• ×

08:01 مساءً , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 14-11-1434هـ بعنوان حُجُّوا قبلَ أن لا تَحُجُّوا / وحقيقةُ حُبِّ الوَطَنِ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله شرعَ الحجَّ إلى البيتِ الحرامِ,وجعلَـَه أحدَ أركانِ الإسلام,نشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلامُ,ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه خيرُ الأنامِ,صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آله وأصحابِهِ الكِرَامِ,ومن تبعهم بإحسانٍ على الدَّوامِ,
أمَّا بعدُ:فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
عباد الله:لقد بَنَى اللهُ دِينَهُ وأقامَه على أركانٍ خمسةٍ,من أقامَها فازَ ورَبِحَ,ومن فرَّطَ خابَ وَخَسِرَ ,قال رسولُ الله :" بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ شهادةِ ألاَّ إله إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ الله و إقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ والحجِّ وصومِ رمضانَ"
واليومَ يا مؤمنون:نعيشُ مع رُكنٍ تَهفو إليه القلوبُ المؤمنةُ,نَعيشُ مع رحلةٍ قُدسِيَّةٍ,يَعْمُرُ المؤمنُ فيها وقتَه بالعبادةِ والذِّكر,وَيستَعمِلُ بَدَنَهُ ومالَه في العبادةِ والذِّكر!ويُجهادُ فيهِ من غيرِ قِتَالٍ .
قال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "والحجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ"يعود الحاجُّ من هذا الرُّكنِ العظِيمِ وقد تَطهَّرت رُوحُه,وتَهذَّبت أخلاقُهُ, وغُفرت ذُنُوبُه,كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ :«مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».ومن رحمةِ الله بعبادِهِ أنَّ الحجَّ مرَّةً في العُمُرِ,خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ أصحابَهُ فَقَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا».فَقَالَ رَجُلٌ:أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا فَقَالَ: (لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ،وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ).
فإذا توفَّرت فيكَ شروط ُالحجِّ وانتفت عنكَ المَوانِعُ وَجَبَت عليكَ المُبادَرةُ!سُئل الشَّيخُ ابنُ العُثيمِينَ رَحِمَه اللهُ:هل وجوبُ الحجِّ على الفَورِ أَمْ على التَّرَاخِي؟.فقالَ: ( الصَّحيحُ أنَّه واجبٌ على الفَورِ وأنَّه لا يجوزُ للإنسانِ الذي استَطَاعَ أنْ يؤخِّرَهُ)انتهى
