• ×

02:56 مساءً , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 04-01-1432هـ بعنوان شهر الله المحرَّم

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
لك الحمدُ يا من وسعت رحمتُه كلَّ شي، وعمَّ إحسانُه وفضلُه كلَّ حيٍّ ،ليس من مخلوق إلا وفيه أثرٌ من نعمتك ، وليس من كائنٍ إلا وهو يَسبَحُ في بحار رحمتك , نشهد أن لا إله إلا أنتَ وحدكَ لا شريكَ له، حَكَمتَ على من سواكَ بالفناءِ والعدم ، وتأخذُ للمظلوم ممَّن ظلم،ونشهدُ أنَّ سيدَنا محمداً عبدُ الله ورسولُه, أرسله ربُّهُ بالهدى ودينِ الحق ليظهره على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون ، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله الكرام ,وأصحابه الأعلام, ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ على الدوام . أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، تكونوا خيرَ عباد الله عليه وأكرمَهم وأقربَهم إليه ، واذكروا وقوفـَكم بين يديه، يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا فخيرُ ما اتـَّصفَ به المؤمنُ قلبٌ حيٌّ , يبعثُ على استشعار حُرمةِ ما حرَّمَ اللهُ وتعظيم ِما عَظَّمه اللهُ ، فسبحانَ من له الخلقُ والأمرُ ، فقد خلق اللهَ الزَّمان واختار منه ما شاء، واختار من الشُّهورِ بعضَها وفضَّلها على بعض، لقد اختارَ الرَّبُّ شهرَ اللهِ الْمُحرَّم، فأضافه إلى نفسه تشريفًا وتكريمًا، وزاده الله إجلالا وتعظيما . فاللهم بارك لنا ولأمتنا عامَها الجديد, واجعله عامَ خيرٍ ورشد وهدىً ، شهرُ الله المحرَّم أوَّلُ شهورِ السنّةِ الهجرية وأحدُ الأشهرِ الحُرُم التي قال الله فيها: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ.. . وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)) رواه البخاري. فتعالوا بنا يا كرامُ : لنتعرف على بعض فضائله وأحكامه سُمِّيَ المحرَّمُ بذلك تأكيدا لتحريمه. ولأنَّ العرب كانت تُحرِّمُ فيه القتال، عباد الله: ولَمَّا ذكَّرَ اللهُ بعِظَم هذهِ الشُّهور عقَّبَ ذلك بتحريمِ الظُّلمِ فيها، إذْ هو سببُ كلِّ شرٍّ وفساد ، فالظلم ُمنبعُ الرَّذائِلِ ومصدرُ الآفات، متى فشا في أمَّةٍ آذنَ اللهُ بأفولِها,وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي, إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي, وجعلتُـهُ بينَكم مُحرمًا, فلا تظالموا)) وفي الصحيحين أنَّ النَّبيَ قال: ( اتقوا الظُّلمَ, فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٍ يوم َالقيامة )
وقد تَهدَّدَ اللهُ الظلمةَ , فقال: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ والظلمُ أنوعٌ ثلاثة :أوَّلها: لا يغفرهُ اللهُ أبدًا، وهو الإشراكُ به سبحانه ، كدعاءِ غيره, أو السُّجودِ لغيره,أو نبذِ شرعه والتحاكمِ إلى ما سواه, قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًاً وأما الثاني : فظلمٌ لا يترُكُه الله تعالى, وهو ظلمُ العبدِ غيرَه , فهذا لا بدَّ فيه من أخذِ الحقِّ للمظلومِ من الظالم, كما قال الله في الحديث القدسي: ((وعزَّتي، لأنصُرَنَّكِ ولو بعد حين)).أيُّها المؤمنون : ألا يوجد منَّا من يظلمُ والديه وأقربَ الناس إليه!ويخاصِمُهُما ويهجُرهُما! ألا يوجد من بيننا من يظلم زوجَه وأولادَه ومن له حقٌّ عليه! ألا يوجد فينا من يظلمُ خدمَه وعُمَّاله، بل ألا يوجدُ من العمالة من يظلم كافله سرقة ًوهروباً ,ونصباً واحتيالاً! فيا عباد الله، تداركوا الأمر قبل فوات الأوان، فقد قال رسول الله : ((من كانت له مظلمةٌ لأخيه من عرضِه أو شيءٍ فليتحلَّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهم, إنْ كان له عملٌ صالحٌ أُخِذَ منه بقدر مظلمته, وإن لم تكن له حسناتٌ أخذ من سيئات صاحبه فحُمِّل عليه)). أما ثالثُ أنواع ِالظلم : فهو ظلم العبد نفسَه بالمعاصي والسيئات, فكلُّ ذنبٍ وخَطِيئَةٍ ظلم ٌمنك لنفسك وبغيٌ عليها فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ فمن الناس من يخوض في غمار المعاصي والذنوب، فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه. إنَّ من ظلمنا لأنفسنا يا عباد الله أن تمرَّ بنا مواسمُ الخير فلا نستغلُّها في طاعة ، إنَّ من ظلمنا لأنفسنا أن نقابل نعم الله علينا بالنُّكران لا بالشكران، فنعمةُ البصرِ سخَّرها البعض في النَّظرِ إلى ما حرَّمَ اللهُ، ونعمةُ السَّمعِ سخَّرها البعض في سماع ما حرَّم الله علينا، ونعمة ُالنُّطق سخَّرها البعض في قالةِ السوء من غيبة ونميمة,وكذبٍ وسوء ,وزورٍ وبهتان . والله سبحانه يقول: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا فاللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا وتوفنا وأنت راضٍ عنا يارب العالمين نفَعني الله وإيَّاكم بهديِ كِتابهِ وبسنَّة نبيه محمَّدٍ ، أقول قَولي هَذَا،وأَستَغفِر اللهَ لي ولَكم ولسائرِ المسلِمين مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنَّه هوَ الغَفور الرَّحيم.

