ,فَأنزَلَ اللهُ قَولَهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. وسُبحانَ اللهِ العَظِيمِ ما أشبَهَ الليلَةَ بالبارِحَةِ,هكذا اليهودُ وأَذنَابُهم يُقَلِّبونَ الحَقَائِقَ ويُلصِقُونَ التُّهَمَ فَيَتَّبِعُهُمُ الأراذِلُ والسُّفهاءُ! ثُمَّ رَجَعَ كَعْبٌ إلى المَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وقد أثارَ الأعدَاءَ على مُحَمَّدٍ وأصحَابِهِ،مُغرِيَاً لَهم بِبَذلِ كُلِّ سُبُلِ التَّناصُرِ والتَّعاوُنِ,وَأَخَذَ يَنشُدُ أَشعَارَ الغَزَلِ بِنِسَاءِ الصَّحَابِةِ،وُيُؤذِيهم بِسَلاطَةِ لِسَانِهِ,
حتى وَصَلَ جَنَابَ المُصطفى وآذاهُ أَشَدَّ الإِيذَاءِ،وحينَ طَفَحَ الكَيلُ وتَعَاظَمَ الشَّرُّ قَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ».فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ,أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ:«نَعَمْ».قَالَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ فِيكَ شَيْئًا.قَالَ:«نَعَمْ قُلْ». وإِنَّمَا أَحَبَّ النَّبِيُّ ذَلِكَ لِأَمرَينِ:أَوَّلاُهُمَا:لأَنَّهُ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ.وَكُلُّ مُؤْذٍ لِلهِ وَرَسُولِهِ فالرَّسُولُ يُحِبُّ قَتْلَهُ.الثَّانِي:لأَنَّ كَعبَاً خَالٌ لِمُحَمَّدِ بنِ مَسلَمَةَ.فَكَعْبٌ عَرَبِيُّ النَّسَبِ وَلَكِنَّ أُمَّهُ مِن بَنِي يَهُودَ فقد نَشَأَ فِي حِجْرِ اليَهُودِ،فَظَاهِرُهُ عَرَبِيٌّ أَصِيلٌ،وقَلبَهُ يَتَّجِهُ لِعَرْشِ اليَهُودِ.ولو تَأمَّلتُم في الواقِعِ الآنَ لوجدتُّم أمثالَ كعبِ بن الأَشْرَفِ كَثِيرٌ!قامَ خَمسَةُ رِجَالٍ وَهُمْ عبَّادُ بنِ بِشْرٍ وأَبُو نَائِلَةَ أَخُو كَعبٍ مِن الرَّضَاعَةِ والحَارِثُ بنُ أَوسٍ وأبُو عَبْسٍ وقَائِدُهم مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أجمعينَ،فَمَكَثَ ابْنُ مَسْلَمَةَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لا يَأكُلُ ولا يَشرَبُ،يُفَكِّرُ كَيفَ يُنجِزُ هَذِهِ المَهَمَّةَ وَيُريحُ المُجتَمَعَ مِن هَذا العُنصِرِ الخَبيثِ المُخَرِّبِ!فَرَجَعَ لِرَسُولِ اللهِ يَستَشِيرُهُ،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ لا تَعجَلْ شَاوِرْ سَعدَ بنَ مُعَاذٍ.وقد كَانَ سَعْدٌ مُنَظِّراً حاذِقَاً ذَكِيَّاً،فَأَعطَاهُ خُطَّةً مُحكَمَةً ذَكِيَّةً,ولكِنَّ ابْنَ مَسْلَمَةَ قالَ لِرَسُولِ اللهِ ائذَنْ لِي أنْ أَقُولَ فِيكَ شَيئَاً عندَ كَعْبٍ؟فَقَالَ : «قُل مَا بَدَا لَكَ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ ذَلِكَ».تَأَمَّلُوا صِدقَ المَحَبَّةِ والاحترامِ لِلنَّبِيِّ فإنَّ ابْنَ مَسْلَمَةَ يَجِدُ الحَرَجَ مِنْ أنْ يَنَالَ مِنْ الإسلامِ وأَهلِهِ وهُو في حَالَةِ حَرْبٍ وخُدْعَةٍ،أَفَلا يَتَّقِى اللهَ أُناسٌ صَارَ الطَّعنُ فِي الدِّينُ هو مَذهَبُهم واللَّمزُ في المُتَدَيِّنينَ العَامِلِينَ هو دَيدَنُهم،والنَّيلُ مِن أَهلِ الإِسلامِ وَدُعَاتِهِ هو مَطْلَبُهم،انظُروا في كثيرٍ من أهلِ الإعلامِ في هذا الزَّمانِ لِتَكتَشِفُوا حقِيقَةَ زَيفِهم وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ. فَكيفَ أنجزَ الرِّجالُ مَهَمَّتهُم؟