• ×

02:36 مساءً , السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024

خطبة الجمعة 19-09-1432هـ بعنوان عشرٌ فاضلة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله الرَّحيمِ الرحمن، سابغِ الجودِ والإحسانِ،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،شرعَ لنا الصيامَ،ونشهد أنَّ محمدًا عبد اللهِ ورسولُه أجودُ النَّاسِ،وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضان،صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه البررةِ,كانوا يسارعون في الخيرات ، ويتنافسون في الطَّاعات, ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم المماتِ . أمَّا بعد:فيا أيها المسلمون،اتقوا الله فتقوى الله سبيلُ المؤمنين،وزادُ الصالحين،ونَجاةُ الدُّنيا وصلاحُ الدِّين، واشكروا اللهَ أن هداكم للإيمان، ومنَّ عليكم ببلوغِ شهرِ الصِّيام،(فمن صامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قامَ ليله إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، كما صحَّ ذلك عن رسولِ الهدى )
حتى متـى يـا قلـبُ تغـرَقُ في لُجَـجِ الهـوى إنَّ الْهوى بَحرُ
هـا قـد حَبَـاكَ اللَّهُ مغفـرةً طَرَقَت رِحَابَكَ هـذه العشْـرُ
غداً أوَّلُ العشرِ الأواخرِ ذاتُ الفضائلِ والمنزلةِ، والأجر والثوابِ والمغفرةِ.فقد كنَّا قبل أيامٍ نستقبلُ شهرنا وها نحن في عشره الأخيرةِ وعمَّا قليلٍ سنودِّعهُ!
أيُّها الصَّائمونَ :إنَّ شهرَكُم أخذَ في النَّقصِ فزيدوا أنتم في العمل، فكلُّ شهرٍ عسى أن يكون له خَلَفٌ، إلاَّ رمضانُ فمن أين لكم عنه خَلَفٌ؟
من فاته الزَّرعُ في وقت البَذَارِ فما تراه يحصـدُ إلا الْهَمَّ والنَّدَمَا
أيُّها الصَّائمونَ ، ومن نعم الله علينا أن ضاعف لنا الأجر فقد جعل عشرنا موسمَ خيرٍ وعطاءٍ، نستجلبُ فيها رحمةَ اللهِ ومغفرتَه، ونتخفَّفُ فيها من أحمال من الذُّنوب، وأثقالِ الأوزار ،فها هي عشرنا حلَّت لتكونَ فُرصَتُنا لمن فرَّط أوَّلَ الشهر، أو تَاجاً وعزيمةً وخِاتَمَاً لمن أصْلَحَ واتَّبعَ الأمْرَ !
أيُّها الكرامُ:عشرُنا الْمُقبِلةُ سوقٌ عظيمٌ يتنافسُ فيه المتنافسون،وامتحانٌ تبتلى فيها الهممُ، ويتميز فيه المسلمونَ! استجابَ أناسٌ للنِّداءِ فخالطَ الإيمانُ قلوبَهم،فسلكوا سبيلَ المؤمنين، وانضموا إلى الراكعينَ الساجدينَ، (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وطائفةٌ أخرى عياذاً باللهِ سَمِعتِ النِّداءَ وكأنَّهُ لا يعنيها، ترى المؤمنين يُصَلُّون ويقومونَ وكأنَّهم مُستغنونَ، (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )
وربُّنا ينادي ويقولُ: (يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ).
