• ×

07:13 صباحًا , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 24-02-1432هـ بعنوان نعمةُ الإيمانِ وثمارهُ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله أنعمَ علينا بالأمانِ والإيمانِ,نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له المِلكُ الدَّيانُ, ملائ قلوبَ المؤمنينَ محبةً له وتعظيماً, ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ اللهِ ورسولُه أخلصُ الخلقِ إيماناً ويقيناَ,صلَّى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ وسلَّم تسليماً مزيداَ . أمَّا بعدُ :
فيا أيُّها النَّاسُ:اتقوا اللهَ حيثما كنتم ,وقوموا بالأمر الذي من أجلِه خُلقتم! تطيبْ لكم حياتُكم ويحسنْ لكم مآلكم فقد قال اللهُ جل وعلا : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ )
أيُّها الكرامُ : يَتصوَّرُ بعضُ إخوانِنا أنَّ الحياةَ الهانِئَةَ مُقترِنَةٌ بالأضواءِ البرَّاقةِ !أو المناصبِ الخدَّاعة!ويتصوَّرُها آخرون أنَّها بجمعِ الأموال ! أو الانغماسِ في أوحالِ الشَّهواتِ ! بل وبعضُ النَّاسِ أجاركم اللهُ يظنُّ السَّعادَةَ بشُربِ الخمور وتعاطي الْمُخدِّرات !وكلُّ أولئك على غير الجادَّةِ, مصداقُ ذلكم أنَّكم تجدون فِئاماً من النَّاس أهلُ بذخٍ وثَرَاءٍ ويَعِيشُونَ ألواناً من النَّكَدِ والشَّقاءِ! وبمقابِلِهم نَعيشُ مع أناسٍ قد سَعِدوا في هذه الدُّنيا وَرضُوا بما أُتوا , فصارت نُفُوسُهم مُطمَئِنَّةً ويَتَمَثَّلُونَ بأخلاقٍ كَريمةٍ وسجايا حَميدَةٍ ! إذاً مالذي فرَّق بين الفريقينِ وباعد بينهم بُعد الْمشرقين !؟ إنَّه الإيمانُ الذي له مَذاقٌ خاصٌ وحلاوةٌ فريدةٌ! مَنْ ذَاقَ طَعْمَهُ زَهَدَ في كلِّ شيءٍ وَمَن فَقده لَهَثَ وَرَكَضَ خَلْفَ كلِّ شيءٍ ! يقول المولى جلَّ وعلا : مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ كَتَبَ المفسرون أقوالاً عِدَّةً في معنى الحياةِ الطَّيبةِ في الآية الكريمة، ولكنَّ ابنَ القيِّمَ رحمه الله وجَّه الأنظارَ إلى معنًى أعمقَ فقال: "الصَّوابُ أنَّها حياةُ القلبِ ونعيمُه وبهجتُه وسرورُه بالإيمانِ ومعرفةِ اللهِ ومحبَّتِه والإنابةِ إليه والتوكُّلِ عليه، فإنَّه لا حياةَ أطيبَ من حياةِ صاحبِها! ولا نعيمَ فوقَ نعيمِه إلا نعيمُ الجنَّةِ،وإذا كانت حياةُ القلبِ طيِّبَةً تبِعتُهُ الجوارحُ، فإنَّه مَلِكُها"
عباد الله : الإيمانُ هو السُّكونُ والراحةُ, والقناعةُ والرضا , فلا أَرَقَ ولا قَلَقَ, مع الإيمان ! بل مع الإيمانِ الرحمةُ والنَّعيمُ ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )
الإيمانُ عبادَ الله: هو التَّصديقُ بأنَّ اللهَ هو مَلِكُ هذا الكونِ ومالِكُهُ؟! وأنَّه خالقُ كلِّ شيء، وربُّ كلِّ شيءٍ، هو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، يعتقدُ ذلكَ بقلبهِ , وينطقُ بذلكَ لسانهُ ,وتعملُ بذلكَ جميعُ جوارحِهِ , وأنَّ الإيمانَ يزيدُ بالطَّاعةِ وينقصُ بالعصيان , وأنَّ أعلى مراتِبِهِ كما قالَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّمَ: ( الإيمانُ بِضعٌ وسبعونَ شُعبَةً أعلاها قولُ لا إله إلا اللهُ وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريقِ ) هذا هو المفهوم الشاملُ الواضحُ للإيمانِ لا كما يعتقِدُ بعضُ أهلِ الضَّلال! فإذا آمنَ العبدُ بذلكَ فقد وَجَبَ عليه أن لا يخشى إلا اللهََ، وأن لا يبتغيَ العزةَ إلا في طاعتِه ,وألاَّ يَذلَّ إلا لِعَظمتِه،وألا يتعلَّق قلبُه بسواه، وأن يلجأ إليه وحدَه ، حينئذٍ تَطمَئِنُّ نفسُه، ويقوى قلبُه؛ و يأوي إلى ركنٍ شديد، وهذا ما يجعلُ نفسَه دائماً مُطمئنَّةً وحياتَه طيبةً.