نتَعَرَّفُ على ذَالِكَ بعدَ قليلٍ بإذنِ اللهِ تعالى جعلنا اللهُ وإيَّاكُم من أنصارِ دينِهِ ومن عبادِهِ المُفلِحينَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسائِرِ المُسلِمينَ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبةُ الثَّانيةُ:

الحمدُ للهِ خَلَقَ الخَلْقَ لِيَعبُدُوهُ،وأَدَرَّ عَلَيهمُ الأَرزَاقَ لِيشكُرُوهُ،وَفَقَّ مَن شَاءَ فَانقَادُوا لَهُ وأَطَاعُوهُ،وَخَذَلَ مَنْ شَاءَ بَعَدْلِهِ فَخَالَفُوهُ,نَشهدُ أنْ لا إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً لِيَومٍ تَبْيَضُّ فِيهِ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ،ونَشهدُ أنَّ نَبِيَّنا وَسَيِّدَنَا محُمَّدَاً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبَاركَ عَليهِ وعلى آلِهِ وأصحَابهِ الذين آمنوا بِه وعَزَّروهُ وَنَصَرُوهُ. أمَّا بعدُ:فاتَّقوا اللهَ يامؤمنونَ فَلَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. أيُّها المُؤمِنُونَ:وبعدَ الاتِّفاقِ على الخُطَّةِ المُحكمَةِ المَدروسَةِ تَوجَّهَ الرِّجالُ الخمسَةُ نحو كَعْبِ بنِ الأَشرَفِ في حِصنِهِ فَسَلَّموا عليهِ وتَظَاهروا بالفَقْرِ والحاجَةِ وقالوا جِئناكَ من عندِ مُحَمَّدٍ وقد سَألنَاهُ طَعَامَاً من الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُعطِنا وقد عنَّانَا وَشَقَّ عَلَينَا،فَقَالَ كَعْبٌ:واللهِ لَتَمَلَّنَّهَ اترُكُوهُ، قالوا:فَإِنَّا قد اتَّبَعنَاهُ فَنَنتَظِرُ إلى أَيِّ شَيءٍ يَصِيرُ أَمْرُهُ،وإنَّا أَردْنَا أنْ تُسلِفَنَا تَمْرَاً وَسَقًا أَو وَسَقَينِ،قَالَ كَعْبٌ:فَمَا تَرْهَنُونِي قَالَوا مَا تُرِيدُ.قَالَ تَرْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قَالَوا أَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ,قَالَ لَهُم تَرْهَنُونِي أَوْلاَدَكُمْ.قَالَوا يُسَبُّ ابْنُ أَحَدِنَا فَيُقَالُ رُهِنَ فِى وَسْقَيْنِ مِنْ تَمْرٍ. وَلَكِنْ نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ يَعْنِى السِّلاَحَ قَالَ فَنَعَمْ. فوَاعَدُوهُ أنْ يأتُوهُ لَيْلاً,وقبلَ انطِلاقِهم اجتمعَ الرَّكبُ الفِدَائِيُّ المُبارَكُ معَ رَسولِ اللهِ فِي لَيلَةٍ مُقمِرَةٍ وَشَرَحوا لَهُ خُطَّتَهُم فَبَارَكها,وَمَشى مَعَهُم إلى بِقيعِ الغَرقَدِ يُشَيِّعُهُم،ثُمَّ وَدَّعَهُم قَائِلاً: «انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ،اللَّهُمَّ أَعِنْهُمْ».ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى بَيْتِهِ وَطَفِقَ يُصَلِّي وَيُنَاجِي رَبَّهُ، وَصَلَ الجَمِيعُ إلى حِصْنِ ابنِ الأَشْرَفِ وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسِ,فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَة,فَوَثَبَ مِن مِلْحَفَتِهِ فَقَالَت امْرَأَتُهُ:أَينَ تَخرُجُ هَذِهِ السَّاعَةُ،وَإنَّك امْرِئٌ مُحَارِبٌ وَإِنَّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السَّاعَةَ قَالَ إنَّهُ أَبُو نَائِلَةَ،وإِنَّمَا هُو أَخِي وَرَضِيعِي,قَالَتْ:إِنِّي لأَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ صَوْتُ دَمٍ وإنَّ فيهِ الشَّرَّ قَالَ:إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ لَيْلاً لأَجَابَ.معَ هَذِهِ النُّذُرِ نَزَلَ إليهم فِي ظلامِ الَّليلِ،لِيَقضِيَ اللهُ أَمْرَاً كانَ مَفعُولا،وامرَأَتهُ تَرقُبُ مَا يَدُورُ،فَتَحَدَّثَ مَعَهُم سَاعَةً, وقد كان يَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيبِ,فَقَالُوا:نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ طِيبٍ زَكِيَّةٍ قَالَ نَعَمْ تَحْتِي فُلاَنَةٌ هِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ.فَقَالَ لهُ مُحَمَّدٌ أتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ مِنْهُ قَالَ نَعَمْ فَشَمَّهُ.فَاطْمَأَنَّ إِليهم، وسُبحانَ اللهِ:إذا كَتَبَ اللهُ شَيئَاً هَيَّئَ لَهُ الأَسبَابَ!وَتَفُوتُ على أَكَابِرَ الرِّجَالِ أَتفَهُ الاحتِياطاتِ! ثُمَّ قَالَوا لهُ هَلْ لَكَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبٍ الْعَجُوزِ، فَنَتَحَدَّثَ بِهِ بَقِيَّة لَيْلَتِنَا هَذِهِ ؟ وقد اتَّفَقوا على أَنْ يُمسِكَ أَبو نَائِلةَ بِرَأسِهِ،فَإذِا تَمَكَّنَ مِنهُ عَلاهُ بَقِيَّةُ أَصحَابِهِ بِأسيَافِهِم.وهذا ما حصَلَ,فحينَ مَشَوا سَاعَةً عَادَ لِشَمِّهِ فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ اضْرِبُوا عَدُوَّ اللَّهِ فَضَرَبُوهُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَصَاحَ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حِصْنٌ إلَّا وَقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ,فَصَاحَت امرأةُ كَعْبٍ يا آلَ قُرَيظَةَ والنَّضِيرَ،ثُمَّ أخرَجَ مُحَمُّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِغْوَلًا سَيفَاً صَغِيراً فَوضَعَهُ في سُرَّةِ كَعْبٍ واتَّكَأَ عَليهِ حَتَّى بَلَغَ عَانَتَهُ،ثُمَّ احتَزُّوا رَأْسَهُ وأَخَذُوهُ مَعَهم فَوَقَعَ عَدُوُّ اللَّهِ،وَبَدأَ اليَهُودُ بِالخُرُوجِ مِن حُصُونِهم لِرُؤيَةِ مَا حَدَثَ،لَعَلَّهم يُمسِكُونَ بِهم،وَلَكِنَّ الرِّجالَ الأبطالَ قَد خَرَجُوا وتَركُوا المَكانَ.وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ ابْنُ أَوْسٍ رضيَ اللهُ عنهُ فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ.وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْهم، فَقَد نَزَفَ الدَّمُ منه فَوَقَفُوا لَهُ سَاعَةً ثُمَّ أَتَاهم يَتْبَعُ آثَارَهم.