الخطبة الثانية: فضائل شهر الله المحرم

الحمد لله الهادي إلى سواءِ السبيل، نَشهَدُ أن لاَ إلهَ إلاَّ الله وَحدَه لا شَريك لَه العظيمُ الجليل ، ونشهَدُ أنَّ نبينا محمّدًا عَبدُ الله ورَسوله صاحبُ حوضِ السَّلسَبِيلِ، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يومٍ يفرُّ فيه الخِلُّ من الخليل.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بمرضاته وتحوزوا من خيراته، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . وتأملوا نعم الله التي لا تعدُّ ولا تحصى، واشكروه عليها باغتنامها فيما يقرِّبُ إلى المولى. هنيئاً للأمة الإسلامية بشهرِ اللهِ المحرَّم هنيئا لنا بفضائله وخيراته
ففي الحديث الذي رواه الإمامُ مسلمٌ. رحمه الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ)) قال الإمام النَّوويُّ: وهذا تصريحٌ بأنَّه أفضلُ الشُّهور للصوم
ومن خصائص هذا الشهرِ صيامُ عاشوراءَ ففي الصحيحينِ عن ابنِ عباس رضي الله عنهما قال: لَمَّا قَدِمَ رسولُ الله المدينةَ وجد اليهودَ صياماً يومَ عاشوراءَ فقال لهم رسولُ الله: ((ما هذا اليومُ الذي تصومونه؟ قالوا:هذا يومٌ عظيمٌ أنجى الله فيه موسى وقومَه وأغرقَ فرعونَ وقومَه فصامه موسى شكراً فنحنُ نصومه، فقال رسولُ الله : فنحن أحقُّ وأولى بموسى منكم فصامه رسولُ الله وأمرَ بصيامه)) وعن أبي قتادة أنَّ رجلاً سألَ النَّبيَ عن صيام عاشوراء فقال: ((احتسبُ على الله أن يكفـِّرَ السنةَ التي قبلَه)) وعن ابن عباس قال: قال رسول الله : ((لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسعَ مع العاشر يعني عاشوراء)) وقال ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ((مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ))
فاجتهد أيُّها المسلم في صيام التاسع مع العاشر قال العلماء: ولعلَّ السَّبَبَ في صومِ التاسع مع العاشر ألا نتشبَّه باليهود في إفرادِ العاشر. وعلى هذا فصيامُ عاشوراء على مراتبَ أدناها أن يُصام وحدَه، وفوقَه أن يصام التاسعُ معه، وفوقـَه أن يصام التاسعُ والعاشرُ والحاديَ عشر، وكلّما كثر الصِّيامُ في الْمُحَرَّمِ كان أفضلَ وأطيبَ. واجتهد بصيام غيره كالاثنين والخميس وأيامِ البيض وتزوَّد من الخيرات لِتُقَدِّمَ لنفسك زاداً تجدْه أمامك واللهُ يقول: فمن يعمل مثقال ذرة خير يره .
أيُّها المؤمنون : لا يأسَ من رحمةِ اللهِ , ولا قنوطَ من رَوحِ الله , ياقوم : ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ واللهُ تعالى: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ فارفعوا أكفَّكُم وقُلُوبَكم لمولكم وسألوه وأنتم موقنون بالإجابة أن يغيث القلوب بالإيمان , والبلادَ بالخيرِ والأمطارِ , فاللهمَّ أنت الله لا إله إلاَّ أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء،أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهمَّ أغثنا، غيثًا مُغيثًا هنيئاً مريئًا ، عاجلاً غير آجل، نافعًا غير ضار. اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذابٍ ولا بلاء ولا هدم ولا غرق. اللهمَّ اسقِ عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدَك الميت.اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، اللهمَّ إنَّا نستغفرك إنك كنت غفارًا،فأنزل السماء علينا مِدرارا، اللهمّ أسقنا الغيث ولا تجعلنا من الآيسين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
عباد الله أذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

بواسطة : admincp
 0  0  2.1K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:56 مساءً السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.