• ×

12:41 مساءً , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 13-04-1432هـ بعنوان زلزالُ اليابان دروسٌ وعبر

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 الحمدُ لله خَلَقَ فقدَّر، ومَلَكَ فدبَّر، سبحانَهُ ما أقدمَ سُلطانَه، و أوسعَ حِلمَه وغُفرَانَهُ, سبَّحت له السمواتُ وأملاكُها، والنُّجومُ وأفلاكُها، والأَرَضُونَ وسُكَّانُها, نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، أظهَرَ الأدِلَّةَ على قُدرتِهِ وجلاَّها، وتَوَعَّدَ أهلَ الشِّركِ والإجرامِ بالنَّارِ وَلَظَاهَا، الَّلهمَّ إنَّا نبرأُ إليكَ من قلوبٍ خَلَتْ من هُدَاها، وأُشرِبَتْ هَوَاهَا، وَبَلَغَتْ من الإِشراكِ مُنْتَهَاهَا، ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا محمدًا عبدُ الله ورسولُهُ، خيرُ البَرِيَّةِ وأزكاها، وأفضلُ الخَلْقِ شَرَفًا وَجَاهًا، بعثهُ اللهُ إلى البَشَرِيَّةِ أَدْنَاها وأَقْصَاها، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آله الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ , وَصَحَابَتِهِ الْمُكَرَّمينَ , ومن تَبِعَهُم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّينِ. أمَّا بعد: فاتَّقوا عبادَ اللهِ حقَّ التَّقوى واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوثقى . في يوم الْجُمُعَةِ الماضي صَافِرَاتُ الإنذارِ دَوَّت في أرجاءِ المدنِ والْجُزُرِ! وقالتِ السُّلطاتُ للنَّاسِ أُهربُوا أهربوا ! وذلكَ بعدَ أمرِ اللهِ تعالى للأَرضَ في قاعِ الْمُحِيطِ أنْ تَتَحَرَّكَ وتَضْطَرِبَ!فبعدَ ثوانٍ مَعدُودةٍ!تَتَزَلزلُ الأرضُ بقوَّةِ تسعِ درجاتٍ! فَتَسِيرُ على إِثْرِها بإذنِ اللهِ مَوجاتُ مَدٍّ أَرْسَلَت أمواجَها كالجبالِ، بسرعةٍ هائلةٍ , واندفاعٍ عَنِيفٍ ! لِتَضرِبَ سواحلَ اليابانِ، وَتَقْتَلِعَ كُلَّ ما يُواجِهُهَا مِنْ مُنشآتٍ وَسُفُنٍ! وَأَحجَارٍ وبَشَرٍ! ومَراكِبَ وشَجَرٍ! وبُيُوتٍ وسيَّاراتٍ وَمَدَرٍ، لقد ابتلعت مصانعَ ومنازلَ فلم يبقَ لها أَثَرٍ! وصارت خَبَرًا يَتَحَدَّثُ عنها البَشَرِ!وغَمَرتِ المياهُ مُدناً فأضحت مقطوعةً لا تَصِلُها إلا الْمُروَحِيَّاتُ! فالقتلى أكثرُ من عَشَرَةِ آلافٍ !والخسائرُ بالملياراتِ ! فَتَحَوَّلَ الأمنُ خَوفًا ! والحياةُ مَوتًا ! والعامِرُ خَرَابًا! وأضحت مَدِينَةُ اليابانِ النَّاضِرَةِ يَبَابًا! فاستبدَّ الألمُ بالجميع حتى خُيِّلَ إليهم أنَّ القيامةَ قامت!
فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ولقد تعالتِ الصَّيحاتُ وازدادتِ المخاوفُ من انتشارِ السُّمُومِ جراءَ الإنفجاراتِ النَّوويَّةِ الْمُهلِكَةِ ، فأصبحَ ملايينُ البَشَرِ مُهدَّدينَ بعد أنْ كانوا مُطمَئِنِّينَ ! فسبحانَ اللهِ العظيمِ !! والمسلمُ يقفُ مع الحَدَث لأخذِ الدُّرُوسِ والعِبَرْ فمنها: أنْ نؤمنَ أنَّ كلَّ حركةٍ في الكون إنَّمَا هي بأمرِ الله وقدرتِه، فهو الذي يَخلقُ السَّببَ ويَجعَلُ لهُ ذاكَ الأَثَرَ، قال جلَّ وعلا: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا فهذا قضاءُ اللهِ وقَدَرُهُ! وسبحانَ الخالقِ الزلازلُ لا تَقَعُ إلا بَغْتَةًً ! فعندما تتحرَّك الأرضُ بصوتِها الْمُخيفِ ودويِّها الرَّهيب ! يشعُرُ الإنسانُ بجلالِ اللهِ وعَظَمَتِهِ وسلطانِه ،قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) فَيُدْرِكُ الْخَلْقُ كلُّهم أنَّهم مُلكُ اللهِ وعبيدُهُ راجِعونَ إلى حُكمِه وتَدْبِيرِهِ، والمؤمِنونَ على يقينٍ تامٍّ أنَّ أفعالَ الله عزَّ وجلَّ تَتَضَمَّنُ حِكَمَاً وإنْ غابتْ عن عقولِنا ! وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا أيُّها المؤمنونَ: صدق اللهُ العظيمُ : وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً فأينَ التَّطوُّرُ العلميُّ والقَمَرُ الصِّنَاعِيُّ ؟! أينَ التَّقنياتُ العاليةُ التي عُرفت بها اليابانُ عن صَدِّ هذا الحَدَثِ أوالتَّنَبُؤِ لهُ ؟! إنَّها رسالةٌ لمن اغترَّ بِعلمِهِ !وخُيِّل إليه أنَّه بَلَغَ الآفاقَ! أنَّه ضعيف أمامَ قُدرةِ اللهِ، عاجزٌ عن دَفعِ أَمرٍ كتَبَه الله عليه : فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْب

إنَّهم قومٌ وثنِيِّونَ ,وفي دُنياهُم غَافِلونَ ,ولعبادةِ اللهِ جَاحِدُونَ فَأتاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ قال سبحانه: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ أُمَّةٌ مادِّيَّةٌ لاهيةٌ, واللهُ تعالى يَغَارُ وغيرةُ اللهِ أنْ تُنتَهكَ مَحارِمهُ ! وقد قال نبيُّنا محمَّدٌ : ( يا أمَّةَ مُحَمَّدٍ، واللهِ ما مِنْ أحدٍ أغْيَرَ مِنَ اللهَ أنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أو أنْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ ) ولَمَّا قِيلَ لِرسولِ اللهِ: أَنَهلِكُ وفينَا الصَّالِحونَ؟قال: (نعم،إذا كثُر الخَبَثُ) عبادَ اللهِ: سبحانَ مَنْ جعلَ الماءَ سِرَّ الحياةِ والبَقََاءِ! ثُمَّ قَلَبَهُ بأمرهِ لِيكونَ سببًا في الدَّمارِ والفناءِ، فسبحانَ من يُقَلِّبُ الأسبَابَ ويُغَيِّرُ الأَحوالَ! اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
أيُّها المؤمنونَ: تلكَ الزَّلازلُ تُبَيِّنُ قيمةَ الدُّنيا وقدرَها ومآلها، وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ وهيَ في ذاتِ الوقت تُوقِظُنا من رَقدَتِنَا لِنَتَذَكَّرَ الآخرةَ! أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ زلزالُ الدُّنيا أراضٍ تَرتَجِفُ ومَبَانٍ تَتَسَاقَطُ! أمَّا زِلزالُ الآخرةِ ففيها تذهَلُ الْمَرَاضِعُ، وتَضَعُ الْحوامِلُ، ويكونُ النَّاسُ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ عباد اللهِ : نظرةُ المؤمنِ للكوارثِ والأحْدَاثِ , نظرةُ إيمانٍ وتوحيدٍ ! وتَأَمُّلٍ وعبادةٍ، تَجمعُ بين التَّسليمِ بالأقدارِ , والأخذِ بالأسبابِ، أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ
بارَكَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكر الحكيمِ، أقول ما سمعتم، وأستغفِر اللهَ لي ولكم، فاستغفروه إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