عبادَ اللهِ:والمُتَأمِّلَ لحالِ إخوانٍ لنا تجاوزُ الثلاثينَ أو الأربعينَ ولازالوا يُسوِّفونَ ويؤجِّلونَ وَيتَحجَّجُونَ بأعذارٍ وَاهِيَةٍ!فما دُمتَ مُستطيعاً فأدِّ ما افترض الله عليكَ,فأَنتَ تُؤَخِّرُ الحجَّ عاماً بعد عامٍ ولا تَدْري ما يَعرِضُ لكَ يقولُ نبيُّنا :«تعجَّلوا إلى الحجِّ يعني الفريضةَ فإنَّ أحدَكم لا يَدْري ما يَعرضُ له».وهل هناك تيسيرٌ كالذي نعيشُه في بلادِنا وللهِ الحمدُ والمنَّة ُأمنٌ وغنى, وقربٌ وتسهيلاتٌ,فَقَارِن بينَ ما أنتَ فيه,وبين مَن قدِمَ من شتَّى البِلادِ؟فَبادِر بِأَدَاءِ ما افتَرَضَ اللهُ عليكَ,وَقُمْ بأَخذِ التَّصاريح ِاللازمةِ,والاحتياطاتِ الصحيِّةِ المَطلوبةِ,وكن مع رِفْقَةٍ صَالِحَةٍ, واختَرْ من المَالِ أطيَبهُ,فإنَّ اللهَ طيبٌ لا يقبلُ إلا طَيِّبِاً,
معاشر المؤمنين:والحجُّ له شروطٌ خَمْسَةٌ مَنْ تَوفـَّرت فيه وَجَبَت عليه الْمُبادَرَةُ,وهي الإسلامُ, والبُلُوغُ,والعقلُ,والحُرِّيَّةُ,وأنْ يكونَ مُستَطِيعَاً بِمَالِهِ وبَدَنِهِ,وتزيدُ المرأة ُشَرْطَاً سَادِسَاً وهو وجودُ المَحْرَمِ لها .والأصلُ أنَّ الحجَّ عبادَةٌ بَدَنِيَّةٌ يُطلبُ من العبدِ فِعْلُها بِنَفْسِهِ!وقد جاءَ في السُّنَّةِ ما يُبيحُ الاستِنَابَةَ لِعَجْزٍ أو لِمَوتِ,فَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ,فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرَاً لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ نَعَمْ،وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.قال ابنُ القيِّمِ رحمه الله: (مَنْ تركَ الحجَّ عَمْدَاً مع القدرةِ عليه حتى ماتَ,أو تركَ الزكَّاةَ فَلَمْ يُخرجها حتى ماتَ,فإنَّ مُقتضى الدَّلِيلِ وقواعدَ الشَّرعِ أنَّ فِعلَـَهما بعد مَوتِهِ لا يُبرئُ ذمتَـَه ولا يُقبلُ منه والحقُّ أحقُ أن يُتَّبع) انتهى.ومَنْ كان مَريضَا مَرَضَاً لا يُرجى زَوَالـُه وبرؤه فإنه يُنوِّبُ من يحُجُّ عنه بِأُجْرَةٍ أو بغيرِ أُجرَةٍ.ومَنْ كانَ مَرِيضَا مَرَضاً يُرجى زوالُهُ وبُرؤه فإنَّه يصبرُ حتى يزولَ عنه مَرَضُهُ.ومن المسائِلِ:أنَّ مَنْ كانَ عليه دَينٌ حآلٌّ فإنِّه يُبادِرُ بِتَسدِيدِ دُيُونِهِ,فإنْ تَوفَّرَ مَبلَغُ الحَجِّ فليُبادِر بِهِ,أمَّا الأقساطُ الشَّهرِيَّةُ كالبنكِ العقَارِي,وأقساطُ السَّياراتِ,فلا تُعتَبَرُ دُيُونَاً حآلَّةً,كما أنَّهُ لا يجُوزُ طلبُ الزَّكاةِ,ولا دَفعُها لأجلِ أَدَاءِ فَرِيضَةِ الحَجِّ,أمَّا دَفعُ الصَّدقاتِ لِلمساهمةِ في مُساعَدَةِ مَن يَرغَبُونَ الحجَّ فهو نوعٌ من الإحسانِ والقُربى,وقد قالَ رَسُولُ اللهِ :«مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا».فيا عبادَ اللهِ:بادروا بالحجِّ إلى بيتِ الله الحرامِ وتَوكَّلوا على اللهِ,وتَفقَّهوا في دِينِ اللهِ تعالى حتى تُؤدُّوا شَعَائِرَ اللهِ على عِلمٍ وبَصِيرَةٍ,فقد كانَ رسولُ اللهِ يردِّدُ ويقولُ:«لِتَأخُذوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم».سَهَّلَ اللهُ أَمْرَنَا وأمرَكُم,وَتَقَبَّلَ مِنَّا ومِنكُم صالِحَ القَولِ والعَمَلِ,واستغفر الله لي ولكم ولِسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّ ربِّي غفورٌ رحيمٌ.