وَلَمَّا بَلَغُوا بَقِيعَ الغَرْقَدِ كَبَّروا، وكانَ رَسُولُ اللهِ قائِماً يُصلِّي،فَلَمَّا سَمِعَ تَكبِيرَهُم كَبَّرَ،وَعَرَفَ أنَّهم قَتَلوه,فَلَمَّا رَآهُم قَالَ:أَفلَحَتِ الوُجُوهُ،قالوا:وَوجْهُكَ يَا رَسُولَ اللهِ ورَمَوا بِرأَسِ الكُفرِ والأذِيَّةِ بَينَ يَدَيهِ،فَحَمِدَ اللهَ على قَتْلِهِ. أتدرونَ ياكرامُ:ماذا حصلَ لِليهودِ بعدَ هذهِ الحادِثَةِ لقد أصبَحوا مَذْعُورِينَ خائِفينَ قد لَزِمَ كُلُّ واحِدٍ منهم حِصنَهُ،لأنَّهم تَيَقَّنوا أنَّ رَسُولَ اللهِ لَن يَتَوانَى في استِخدَامِ القُوَّةِ حِينَ يَرَى أنَّ النُّصحَ لا يُجدِي نَفْعَاً لِمَن يُريدُ العَبَث فِي أعرَاضِ المُسلِمَات وإِثَارَةِ الأَعدَاءِ،ويَسُبُّ جَنابَ الشَّرِعَةِ الغَرَّاءِ,فارتَاحَ المُسلِمُونَ مِن مَتَاعِب ِاليَهودِ الدَّاخِلِيَّةِ. وهذا هَدَفٌ عظيمٌ من أهدافِ هذا القَتْلِ!فَصَاحِبُ الشَّرِ والفَسَادِ إذا عَلِمَ بِأَنَّ هُناكَ جِهَةً سَتُؤَدِّبَهُ ارعوى وخَنَسَ!في الحادِثَةِ درسٌ لِكُلِّ الطُّغاةِ فالشَّقِيُّ ابنُ الأَشرَفِ أَتعَبَ نَفْسَهُ كَثِيراً بِمَكرِهِ وخِدَاعِهِ وشِعْرِهِ وتآمُراتِهِ،والنَّتِيجَةُ؟حُزَّ رَأسُهُ،وَمَاتَ كَافِرَاً،فَلَمْ يَعلمُ هذا الغَبِيُّ أنَّ هذا الدِّينَ هو دِينُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،واللهُ حَافِظٌ دِينَهُ،ونَاصِرٌ عِبَادَهُ، وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ. على المُؤمنِ أنْ يسعى لِنُصرَةِ دينِ اللهِ بِفِكْرِهِ ومَشُورَتِهِ ومَالِهِ ونَفسِهِ,وأنَّ حُبَّ اللهِ ورسُولِهِ ليسَ بالتَّمنِّي ولا بالتَّحلِّي ولكن ما وقَرَ في القلبِ وصَدَّقَهُ العَملُ,نعلمُ من القِصَّةِ أنَّ كيدَ الكُفارِ ضَعيفٌ,وأنَّهم أجبنُ الخَلْقِ,إذا عزَمنا الأمرَ وأتقَنَّا العملَ: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا. والمُؤمِنُ مُتَّكِلٌ على اللهِ, وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً. فاللهم اجعلنا من أنصار دِينِكَ,المُحبِّينَ بحقٍّ وصدقٍ لِكتَابِكَ وسُنَّةِ نبِيِّكَ اللهمَّ اهزِم اليَهودَ ومَن عَاونَهم,والنَّصَارَى وكُلَّ مَنْ نَاصَرَهُم, اللهمَّ فَرِّق دُوَلَهم وشَتِّت شَمْلَهم واقذفِ الرُّعبَ فِي قُلُوبِهم,واجعل بأسَهم بينهم شديدًا, اللهمَّ عليكَ بِمنْ أرادَ بِلادَ المُسلِمينَ،ومَكَّنَ لأَعدَاءِ الدِّينِ،نَسأَلُكَ اللهمَّ أنْ تَحفَظَ عِبَادَكَ المُؤمنينَ،اللهم احفظ لنا بِلادَنا وإيمَانَنَا وأَمْنَنَا يا أرحم الراحمين،اللهم أصلح ولاتَنا وولاة أمورِ المسلمين،وارزقهم البطانة الصالحة،واجعلهم على الخير أعوانًا،ووحِّد صُفُوفَهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم,ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


بواسطة : admincp
 0  0  2.7K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 08:22 مساءً السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.