أيُّها المؤمنون : الإيمانُ الحقُّ هو الخوفُ من الجليلِ الذي يقودُ لفعلِ الجميلِ وتركِ القبيحِ, سواءً من الاعتقاداتِ الباطلةِ أو الأقوالِ الآثِمَةِ أو الأعمال الْمَشِينةِ , الإيمانُ الرَّاسخُ: اعتقادٌ لهذا المبدأِ الجليلِ وثباتٌ عليه دونَ تَرَدُّدٍ ولا ارتيابٍ كما قال اللهُ تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) الإيمانُ يا مؤمنون : قامَ على أركانٍ ستةٍ من أَقامَها هُدي إلى صراطٍ مُستقيمٍ ومن أنكرَها أو كَفَر بواحدٍ منها فهو من الكافرين قال تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) وقال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وفي حديثِ جبريلَ عليه السَّلامُ الذي جاءَ فيه لِيُعلِّمَ الصَّحابةَ أمرَ دِينِهم قال : يا محمدُ ما الإيمانُ ؟ فأجابَهُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّمَ ( الإيمانُ أنْ تؤمنَ باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسُلِهِ واليومِ الآخر وتؤمنَ بالقَدَرِ خيرِه وشَرِّهِ ) رواه الإمامُ مسلمٌ
هذه يا مؤمنونَ هي أركانُ الإيمانِ من حقَّقَها وجَد طعمَ الإيمانِ وذاقَ حلاوتَهُ كما قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّمَ : ( ذاقَ طعمَ الإيمانِ من رضيَ باللهِ ربَّا وبالإسلام دِيناً وبِمحمدٍ رَسُولاً ) فاللهم زِدنا إيْمَاناً ومحبةً ويقيناً لك ياربَّ العالمينَ, رضينا بالله ربَّا وبالإسلامِ ديناً وبمحمدٍ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّمَ نبيَّاً ورسولا, أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍّ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمد لله جعلَ نفوسَ المؤمنينَ في الدُّنيا مُطمئنةً ويومَ القيامة راضيةً مَرضيِّةً ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له,له الحمدُ وعَظِيمُ الْمِنَّةُ على ما حبانا من الإيمانِ والكتابِ والسُّنَّةِ, ونشهد أنَّ محمداً عبد اللهِ ورسولُه بعثهُ اللهُ رحمةً وأمانا لكلِّ الأمَّةِ ,صلى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّين ,
أمَّا بعدُ :فاتقوا الله عباد الله حقَّ التَّقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى
واعلموا أنَّ الإيمان بالله تعالى توفيقٌ من اللهِ ومنَّةٌ قال تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )
أيُّها المؤمنُ : حلاوةُ الإيمانِ لها ثمنٌ باهظٌ، وسلعةٌ غاليةٌ ، فإن كنتَ تُرِيدُها فقد أرشدَكَ إليها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّمَ حين قال: (( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ : أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سَوَاهُمَا ، وَأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ الله مِنْهُ ، كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ )) ذلكَ بأن يكونَ اللهُ في قرآنِه والرَّسولُ في سنَّتِهِ أحبَّ إليكَ من أيِّ شيءٍ، فحينما تتعارَضُ مَصالِحُك مع الشَّرعِ تُقدِّمُ الشَّرعَ ورضا اللهِ تعالى! ومَحَبَّةُ الرسولِ تعني أن لا يَتَلقَّى الْمُسلمُ شيئًا من المأموراتِ أو الْمنهياتِ إلاَّ من مشكاتِه !
