• ×

04:10 مساءً , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 22-07-1432هـ بعنوان حتى تكونَ إجازتُكَ سَعيدةً ؟

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله خلَق الإنسانَ ولم يكن شيئًا مَذكورًا، أحسَن صورتَه وجعله سميعًا بصيرًا، أرسَل إليه الرسلَ وهداه السبيلَ إمَّا شَاكرًا وإمّا كفورًا، نشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له إنَّه كان حليمًا غفورًا، ونشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانةَ فكان لله عبدًا شكورًا، صلَّى الله وسلَّّم وبارك عليه وعلى آلِه وأصحابه رجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدوا الله عليه فكان جزاؤهم جزاءً موفورًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلَّم تسليما مزيدا,
أمَّا بعدُ: فيا عبادَ الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي العاصمةُ من الفتن، والمنجيةُ من المهالك ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب
أيُّها المسلمون: الوقتُ هو مادَّةُ الحياة، والأعمالُ الصالحةُ هي أغلَى الذَّخائرِ، والعُمرُ أثمنُ بضاعةٍ، والحسرةُ والخَسارُ لمن قصَّر فيه وأضاعَه، ومِن علامات المقتِ إضاعةُ الوقت، وإذا أحبَّ الله عبدَه بارك له في عُمرِه, والخيرُ والتَّوفيق في بركةِ العمر، لا في طولِه و قِصَرِه، والمسلم يستعيذُ بربِّه من فتنة الْمِمات ومن فتنةِ الْمَحيا كذلك.
والخلقُ كلُّهم مأمورون بعبادةِ الله وحدَه لا شريكَ له، فاللهُ يقول: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وإنَّك لَتَغْبِطُ أناساً جعلوا الإجازةَ مَغْنَمَاً , نظروا إليها بفألٍ حسنٍ! وحرِصوا فيها على ما ينفعُهم فلم يَعْجَزُوا , تركوا التشكِّيَ والتسخُّطَ والتلاومَ, وأخذوا بدعاءِ نبيِّنا (اللهم إنِّي أعوذ بك من العجزِ والكسلِ ومن الجبنِ والبخلِ ) فاغتنموا صحتَهم وفراغَهم بما يرضي ربَّهم أخذاً من قولِ نبيِّنا: ( نعمتانِ مغبونٌ فيها كثيرٌ من الناسِ: الصحةُ والفراغُ ).
عبادَ الله : حصولُ الفراغِ وكمالُ الصِّحة نعمةٌ عظيمةٌ، قلَّ من النَّاس من يُدرِكُها ويستثمرُها بالنافع في الآخرةِ والأولى وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
فلمثلِ هؤلاء الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ نقولُ لهم: ثبَّتنا اللهُ وإيَّاكم على الطَّريق المستقيمِ وجنَّبنا سُبُلَ الشيطانِ الرَّجيم ،
فكأني بِهؤلاءِ القوم قد بدأو إجازتَهم بقراءةِ شيءٍ من القرآنِ الكريمِ، يُحيُون بهِ قلوبَهم, ويتمثَّلون قولَ المصطفى (خيرُكم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمَهُ) كأني بإخواني هؤلاء يَسْعَونَ جاهدينَ بأن يَخْتِمُوا القرآنَ في هذا الشهرِ الحرامِ الكريمَ قبل أن يُدركَهُم رمضانُ الْمُباركُ!
ثم صِنفٌ آخرُ من النَّاسِ موفَّقون في الإجازةِ , لزيارةِ الأقارب والأرحامِ، وهم يتصوَّرون ذلكَ الأعرابيَّ الذي أمْسَكَ بزمامِ ناقةِ النبيِّ ويقولُ يا رسولَ الله أخبرني بأمرٍ يُدخِلُنِي الجنةَ وينجِّيني من النَّار:؟فَنَظَرَ إلى وجوهِ أصحابِه وقال: (لقد وفِّقَ أو هُدي،لا تشركْ بالله شيئاً، وتقيمَ الصلاةَ، وتؤتيَ الزكاةَ وتصلَ الرحمَ )نعم حَرِصُوا على أرحامِهم خوفاً من العذاب الأليم إنْ هم قصَّروا في ذلكَ,فالنبيُّ يقول إنَّ اللهَ يقولُ : ( أنا اللهُ وأنا الرحمنُ خَلَقتُ الرحمَ واشتققتُ له اسماً من اسمي، فمن وصلَها وصلتُه، ومن قَطَعَهَا قطعتُه ) وصنفٌ ثالثٌ ارتبطَ مع أهلهِ وأولادهِ ارتباطَ القيدِ بالمعصَمِ فصار يأخذُهم لِمُتَنَزَّهاتٍ مُحتشِمَةٍ,وسفرياتٍ مُباحةٍ واللهُ يقولُ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
عباد الله: ومن الجوانب المضيئةِ في الإجازات الصيفيَّةِ , تلك المحاضنُ التربويةُ من دوراتٍ علميَّةٍ , وحلقاتٍ لتحفيظِ كتابِ الله وتعليمِهِ , ودوراتٍ مُكَثَّفَةٍ للقرآنِ والسُّنَّةِ تنتشرُ في بلدتِنَا للبنينَ والبناتِ بِحمدِ اللهِ تعالى ومنَّتهِ ، كما تنتشِرُ المراكزُ الصيفيَّةُ التي هي بِحقٍّ فُرَصٌ تربويَّةٌ , تحفَظُ الأوقاتَ، وتعينُ على الخيرِ وتُوَثِّقُ الصِّلاتِ بالرفقةِ الصالحةِ!.
