• ×

09:09 صباحًا , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 03-02-1432هـ بعنوان قيمة المؤمن وفضله عند الله تعالى

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمد لله أكرمنا بالإيمان , وأعزَّنا بالإسلام ,وتفضل علينا بالقرآن, وهدانا ببعثة سيِّد الأنام, وأدام علينا الأمن والأمان, نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام ,ونشهد أنَّ محمداً عبد الله ورسوله بعثه الله رحمة وأمانا للأنس والجان , صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى جميع الآل والأصحاب والأعوان, ومن تبعهم بإحسان على مرِّ الزَّمان ,
أمَّا بعد : فاتقوا الله عباد الله حق التقوى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)
أيُّها المؤمن الكريم : هنيئا لك هذا الوصف والعنوان , هنيئا لك هذا الفخر والغزُّ والامتنان , أنت من يناديك الله من فوق سبع سماوات فيقول ( يا أيها الذين آمنوا ) نعم أنت ! أنت يا من نطقت بشهادة ألا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله قلت ذلك بلسانك واعتقدت ذلك بقلبك وأخلصت لله فعملت صالحا أتدري من أنت ؟ أنت من يستغفر لك الملائكة المقربون ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا )
ألا تعلم أنَّ الأنبياء الكرام يدعون لك ويستغفرون لك لأنك مؤمن وتعمل صالحا وبهذا أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فقال : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) هل خطر ببالك أنَّ الله عز وجل وعلا وهو الغني القادر القوي القاهر (يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) أتدري لماذا ؟ لأنك محبوبٌ عند الله وعند عباد الله , يقول تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا )
هل أدركت أيُّها المؤمن بِمَ حُزتَ هذا الشرفَ العالي وتلكَ المكانةَ الرفيعةَ ؟! إنَّها بأيمانِكَ بالله وعملك الصالح , فلا ترضَ بأقل من ذلك . لِيَكُن تحقيقَ الإيمانِ همُّكَ وشغلُك الشاغل , لتكن المحافظةُ على دينك وإيمانِك وعملِك الصالحُ هو دأبُكَ ورأسُ مالك ,
إي والله إيمانُكَ هو رأسُ مالك, فلست بجنسك ولا مالك!ولا بلغتك ووطنك!ولا بمنصبك وثرائك ! أنت كريمٌ بإيمانك وعملك الصالح و ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) لقد اصطفاكَ اللهُ واختارك وشرَّفك بهذا الوصف العزيز فاعرف لهذا الوصف قدرَه وأنزله منزلته فخلقُ الله كثير ولكنَّ الله اصطفاك من بينهم(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) لقد وصفَ اللهُ من لم يؤمنوا و اتَّبعوا أهوائَهم بأنَّهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا ! ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) أيُّ حياةٍ لهم هذه وأيُّ وصف أبشعُ من هذا الوصف !؟ كالأنعام !! بل هم أضل من الأنعام وأردى ! لأنهم اتبعوا الهوى ولم يتَّبعوا الإيمان والهدى , فكن مؤمنا قويا بالله تعالى قويا بإيمانك معتزّا بدينك ( فالمؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف وفي كلًّ خير ) أنت في جميع أحوالك على خير كما بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنَّ أمر المؤمن كلَّه له خير إن أصابته سراءُ شكر فكان خير له وإن أصابته ضراء شكر فكان خير له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ) أنت تألف الناس وتحبّهم ويحبُّك الناس ويألفوك , وغيرك لا هذا ولا ذاك ( فالمؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس ) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدري ما مصداق إيمانك ؟ هل تريد علامة على صدق إيمانك ؟ اسمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ( إذا سرَّتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن )


وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل المؤمنين كمثل النحلة إن أكلت أكلت طيبا وإن وضعت وضعت طيبا وإن وقفت على عود نَخِرٍِ لم تكسره ومثل المؤمن كمثل سبيكة الذَّهب إن نفختَ عليها احمرَّت وإن وُزِنت لم تنقص )
ألا تعلم أيُّها المؤمن المصلِّي أيُّها المؤمن المتقي لله أنَّك في نعيمٍ تحسد عليه , أنت تقرأ كلام الله تعالى وتتدبر معانيه وتتلوه أناء الليل وأطراف النهار فأنت كالأترجَة ريحها طيب وطعمها طيب وغيرك محروم من كتاب الله تعالى فكتاب الله (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) أنت تقف كل يوم خمس مرات بين يدي ربِّك وتناجي ربك وتقول : (الحمد لله رب العالمين) فيقول لك تعالى : حمدني عبدي , وتقول : ( الرحمن الرحيم ) فيقول الله لك : أثنى عليَّ عبدي وتقول : ( مالك يوم الدين ) ويقول الله لك : مجدني عبدي , فإذا قلت : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال الله لك : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل أي كرامة لك أيها المؤمن وأي عزٍّ لك ؟ حُقَّ لك أن تفتخر بدينك وإيمانك (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
أيُّها المؤمن: هذا الوصف الذي ارتضاه الله لك واصطفاك فيه من بين سائر البشر , هل تقدر له قدره ؟ وهل تأخذه بحقِه !؟
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى .
اتللهم إنا نسألك إيمانا صادقا وعملا صالحا متقبلا .
اللهم أملئ قلوبنا بحبك وتعظيمك يارب العالمين .
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله يقضي بالحق, ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم, نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير , ونشهد أنَّ محمدا عبدالله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المصير,
أما بعد : فاتقوا الله يا مؤمنين واعلموا أنَّ الإيمان ليس بالتمنّي ولا بالتحلّي ولكنَّ الإيمان الراسخ ما وقر في القلب ورسخ في وصدقته الأعمال بفعل الطاعات واجتناب مناهيه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)
فالإيمان الصادق ينتج قولا سديدا, وعملا صالحا رشيدا, ينتج حبَّ الله ورسوله وحسنَ الاقتداء وكمالَ الإتباع . الإيمانُ جِدٌّ وعمل ومثابرة ومصابرةٌ, وحبسٌ للنَّفس على ما تكره من الطاعات ومنعٌ لها عمَّا تحبُّ من المعاصي والملاهي! وأنت أيُّها المؤمن الكريم: قد امتن الله عليك بلسان شاكر وقلب ذاكر , أنت مطيعٌ لله خاشعٌ لربك متمثل لأوامره ( فلا يؤمن أحدكم حتى يكون هداه تبعا لما جئت به ) كما قال ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم , والله تعالى يقول (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
أنت أيُّها المؤمن: تحبُّ لإخوانك ما تحبه لنفسك وتكره لهم ما تكرهه لنفسك, أنت كالبنيان المرصوص لإخوانك لا تظلم أحدا ولا تسبُّ أحدا ولا تشتم أحدا, أنت دائما في حاجة إخوانك وتفرّج عنهم كرباتهم فهنيئا لك الإيمان والعمل الصالح , حاشاك أن تكون من أهل الفحش والبذاءة وسوء الخلق ( فليس المؤمنُ بالطَّعانِ ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) ألا تعلم أيُّها المؤمن: أنَّ فضل الله عليك كبير حتى بعد مماتك (فإذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقةٍ جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له )
إذا عرفت ذلك أيُّها المؤمن وتذكرت قيمتَكَ وقدرك وأدركت منزلتك عند الله تعالى فلا يبقَ أمامك إلا التمسكُ بهذا الإيمان العظيم وأن تحافظ عليه ,
فإنَّ الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والسيئات ثم تذكر أنه ( لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ) فحافظ على دينك وإيمانك فهو عزُّك ورأسُ مالك , ثم اعلم أنَّ هناك أسبابا تزيد الإيمان وتثبِّته وأخرى تزيله وتضعفه
والإيمان له ثمرات لذيذة المذاق من لم يذقها في الدنيا لن يذوقها يوم القيامة , جماعها قول الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا ونحن في انتظار فريضة من فرائضك ونسألك بأنا نشهد الله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد نسألك أن تحبب إلينا الإيمان وأن تزينه في قلوبنا وأن تكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وأن تجعلنا من الراشدين
اللهم إنا نسألك إيمانا صادقا ولسانا ذاكرا وعملا صالحا متقبلا
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة
اللهم أحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير والموت راحة لنا من كل شر يارب العالمين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
ربَّنا اغفر لنا ولإخوانِنِا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعلْ في قُلُوبِنا غِلاًّ للذين آمنوا ربَّنا إنِّكَ رؤوفٌ رحيمٌ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
بواسطة : admincp
 0  0  7.0K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:09 صباحًا السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.