وثمنُ حلاوةِ الإيمانِ كذلكَ أنْ يبنيَ المؤمنُ علاقاتِه على أساسِ الإيمان؛ يوالي المؤمنينَ ولو كانوا ضِعافًا وفقراءَ، ويُبغِضُ العُصاةَ ولو كانوا أقوياءَ وأغنياءَ. واللهُ تعالى يقولُ: الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ
وثمنُ حلاوةِ الإيمانِ كذلكَ أن تكرَهَ أن تعودَ في الكفرِ كما تكرهُ أن تُقذَفَ في النَّار. فهناكَ صنفٌ يعبُدُ الله على حرفٍ؛ فإن أَصابَه خَيرٌ اطمَأَنَّ به وإن أَصابَته فتنَةٌ انقَلبَ عَلى وَجهه خَسرَ الدُّنيَا وَالآخرَةَ، والمؤمنُ الحقُّ : ثابِتُ الْجَنَانِ، صاحبُ طاعةٍ، في الْمَنْشَطِ والْمَكْرَهِ، في الفقرِ والغِنى، وفي الصحَّة والمرض! أيُّها الْمُكرَّمُ : الذي يذوقُ طعمَ الإيمانِ لا يتَزحزَح عن دينه ولا يحيدُ، فقد وضَعوا على صدرِ بِلالٍ رضي الله عنه صخرةً في حَرِّ الظَّهيرةِ ليكفُرَ باللهِ وبرسولِهِ فكانَ يقولُ: (أَحَدٌ أَحَد فَردٌ صمَد). وخُبَيبُ بنُ عَدِيٍّ رضي الله عنه يُعذَّبُ ويُصلبُ ويقالُ له: أتحبُّ أنْ يكونَ محمَّدٌ مكانَكَ فيقولُ: (واللهِ، ما أحبُّ أن أكونَ في أهلي وولَدي !ويصابَ رسولُ اللهٍ بشَوكةٍ).
أيُّها المباركُ: إذا أردتَ حلاوةَ الإيمانِ فعليكَ بِتَدَبُّرِ القرآنِ , واستشعارِ عَظَمَةِ الرَّبِّ عزَّ وجلَّ, بمعرفةِ أسمائِه وصفاتِه وبكثرةِ ذِكرِهِ وبالتَّفكُّرِ في مَخلوقَاتِه، واللهُ تعالى يقولُ: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
يا من تُريدُ أنْ تُقوِّيَ إيْمَانَكَ عليكَ بِطلبِ العلمِ الشَّرعيِّ والإكثار من العملِ الصالحِ
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أكثروا من دعاءِ اللهِ تعالى فقد قال رسولُ الله : ((إنَّ الإيمانَ لَيَخلَقُ في جوفِ أحدِكُم كما يَخلَقَ الثوبُ الْخَلِق، فاسألوا الله أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكُم)) فهلاَّ سَعَينا عبادَ اللهِ: بعملٍ مُخلَصٍ ومثابَرَةٍ جادَّةٍ لِنَذُوقَ حلاوةَ الإيمانِ ونعيشَ طعمَهُ ! وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا
فليس الإيمانُ بالتَّمَنِّي ولا بالتَّحلِّي ولكنَّه ما وَقَرَ في القلبِ وصَدَّقَهُ العمَلُ !!
عباد اللهِ:صلُّوا وسلِّموا على الرَّحمة المهداة والنِّعمةِ الْمُسداةِ، محمَّدٍ ،فقد أَمَرَ اللهُ بذلك فقال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا
فاللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك محمَّدٍ وعلى آله وأصحابهِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدينِ. اللهم زيِّنَّا بزينةِ التَّقوى والإيمان
اللهم املئ قلوبَّنا بحبِّك وتعظيمِك الله ووفِّقنا لما تحبُّ وترضى يا أرحم الراحمين
اللهم طهِّر قلوبَنا من النفاق وأعمالَنا من الرياء وألسنتَنا من الكذبِ وأعيننا من الخيانةِ.
اللهمَّ ثبِّتنا بالقول الثابتِ في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهادُ , اللهم وحِّد صفوفَ المسلمين, واجمع كلمتهم على الحقِّ والدِّينِ, واجعل ولاتَهم رحمةً على رعاياهم , واهدهم سبل السلام, واكفنا وإيَّاهم شرَّ الفواحشِ والفتن ما ظهر منها وما بطن ياربَّ العالمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
بواسطة : admincp
 0  0  2.1K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 07:13 صباحًا السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.