أيُّها الكرامُ : وَفَضَلاً عَن هَذَا وذاك فَإِنَّ في الإجازاتِ فرصاً لأَعمَالٍ دُّنيَوِيَّةٍ مُبَاحَةٍ مِن تِجَارَةٍ َوصِنَاعَةٍ, ومِهَنٍ وحِرْفةٍ ،تنفي البَطَالَةَ وَالكَسَلَ الْمَمْقوتَةَ عقلاً وشرعاً، فَمَا عَلَى الأَبِ إِلاَّ أَن َيَطلُبَ لابنِهِ مَا يُنَاسِبُهُ , وَيُلحِقُهُ بِعَمَلٍ يَنفَعُهُ , وَيَشغَلُهُ عَمَّا يَضُرُّهُ وَيُفسِدُهُ.
فاللهم اجعل مُستقبلنا خيراً من ماضينا .وأصلح لنا نيَّتنا وذريَّاتِنا ياربَّ العالمين .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله الذي أعادَ وأبدا، أجزلَ علينا النَِّعم وأسدى، لا هاديَ لمن أضلَّ، ولا مُضلَّ لمن هدى، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له العليُّ الأعلى ، ونشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسولُه، أكرمُ رسولٍ، وأشرفُ نبيٍّ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وصحبه،أهلِ الْمَحَلِّ الأسمى , ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومٍ يَفِرُّ فيهِ الْخِلُّ من الأدنى .
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ فلا عِزَّ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ وَلا نجاةَ إِلاَّ بِتَقوَاهُ،
وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ
أَيُّهَا الكرام :عِندَ إِقبَالِ كُلِّ ِإجازةٍ يُمَنِّي المَرءُ نَفسَهُ بِأَمَانِيَّ كَثِيرَةٍ، فَإِذَا بِالأَمانيِّ التي عُقِدَت تَنَاثَرت، وَتَنقَضِي الإِجَازَةُ وَمَا قَضَى مُرِيدٌ مُرَادَهُ، (فلَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي , وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْب وَصَدَّقَهُ الْعَمَل )
أَلَيسَ مِنَ الخُسرَانِ أَنَّ لَيَالِيًا تَمُرُّ بِلا نَفعٍ وَتُحسَبُ مِن عُمرِي
لذا فإنَّ رسولنا أوصانا فقال : ( اِغتَنِمْ خمسًا قَبلَ خمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ )
فليس عقلاً أن تكونَ الإجازةُ ضياعًا للأوقات, وهدْرًا للطَّاقات, وركوبًا لأصناف المعاصي والآثامِ والمنكراتِ.
فبالله عليكم ماذا جنى أربابُ السياحةِ إلى بلادِ الكفَّار وبلادِ الفِسقِ والمجون ؟ إلا ضياعَ الدِّينِِ وضعفَ الغيرةِ والحياءِ والجرأةَ على مَعصيةِ الخالق سبحانَهُ وكسبَ السيئات والخطايا وهدرَ الأموال وتبذيرَ الثَّرواتِ؟ إلا مَنْ رَحِمَ ربُّك!
ماذا جنى أربابُ سياحةِ الطَّرب والغناءِ والمسارحِ والعروض؟ إلا الذنوبَ والآثام! فأين الخوف ُمن الله أين تحقيقُ التَّقوى والإيمانِ ؟
وصدقَ اللهُ: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ
أيُّها العقلاءُ : خاسرٌ من جعلَ الإجازةَ عُنوانا للسَّهرِ وإهمالِ الصلواتِ فأَيُّ شيءٍ بَقِيَ لِهَؤُلاءِ وَقَد أَضَاعُوا الصَّلاةَ ؟! والله يُحذِّرُ ويقولُ: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا).
