• ×

12:41 مساءً , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 25-01-1432هـ بعنوان أَنُشاركُ النَّصارى في أعيادِهم

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 الحمد لله الذي هدانا للإسلام،وأنعمَ علينا بالإيمانِ، وكرَّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ربُّ الأكوان, ونشهد أنَّ نَبيَّنا وقائِدَنَا محمداً عبدُ الله ورسولُه الذي دعانا إلى التَّوحيدِ ،وإفراد اللهِ بالمحَبَّةِ والتَّمجيدِ , صلَّى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ. أمَّا بعد: فاتقوا الله عباد الله: حقَّ التَّقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعروةِ الوثقى، فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أيُّها المؤمنون: إنَّ الله تعالى كَتَبَ على الأُمَّة إنْ هيَ تَخَلَّت عن خصائِصها ومبادِئِها أنَّها في انحطاطٍ في عقيدتِها وقوتِها وأخلاقِها!وإنَّ مِمَّا خافَ منهُ المصطفى على أُمَّةِ الإسلامِ التبعيِّةَ لأعداءِ الإسلامِ من قِبَل ضِعَافِ الإيمانِ الذين يَبْلُغُ بِهمُ الإعجابُ والافتتانُ إلى الاحتذاءِ بحذوهم والسَّيرِ في رِكابِهم، فعن أبي سعيدٍ الْخُدريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كانَ قَبلَكُم شِبْراً شبراً وذِرَاعَاً ذراعاً حتى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُم )، قالوا: يا رسولَ اللهِ اليهودُ والنصارى؟ قال: (فمن؟!) أيُّها الكرام:لم يَعُدْ خَافيًا اغترارُ كثيرٍ من إخوانٍ لنا بأعيادِ النَّصارى والتعلقُ والافتتانُ بِها! ولم يَعُدْ خَافيًا ما تبثُّه القنواتُ من استعداداتٍ وتجهيزاتٍ ليس في الدُّول الكافرةِ إنَّما في دولٍ عربيِّةٍ وإسلاميِّةٍ ! حتى اتُّخِذَ عندهم ذالِكَ اليومَ عُطْلَةً وعيدًا؛ كلُّ ذلك بسبب غَيابِ الحكم الشرعي ! وبالْجَهْلِ بخطورةِ ذلكَ على الدِّينِ والأخلاق والْمجتمعِ ! كَتَبَ أحدُ الدُّعاةِ من بلدٍ عربيٍّ مسلمٍ مُجَاورٍ واصفاً حالَ كثيرٍ من النَّاسِ عندهم ليلةَ رأسِ السَّنةِ قائلاً ( فما نراه من مظاهرِ الفرح والابتهاج، من تأهبٍ واستعدادٍ , لَيُؤذِنُ بالخطرِ! فواجهاتُ الْمَتَاجِرِ والفنادقِ مُزَيَّنةٌ بالرُّسُومِ والصُّورِ لِحُلُـولِ السَّنةِ الجديدةِ , وإحياءُ الحفلاتِ الصَّاخبةِ التي تقامُ في بمناسبة ليلةِ رأسِ العامِ الجديدِ , والإقبالُ على الخمـور يكتسحُ الْمَتَاجِر ! لَيُؤذِنُ بالخطرِ ! حتى إذا جاءتِ الليلةُ الموعودةُ سَهِروا على فِسقٍ وزنىً وخمور، وما تستحيي الشياطينُ من ذِكْرِهِ ! وكأنَّنَا في عاصمةٍ غربيةٍ نصرانيِّةٍ ) أسمعتم أيُّها المؤمنونَ: هذا ما كانَ يخشاهُ رسولُ اللهِ على أمَّته وهذا ما يخشاه أهلُ الدِّين والتُّقَى على أمَّتِنا ومُجتَمَعِنا ! فلا تظنُّوا يا كرامُ: أنَّ مشاركةَ النَّصارى في أعيادِهم مسألةَ إثمٍ ومعصيةٍ فحسبُ، أو مجردَ زلَّةٍ وخطأٍ فقط،كلاَّ وربِّي ولكنَّها مسألةُ عقيدةٍ ودينٍ ! بل قد تكونُ مسألةَ إيمانٍ وكفرٍ؛ لأنَّ المشاركةَ نوعٌ من التَّشَبُّهِ، ونبيُّنَا قد قال : (من تشبَّه بقومٍ فهو منهم) قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله: "وهذا الحديث أقلُّ أحوالِه تحريمُ التَّشبُّهِ بِهم، وإنْ كان ظاهره يقتضي كُفرَ الْمُتَشَبِّهِ بِهم " انتهى ولهذا تواترتِ نصوصُ الشريعةِ على حصر الأعيادِ في الإسلام بعيدي الفِطرِ والأضحى، لا ثالثَ لهما سوى يومَ الْجُمعةِ،وأنَّ ما سوها من الأعياد إنِّما هو مُحدَثٌ باطلٌ فاسدٌ,سواءٌ كان أسبوعياً أم سنويِّاً أم قَرْنِيَّاً. قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ فوجدَ أهلَها لهم يومانِ يلعبونَ فيهما قال: (ما هذانِ اليومانِ)قالوا:كنَّا نلعبُ فيهما في الجاهلية،فقال: (إنَّ الله قد أبدلَكُم بِهما خيراً منهما يومُ الأضحى ويومُ الفِطِرِ) وقالت عائشةُ رضي الله عنها: دَخَلَ أبو بَكرٍ وعندي جاريتانِ تُغَنِّيَانِ في يومِ عيدٍ فقال: أمزاميرُ الشَّيطانِ في بيتِ رسولِ الله؟! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر، إنَّ لِكلِّ قومٍ عيداً وهذا عيدُنا) قال ابنُ تيميةَ رحمه الله:"وهذا يوجبُ اختصاصَ كلِّ قومٍ بعيدِهم كما قال سبحانه: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً وكذلكَ يقتضي حَصرَ عيدِنا في هذا فليس لنا عيدٌ سواه " وقد فسَّرَ مجاهدٌ رحمهُ اللهُ قولَه سبحانَهُ: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ بأنَّها أعيادُ المشركين. عباد اللهِ:وهذا الفاروق رضي اللهُ عنهُ يحذِّرُ الأمَّةَ من خُطُورَةِ التَّبَعِيَّةِ فيقول:لا تَعَلَّموا رَطَانةَ الأعاجمِ ، ولا تَدخُلُوا على المشركينَ في كنائِسِهم يومَ عيدهمِ ؛ فإنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عليهم)،وقال: (اجتنبوا أعداءَ اللهِ في أعيادِهم ). أيُّها المؤمنون: ولسائلٍ أنْ يقولَ ما المْحاذيرُ التي تجعلُ سلفَ الأمَّةِ وعلماءَ الشريعةِ يُحذِّرونَ من مُشاركةِ النَّصارى في أعيادهم ؟! ألا يمكنُ أنْ نَتَأَلَّفَهُمْ ونكسِبَ وُدَّهُم ونحبِّبَهُم بالإسلام إذا شاركناهم ؟! فالجوابُ في قولِ علاَّم الغُيُوبِ: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ فمشاركةُ النَّصارى في أعيادِهم تورثُ نوعَ محبَّةِ وموالاةٍ، والمحبةُ والموالاةُ لهم تنافي الإيمانِ! ثم إنَّ مشاركَتَهُم في أعيادِهم يوجبُ سُرُورَ قلوبِهم بما هم عليه من الباطلِ ، ألم يَقُلِ اللهُ تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فَمنْ مِنَ المسلمينَ يرضى أنْ يوصفَ بأنَّهُ يَهوديٌّ أو نصرانيٌّ ؟! قالَ الإمامُ ابنُ القَيِّمِ رحمه الله:"وأمَّا تَهنِئَتُهُم بِشعائِر الكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهم فحرامٌ بالاتفاق، فهذا إنْ سَلِمَ قَائِلُه من الكفرِ فهو من الْمُحرماتِ، وهو بِمنزلةِ أنْ يُهَنِّئَهُ بسجودهِ للصَّلِيبِ، بل ذلكَ أعظمُ إِثْمَاً عندَ اللهِ وأَشَدُّ مَقْتًا من التَّهنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمر وقَتلِ النَّفسِ وارتكابِ الفرجِ الحرامِ ، وكثيرٌ ممن لا قَدْرَ للدِّينِ عندَه يقعُ في ذلك ولا يَدري قُبحَ ما فعلَ، فمن هنأ عبدًا بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كُفرٍ فقد تَعَرَّض لِمَقْتِ الله وسَخَطِهِ" فاللهم أرنا الحقَّ حقَّاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابهُ. أقول قَولي هَذَا،وأَستَغفِر اللهَ لي ولَكم ولسائرِ المسلِمين مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيم .

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله الْمُتَفَرِّدِ بالعَظَمةِ والْجَلالِ، الْموصوفِ بكلِّ كمالٍ ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، لا ربَّ غيرُه ولا معبودَ بِحقٍّ سواه , ونشهد أنَّ محمدا عبدُه ورسولُه ومصطفاهُ. إمامُ الْمُوَحِّدينَ ,وقدوةُ الْمُتَقين , صلى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه الطَّيِّبِينَ ، ومن سارَ على نَهجهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّين. أمَّا بعدُ:فاتقوا الله عباد الله حقَّ التَّقوى، واستَمْسِكُوا بِهذا الدِّينِ،فهو خيرُ دِينٍ وأزكى وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ أيُّها المسلمونَ، مشاركةُ النصارى في أعيادهم لا تقتصرُ على الحضور فقط، بل هناكَ صورٌ أخرى كالتَّهنِئَةِ بالقول ,أو إهداءِ الشُّموعِ والوُرُودِ والْحَلَوياتِ،أو تأجيرِ الفنادقِ و المسارحِ و المجمَّعاتِ ! لِيقِيمُوا فيها حفلاتِهم وأعيادِهم، فإنَّ هذا من التَّعاونِ على الإثمِ والعدوانِ،قال الإمامُ مالكٌ رحمه اللهُ:"لا يَحِلُّ للمسلمينَ أنْ يَبِيعوا للنَّصارى شيئاً من مصلحةِ عيدِهمْ لا لحْماً ولا ثوباً ولا يُعَانُونَ على شيءٍ من دِينِهم لأنَّ ذلك من التَّعظيم لِشركِهم وعونِهم على كُفرهم،وينبغي للسلاطينِ أنْ يُنَبِّهوا المسلمين على ذلك" إخوةَ الإيمان، مشاركةُ النَّصارى بعيدِهم خطرٌ وخَلَلٌ في العَقِيدةِ ! فكيف يرضى مسلمٌ أنْ يُشَارِكَهم وهو يقرأُ قولَ الله تعالى: مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ مّن رَّبّكُمْ . كيف يشاركُ المسلم بعيدِ الكفَّاِر وهو يقـرأُ قـولَ الباري: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ بل كيف يجامل المسلمُ على حسابِ عقيدتِهِ ويشاركُ النَّصارى في شعائِرِ كُفرِهم وهو يقرأُ قولَ الحقِّ سبحانه: إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ
فيا أيُّها المسلمون، اتقـوا الله تعالى في دِينِكُم وعَقِيدَتِكُم وثوابِتِكُمْ، واشكروا نعمته عليكم أن هداكم للإسلام، وخَصَّكم بمحمد نبيِّ الرَّحمةِ والسَّلامِ، وجعلَكُم مِنْ خَيرِ أُمَّةٍ أخرجت للنَّاس. واعتَزُّوا بدينِكُم، فدِينُكُم غَنيٌّ بالعقيدةِ الصحيحةِ، والشريعةِ العادلةِ، والأخلاق الفاضلةِ. ولا تَغتَّرُوا بِما يَفْعَلُهُ الْمُترَفُونَ! وخذوا على أيدي السُّفهاءِ الذين لا يعقلونَ !ممن شدَّوا رحالَهم لِمشاركة النَّصارى في أعيادِهم، ثم يَرْجِعُوا وقد حَمَلُوا أوزَارَهُم على ظُهُورِهم، ألا سَاءَ ما يَزِرُونَ !؟ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ هذا وصلُّوا وسلِّموا على سّيِّدِ الأولينَ والآخِرِينَ، وأَفضَلِ الْخَلقِ أَجمعينَ، مُحَمَّدٍ الأمينِ كما أَمَرَنا ربُّ العالمين. فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله الطَّيبينَ الطَّاهرينَ، وارضَ اللهم عن الخلفـاءِ الراشدينَ، وعن الصحابةِ أجمعينَ، والتابعينَ لهم بإحسـانٍ إلى يـوم الديـن. اللهم أَرِنَا الْحَقَّ حَقَّا وارزقنا إتباعَه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم أَحْيِنا مُسلمين وتوفَّنا مسلمينَ غير مُبدِّلينَ ولا مُغيريِّنَ. اللهم يا مُقلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّت قُلُوبَنَا على دِينِكَ. ربَّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنِّك أنت الوهاب. اللهم أصلح شَأْنَنَا كُلَّه ووفِّق ولاتَنا وعلماءَنا إلى ما تُحبُ وترضى وخذ بنواصينا للبر والتقوى، اللهم انصر دينكَ وكتابك وسنةَ نَبِيِّكَ وعبادَك الصالحين، ربَّنا اغفر لنا ولإخوانِنِا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعلْ في قُلُوبِنا غِلاًّ للذين آمنوا ربَّنا إنِّكَ رؤوفٌ رحيمٌ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
بواسطة : admincp
 0  0  13.9K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 12:41 مساءً السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.