عباد الله، ظاهرةٌ مؤسفةٌ تظهرُ هذه الأيامَ المباركة،ولا يعرفُ لها تفسيرٌ إلا الغفلةُ والكسلُ,والإهمالُ والمللُ!فأنتم ترون الصَّائمين أوَّل الشهر قد نَشِطُوا للعبادة والطَّاعة وبعد منتصفهِ وإقبالِ عشرهِ تضعفُ الهممُ وتفترُ العزائمُ ! تأمَّل عددَ المصلينَ والتَّالينَ أوَّل الشهر وآخِرهُ يظهر لك الفرقُ جليَّاً.ومما يزيدُ الطِّينَ بِلَّةً أن تُقضى ليالِ العشر في التنقل بين الأسواق بحثاً عن أثاثٍ أو ثيابٍ ، فيؤثِّر ذلك على التَّراويح والقيام,والقرآنِ والمساجد, ورسولُنا صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقولُ: (أحبُّ البلاد إلى الله مساجدُها وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها) لذا كان لزاماً علينا أن نذكِّرَ أنفسنا وإخواننا بفضائل العشر المقبلة لتكون دافعا لنا على الاستمرار والجدِّ والتَّشمير والعملِ ! لقد كان رسولُنا عليه الصَّلاةُ وأزكى السَّلامُ يجتهدُ في العشر الأواخر ويخصُّها بمزيدٍ من الأعمالِ ما لا يجتهد في غيرها من الأيامِ والليالي, فهو يُحي الليلَ كُلَّه، ويَتجنَّبُ نساءَه، تقولُ أمُّنا عائشةُ رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ. قال ابنُ رجبٍ رحمه اللهُ: ولم يكنِ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا بقيَ من رمضانَ عشرةُ أيامٍ يدعُ أحداً من أهله يُطيقُ القيامَ إلا أقامَهُ. هكذا كان صلَّى الله عليه وسلَّم مُتفرِّغَاً للعبادةِ في هذه العشر مُقبلاً عليها، بل كان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يعتكفُ في هذه العشرِ لينقطعَ عن الدُّنيا ومشاغِلِها مُتَحَرِّياً ليلةَ القدر. ومن بعده عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ سارت قوافلُ الصالحينَ ,تقفُ عند العشرِ وقفةَ جدٍ وإخلاصٍ ويقينٍ بعفوِ أكرم الأكرمينَ. لقد كان قتادةُ رحمه الله يختمُ القرآنَ في كلِّ سبعِ ليالٍ مرةً، فإذا دخلَ رمضانُ ختمَ في كلِّ ثلاثِ ليالٍ مرةً، فإذا دخلتِ العشرُ خَتَمَ في كلِّ ليلةٍ مرةً. ومن شِدَّةِ تعظيم السَّلفِ لها كانوا يغتسلونَ ويتطيَّبُون ويتزيَّنونَ لها بأحسنِ ملابسهم كُلَّ ليلةٍ، قال ابنُ جريرٍ رحمه الله: كانَ السَّلفُ يستحبِّونَ أن يغتسِلُوا كلَّ ليلةٍ من ليال العشرِ الأواخرِ. وكانَ أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه إذا كانَ ليلةَ أربعٍ وعشرينَ اغتسلَ وتطيَّبَ ولبسَ حُلَّةً إزارً ورداءً. فالله الله يا صائمونَ، لا تَفُوتَنَّكُم تلكَ الفرصةُ العظيمةُ، فو الله لا ندري أندركُها أخرى أم لا.؟ يا صائمونَ الإقبالُ على طاعةِ اللهِ مطلوبٌ كلَّ وقتٍ وحينٍ ، وفي العشرِ أعظمُ فضلاً وأكثرُ أجرًا حيث يقترنُ فيها فضلُ العبادةِ وفضلُ الزَّمانِ. ولنا في رسولناَ خير أسوة.
أيُّها الصَّائمون، اهجروا لذيذَ النَّوم , وطولَ السَّهرِ واطردوا عنكم الكسل، وانصبوا أقدامَكم، وارفعوا أكُفَّكم، واسجدوا لربِّكم، وكونوا مِمَّن أثنى الله عليهم: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا
اللهم إنِّك عفوٌ تحبُّ العفو فاعف عنا، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ خلقنا من تراب وفاوَتَ بيننا في العلم والآداب،وفَّقَ من شاءَ لطاعته برحْمَتِهِ, وأضلَّ من شاء بعدله وحكمتِهِ, نشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك لهُ المتفرِّد بكلِّ جلالٍ وكمالٍ،ونشهد أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه الرحمةُ المهداةُ،صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته الْمُكرَّمينَ والتابعين لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ.