معنى الإصلاح وتحريم المظاهرات الحمدُ لله ربِّ العالمين، أمرَ بالإصلاح ونهى عن إتِّباع سبيلِ المفسدين ، قائمٌ على كلِّ نفس بما كسبت، أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ .نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ المتقين، ونشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبده ورسوله القويُّ الأمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ .
أمَّا بعد: أيُّها المؤمنونَ، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنَّ من أعظمِ شعائرِ الإسلامِ النَّصيحةُ لكلِّ مُسلمٍ، فهي دأْبُ الأنبياءِ والمرسَلينَ،فقد قالَ نوحٌ عليه السلام: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ ، واشترَط النبيُّ على أصحابه النُّصحَ لكلِّ مسلم. والنَّصيحةُ من حُقِّ المسلِم على أخيهِ المسلِم، فقد قال عليه الصلاة والسَّلام: ( حقُّ المسلِم على المسلِم ستٌّ: ومنها وإذا استَنصَحَك فانصَح له،)
ودين اللهِ قائمٌ على النَّصيحة (لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ).
والأمَّةُ التي تريدُ الاستقرارَ والعيشَ الهنيءَ فعليها بِنُصحِ من أَرشدَ الرسولُ لِنُصحِهم! وفي زَمَنِ الشُّبهاتِ والفتنَ فلا أسلَمَ من الاعتصامِ بالكتابِ والسنَّةِ ولزومِ غرزِ العلماءِ الرَّبانيِّنَ ! فالثباتَ الثباتَ في زَمنِ الزوابِعِ والتقلُّبات، فلا رسوخَ لقدَمٍ ولا بقاءَ لمجدٍ ! إلا بالتمسُّكِ الصادِق بكتابِ الله وسنة رسوله ،
عباد اللهِ: وَمِنْ تَشْرِيعَاتِ الإِسْلَامِ وتَقرِيرَاتهِ مُجَانَبَةُ الفِتَنِ وَأَهْلِهَا، وَالتَحْذِيرُ مِنْ مَسَارِبِهَا وغوائِلها، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ : ( إِنََّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إِنََّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنََّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنَّبَ الْفِتَنَ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.


لذا كان من الواجب علينا أن نضعَ أيدينا بأيدِ علمائِنا, الذين ما فَتِئُوا يُناصِحُونَ الرُّعاةَ والرَّعيةِ فعلينا أنْ نَحذُوَ حَذْوَهُم وأنْ نَتَواصَلَ معهم بكلِّ ما يعِنُّ لنا ويُشكلُ علينا فهم أهلُ أمانةٍ ودِيانةٍ وعليهم مسؤوليةٌ عظمى , فلقد أصدروا البياناتِ مُحَذِّرينَ من مغبَّةِ المظاهرات التي من شأنها أنَّها تُؤَدِّي إِلَى تَبَاعُدِ القُلُوبِ وَتَبَاغُضِهَا، وَاخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ وَافْتِرَاقِهَا، وتُؤَدِّي إلى الِاضْطِرَابِ، وَتقْضِي عَلَى الاسْتِقْرَارِ الَذِي هُوَ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ ضَرُورِيٌ، فَالخَيرُ في بلادنا حُكََّامًا وَّمَحْكُومِينَ أَنْ تَأْتَلِفَ قُلُوبُهُمْ، وَتَجْتَمِعَ كَلِمَتُهُمْ، وَيُطْفِئُوا مَشَاعِلَ الفِتْنَةِ فِيهِمْ، وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَينِهِمْ.
حَمَى اللهُ تَعَالَى بِلَادَنَا وَبِلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، وَأَدَامَ عَلَينَا وَعَلَى المُسْلِمِينَ الأَمْنَ وَالاسْتِقْرَارَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
اللهم يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلوبَنا على دينك، وصراطِك المستقيم . اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ياربَّ العالمين. اللهم إنَّا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظهر منها وما بطن ياربَّ العلمين. اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر ياربَّ العالمين . اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنَا لِمَا تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى,وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ياربَّ العالمين . اللهم كن لإخواننا المستضعفين والمضطهدين في كلِّ مكانٍ ياربَّ العالمين رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكُركم واشكروه على عمومِ نعمه يَزِدْكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعونَ.


بواسطة : admincp
 0  0  1.6K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 12:41 مساءً السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.