قال الإمامُ الشّافعيُّ رحمه الله: النَّفسُ إن لم تَشغَلها بالحقِّ أشغَلَتك بالبَاطِل.
أيُّها الأبُ المباركُ: اصطحب أبنائَك معكَ للصَّلاةِ وعَلِّمهم آدابَ الْمَسجدِ , جَرِّب هذا ستجدُ خيرًا عظيمًا إنْ شاءَ اللهُ تعالى. قُم بتحصينِ أبنائِك بالأورادِ الشَّرعيةِ وحفِّظهم أذكارَ اليومِ والليلةِ فلن تعرفَ العينُ ولا السِّحرُ إلى بيوتِنا طريقًا ، حذِّرهم من الألعابِ الإلكترونيةِ التي تضرُّ ولا تنفعُ ,
أيُّها الكرامُ:ونحن في زَمَنِ التَّقنياتِ الحديثةِ ووسائلِ الاتصالاتِ الْمُتَنوِّعَةِ فلا بُدَّ من مُضاعفةِ الْمُرَاقَبَةِ عليهم؛ لئلا يستحوذَ عليهم أصدقاءُ السُّوءِ ونحن عنهم غافلون، ومع الأسفِ لقد بِتُّم تسمعونَ عن ظاهرةِ اغتصابِ الأطفال والفتياتِ والتَّغرير بِهم والعياذُ بالله تعالى، فالعاقلُ الحازمُ من حافظ على ولده وأخذ حِذْرَهُ،
فيا عباد الله: قوموا بواجب النُّصح والقِوامَةِ , والحفظِ والرِّعايةِ , لأولادِكم وبناتِكم وأهالِيكم فَرَسُولُنا يقولُ: ( كلكم راعِ ومسئولٌ عن رعيَّتِهِ)
خاصَّةً بناتِنا وفتياتِنا لِيكُنْ لهنَّ النَّصيبُ الأكبرُ من الاهتمامِ والعنايةِ ,والتَّركيزِ والرِّعاية، في أَطْرِهنَّ على الحجابِ والحِشْمةِ !والحياءِ والعِفَّة ! فَنَبِيُّنا يقول: (إنَّ الله سائلٌ كلَّ راعِ عمَّا استرعاهُ حفظَ أم ضيَّعَ، حتى يَسأَلَ الرجلَ عن أهل بيته) . يقول ابنُ القيمِ رحمه الله: "فمن أَهْمَلَ تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سُدى فقد أساءَ إليه غايةَ الإساءةِ، وأكثرُ الأولادِ إنِّما جاءَ فسادُهم من قِبَل الآباء وإهمالهم". والله تعالى يقولُ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )
فاللهم أصلح لنا نيَّاتِنا وذُريَّاتِنَا ياربَّ العالمين
اللهم ارزقنا وإيَّاهم البِرَّ والتَّقوى ومن العمل ما ترضى.
اللهم اجعل مستقبلنا خيرا من ماضينا وتوفَّنا وأنتَ راضٍ عنا ياربَّ العالمين .
اللهم اكفنا وإيَّاهم شرَّ الفواحشِ والفتنِ ما ظهر منها وما بطن . اللهم أحفظهم عن رفقةِ السُّوء , وعملِ السُّوء ياربَّ العالمين.
اللهم أصلح شبابَ الإسلام والمسلمين وأهدهم سُبَلَ السَّلام وجَنِّبهم الفواحشَ والآثامَ.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرك والمشركينَ، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدِّينِ .
اللهم وفِّق ولاةَ أمورنا لِمَا تُحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى.
اللهم أَعِنْ إخوَانَنَا في ليبيا وسُوريا واليمنِ ولا تُعِنْ عَلَيهم، وانصُرهم ولا تَنْصُرْ عَلَيهم، وامكُرْ لهم ولا تَمْكُرْ عَلَيهم ،واهدهم ويَسِّر الهُدَى لهم،وانصرهم على من بَغَى عَلَيهم. اللَّهُمَّ اهْزِمِ طواغيتَ العصرِ وجُنْدَهم،اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ ياربَّ العالمين.
اللَّهُمَّ وحِّد صفوفَ إخواننا وَاحقن دِمائَهم,واحفظ أعراضَهم.وهيئ لهم قادةً صالحينَ .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عباد الله اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

بواسطة : admincp
 0  0  1.6K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 04:10 مساءً السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.