الخطبةُ الثانيةُ:

الحمد لله،تعاظمَ واقتدر،عزَّ سُلطانُهُ فَقَهَر،نَحمدُه كثيراً كما أَمَرَ،ونَشكُرُهُ وقد تَأَذَّن بالزِّيادة لِمَن شَكَرَ،والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَيرِ البَشَرِ،الشَّافِعِ الْمُشَفَّعِ في الْمَحْشَرِ،وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الغُرَرِ،والتَّابعينَ ومن تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمُستَقَرْ.أمَّا بعدُ:فاتَّقوا الله يا مؤمنونِ وأطيعُوه,واتَّبعوا أمرَه ولا تعصُوه، وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ. يا مسلمونَ:ومِمَّا يجبُ بيانُهُ نُصحاً للأمَّةِ,وإقامَةً لِلحُجَّةِ,وبَياناً لِلقِسطِ والصَّوابِ,أنَّ أعيادَنا الشَّرعيةَ ثلاثةٌ ليس في الإسلامِ سواها!فقدوتُنا رسولُ اللهِ وصحابتُه الكرامُ فلم يُقيموا لأعمالِهم عِيداً,ولو كان خيراً لَسبقونا إليه سَبْقاً أَكِيدَاً.هذه عَقِيدَةٌ صَرِيحةٌ,ولِمَزِيدٍ من النُّصحِ والتَّوضيحِ, والبيانِ والتَّوجيهِ,فإنَّ اعتقادَ ما ذُكرَ لا ينافي الحُّبَّ الغَرِيزِيَّ للأَوطانِ!فحينَ يُولَدُ إنسانٌ في أرضٍ وَينْشَأُ فيها,فإنَّ فِطرَتَهُ تَربِطُهُ بِها فَيُحِبُّها ويُوالِيها!فهذا رسُولُ اللهِ يُعلِن عن حُبِّه لوطَنِه مكَّةَ،وهو يُغادِرها مُهاجرَاً فيقولُ: «واللهِ، إنَّكِ لأحَبُّ البقاعِ إلى اللهِ وأحبُّ البقاعِ إليَّ،ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خَرَجتُ» وَلَمَّا عَلِمَ أنَّه سَيَبْقَى في المدينةِ دَعَا اللهَ أنْ يُحَبِيبَها إليه. قالَ ابنُ حَجَرٍ:"وفيه دلالةٌ على فضلِ المدينةِ،وعلى مَشرُوعيةِ حُبِّ الوَطَنِ والْحَنِينِ إليه" أيُّها المُسلِمُونَ:وإذا كان هذا المعنى في كلِّ البُلدَانِ!فما بالُكم بِبَلَدِ التَّوحيدِ والعَقِيدةِ,ومَهدِ السُّنة والرِّسالَةِ,وَمَهْبِطِ الوحيِ والقُرآنِ,وَمَأْرِزِ الإيمَانِ والأَمَانِ,أَرضِ الْحَرَمَينِ وقِبلَةِ الثَّقَلَينِ ؟! والوَطَنِيَّةُ بهذا المَفهومِ الطَّبِيعيِّ أَمْرٌ غَيرُ مُستَغرَبٍ،ولا غبارَ عليها ولا اعتِرَاضَ،كما لا يَجُوزُ أنْ تَكونَ مَفهومَاً مُشَوَّهَاً يُعارَضُ بِهِ الوَلاءُ لِلدِّينِ،فالإِسلامُ لا يُغيِّرُ انتِمَاءَاتِ النَّاس إلى أَراضِيهم ولا شُعُوبِهم ولا قَبَائِلِهم،إنَّما يُرشِدُها,ويُوجِّهُهَا الوِجهَةَ الشَّرعِيَّةَ,كما لا يَجوزُ بِحالٍ أنْ يُصَوَّرَ لِلنَّاسِ,التَّعارُضُ بينَ الوَطَنِيَّةِ بِمَفهومِها الشَّرعيِّ وبينَ دِينِ اللهِ تعالى,أو عبادِهِ الْمُتَدَيِّنينَ, إنَّ تَصويرَ ذلكَ لَيسَ إلاَّ حِيلَةً لِلنَّيلِ من الدِّينِ,أومن الْمُتَدَيِّنينَ! إنِّنا لا نُريدُ أنْ نُقابِلَ غُلوَّاً بِغُلوِّ،ولا مُزَايداتٍ ومُدَاهناتٍ بِمِثلِها,كما يَجِبُ ألاَّ نُستَفَزَّ مِنْ قِبَلِ أَصحَابِ الأَقلامِ المُلَوَّثَةِ،ولا الأَفكَارِ الْمُشَوَّهَةِ,ولا النَّوائِحِ الْمُستَأجَرَةِ,إنَّا بِحَقٍّ نَرفضُ الوَطَنِيَّةَ حينما تَكونُ وَثَناً يُعبَدُ من دونِ اللهِ!أو تُؤَدِّيَ إلى إقْصِاءِ شَرِيعَةِ اللهِ,أو تَقسيمِ النَّاسِ إلى أَحزَابٍ وَطَوائِفَ مُتَباغِضَةٍ,