أيُّها الصَّائمونَ: من دلائل توفيق الله للعبد أنَّه يغتنم هذه الليالي المباركةِ، بجلائل الأعمال ، وأنواع العبادة والتَّذلُّلِ بين يدي ربِّه،يقومُ مع النَّاسِ في جوف الليل وبالأسحار،ويَدْعُ ربَّهُ ,فاجتهدوا يا رعاكم اللهُ بالدُّعاء ، وسَلُوا اللهَ ولا تَعْجَزُوا ولا تستبطئوا الإجابةَ،أملا بالفوز بليلةِ القدر، ونيل بركاتِها، فقد قال : (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)وقد ندب رسولُنا إلى التماسها في ليالِ الوتر من العشر الأواخر، أو السَّبعِ البواقي فعن عبدِ الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله : (التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضَعُفَ أحدكم أو عَجَزَ فلا يُغلبَنَّ على السَّبعِ البواقي) وقد سألت أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها رسولَ الله بأيِّ شيءٍ أدعوا ليلة القدرِ؟ فأرشدها أن تقول: (اللهم إنَّك عفوٌّ، تحبُّ العفو، فاعف عني)
أيُّها الصَّائمونَ: وخيرُ الذِّكرِ قَدْرَاً، وأعظَمُها أجراً تلاوةُ الكتاب الكريم الذي لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فمن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشر أمثالها))
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ الجمعَ بين الصيامِ والصَّدقَةِ أبلغُ في تكفيرِ الخطايا والفوزِ بموجباتِ الجنة ! صَحَّ عن النبيِّ أنَّه قال: (من أصبح منكم اليوم صائمًا؟) قال أبو بكر: أنا، قال: (من تَبِعَ منكم اليوم جنازةً؟) قال أبو بكر: أنا، قال: (من تصدَّق بصدقةٍ؟) قال أبو بكر: أنا، قال: (فمن عاد منكم مريضًا؟) قال أبو بكر: أنا، قال: (ما اجتمعت في امرئ إلا دخلَ الجنةَ)
فهيَّا عباد الله، أكثروا من الصَّدقات فهي سببٌ لِزَكَاءِ النُّفوسِ، وطهارةِ القلوب، ونماءِ الأموال، ونحنُ في شهر رحمةٍ ومواساةٍ وقد حَلَّ بإخوانٍ لنا في العقيدة والدِّينِ، فجائعُ كبرى، وفقرٌ مُهلكٌ, انتشر فيهم الجوعُ، وفتكت بهم الأمراضُ،فأعينوا مُحتَاجَهُم، وأغيثوا مَلهوفَهُم، وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
يا صائمون : كان رسول الله إذا دخلتِ العشرُ لزمَ المسجدَ فلا يخرجُ منه إلا ليلةَ العيدِ تَصِفُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضي الله عنها فتقولُ: اعتكفَ رسولُ الله هذه الأيامَ حتى توفَّاه اللهُ,وفي الاعتكافِ أسرارٌ ودروسٌ! فالمعتكفُ ذكرُ الله أنيسُهُ، والقرآنُ جليسهُ، والصلاةُ راحتهُ، ومناجاةُ الرَّبِّ مُتعَتُه، والدُّعاء لذته.فهنيئاً للمعتكفينَ
يـا رجـالَ الليل جِدُّوا رُبَّ داعٍ لا يـُـرَدُّ
لا يقـومُ اللـيل إلا مَنْ له عـزمٌ وجِـدُّ
فاللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا، اللهم وفقنا لليلة القدر,واجعل حظنا فيها موفوراً وسعينا مشكوراً،
اللهم اجعل شهرنا شهر خير وبركة للإسلام والمسلمين في كل مكان،
اللهم أعتق رقابنا ووالدينا والمسلمين من النار.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
بواسطة : admincp
 0  0  2.9K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:36 مساءً السبت 10 ذو القعدة 1445 / 18 مايو 2024.