حُبُّ الْوَطَنِ عبادَ اللهِ:لا يحمِلُنا على عصبِيَّةٍ لِلتُّرابِ والطِّينِ,والجنسِ والُّلغةِ,على حِسَابِ العقيدةِ والدِّينِ،لا يحمِلُنا على غَمْطٍ لِأُخوُّةِ العَقِيدَةِ الإسلاميَّةِ التي تَتَسَامَى عن الْحُدودِ الْجُغرَافِيَّةِ والنَّظراتِ الإقليميَّة,حاشا وكلاَّ.فقد قالَ أصدقُ القائِلينِ: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. قالَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:« إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عَيْبَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ،النَّاسُ بَنُو آدَمَ،وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ،مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ،وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ،لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْخَرُونَ بِرِجَالٍ،إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ،أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تُدْفَعُ ». وَأَينَمَا ذُكِر اسمُ اللهِ في بَلَدٍ عَدَدتُ أرجاءَه مِن صُلبِ أَوطَانِي ولا يَحمِلُنا كذلكَ أن نُجَسِّدَ حُبَّ الوَطَنِ في زَمَنٍ مَحدُودٍ أو بِطُقوسٍ مُعَيَّنةٍ فذالِكُم الْمَحذُورُ! عبادَ الله:مِن حقِّ أوطانِنِا علينا أنْ نكونَ لِتحقيقِ مَصالِحها سُعاةً،ولِدَرءِ الْمَفَاسِدِ عنها دُعاةً، ولأمنِها واستقرارِها حُماةً،فما عُمِرتِ الأوطانُ بمثلِ الأخذِ بالعقيدةِ الإسلاميِّةِ,وتحكيمِ الشَّريعةِ الرَّبانيَّةِ,قالَ تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ فإنَّ الذنوبَ والمعاصيَ خَرابُ الدِّيارِ وهلاكٌ وَدَمَارٌ،
إذِ المواطنةُ الصَّالِحَةُ ليست كَلِماتٍ تُردَّدُ,ولا شِعاراتٍ وصُوَرٍ تُرفَعُ،إنَّما إخلاصٌ وبِناءٌ,وصِدْقٌ وَعَمَلٌ،لا يَقبَلُ التَّلوُّنَ ولا يَخضَعُ للمسَاوَماتِ والْمُزايَداتِ.
أيُّها الكرامُ:وحتى تَتَبيَّنَ لكم بعضُ مَظَاهِرُ الوطَنِيِّةِ الصَّادقةِ ويسقُطُ عندَكُم زَيفُ الشِّعاراتِ الكاذِبةِ الخاطِئَةِ!فالمتأمِّلُ يُمكِنُهُ أنْ يُمَيِّزَ بينَ الْمُواطِنِ الصَّالِحِ النَّاصِحِ,وبينَ الكاذبِ الآثِمِ الفاضِحِ! وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ. فهل مَنْ سخَّروا الإعلامَ لِلَّمْزِ بثوابتِ الأمَّةِ ومُسَلَّماتِها مُواطِنونَ صالِحونَ؟.هل من الإخلاصِ والانتماءِ لِلوَطَنِ إشاعَةُ الفَاحشةِ في اللذينَ آمنوا عَبْرَ طُوفانٍ من الفَضَائِيَّاتِ الْمُخِلَّةِ بالعِفَّةِ والْحِشْمَةِ والأخلاقِ,أينَ حبُّ الوَطَنِ ممن يسعى لاختِلاطِ التَّعليمِ بين الجنسينِ!ويَسعى للتَّبَرُّجِ والسُّفُورِ في المَدَارِسِ والجَامِعَاتِ ؟
هل من الوَطَنِيَّةِ الصَّادِقَةِ,خلطُ الجِنسَينِ بِدعوى التَّرفِيهِ والتَّنشِيطِ السِّيَاحِيِّ,والمُبارياتِ الرِّياضِيَّةِ,وباسمِ الاحتِفَالاتِ الرَّسمِيَّةِ والفَعَالِيَّاتِ العَائِليَّةِ؟! أينَ المُوَاطَنةُ الصَّالِحَةُ ممن يُخَرِّبونَ في بَلَدِ الإسلامِ تَفْجِيراً وَتَكْفِيراً وَتَقْتِيلاً وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ. أَحسَنَ اللهُ عَزَاءَكَ يَا وَطَنَ الإِسلامِ!على شَبَابٍ يَعبَثُونَ بِسَيَّارَاتِهِم وَسَطِ الطُّرُقاتِ ويَتَمَايَلُونَ عَلَى أصَواتِ الأغانِي والطَّربِ،أَحسَنَ اللهُ عَزَاءَكَ يَا وَطَنَ الإِسلامِ على شَبَابٍ يَعتَدونَ على أرواح النَّاسِ وأعراضِهم ومُمتَلَكَاتِهم!
فيا مؤمنونَ:مَن يُحِبُّ الوَطَنَ حَقِيقَةً وَيُرِيدُ لَهُ الخَيرَ وَالنَّمَاءَ,لا تَرَاهُ إِلاَّ حَرِيصًا عَلَى أَمنِهِ وَاستِقرَارِهِ،مُطِيعًا لِوُلاةِ أَمرِهِ,نَاصِحًا لِقَادَتِهِ،عَامِلاً بما يُسَنُّ مِن أَنظِمَةٍ وتَعْلِيمَاتٍ،مُقَدِّرَاً لما يُبذَلُ لِلبِنَاءِ وَالتَّقَدُّمِ،فَلا يُحدِثُ بَلبَلَةً وَلا يَبعَثُ فَوضَى،وَلا يُفسِدُ صَالِحًا وَلا يُخَرِّبُ عَامِرًا.والعَتَبُ ليس على الشَّبَابِ فَحسْبُ,بل علينا نحنُ مَعَاشِرَ الأولياءِ إذْ كيفَ نرضى لأبنائِنا بتلكَ التَّجمُّعاتِ؟والأَدْهَى والأمرُّ كيفَ نَرضَى لِنِسائِنا أنْ يَخرُجْنَ إلى أماكنِ التَّجَمُّعاتِ والَّلغَطِ والفوضى ويكنَّ مَصدَرَاً لِلشَرِّ والفِتنَةِ؟!والله يا كرامُ:إنِّي على يقينٍ تَامٍ أنْ صنيعَ هَؤُلاءِ الأغرارِ لا يُرضي اللهَ ولا رسُولَه ولا المؤمنينَ ولا ولاةَ أَمْرِنَا الأَكارِم,إنَّمَا هو عَبَثٌ وطَيشٌ,وحُبٌّ للخُروجِ على المَألوفِ!وحُبٌّ لِلفَوضَى والغَوغَائِيةِ!فَنحنُ مُجتَمَعٌ كَسَّفِينَةٍ واحدَةٍ،فأَيُّ خَرْقٍ فيها فَإِنَّمَا هُوَ إِيذَانٌ بِغَرَقِهَا فَلْنَلزَمِ الشُّكرَ فَإِنَّهُ قَيدٌ للنِّعمِ,وَسَبَبٌ لازدِيَادِهَا. ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لم يَكُ مُغَيِّرَاً نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم. فاللهم إنَّا نعوذُ برضاكَ من سخطِكَ وبمعافاتِكَ من عقوبتكَ وبكَ منكَ لا نحصي ثناءً عليكَ . اللهم اجعلنا لِنِعمِكَ من الشَّاكرينَ ولكَ من الذَّاكرينَ يا ربَّ العالمينَ.اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين وخذ بنواصيهم إلى البِرِّ والتقوى ووفقهم للعملِ الذي ترضى.اللهمَّ اجعلهم هداة مهتدين،اللهمَّ حبِّب إليهم الإيمانَ وزَيِّنْهُ في قلوبِهم وكرِّه إليهم الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلهم من الرَّاشِدينَ.اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنا لِمَا تُحِبُّهُ وترضاهُ يا ذا الجلالِ والإكرامِ. اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
بواسطة : admincp
 0  0  3.8K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 08:01 مساءً السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.