• ×

12:36 صباحًا , الجمعة 10 شوال 1445 / 19 أبريل 2024

خطبة الجمعة 07-07-1434هـ بعنوان الصِّدقُ يَهدِي إلى البِرِّ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ لله الصَّادقِ في قِيلِهِ،الهادِي إلى سبيلِهِ،أثنى على الصَّادِقينَ في مُحْكَمِ تَنزيلِهِ،وحبَّبَ الصِّدقَ إلى النُفُوسِ الكَرِيمَةِ،جَعَلَ الصِّدقَ صِفَةً لأَوليائِهِ،فَخَصَّ بهِ الأَنبِياءَ والأَتقياءَ،نَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ،وحدَهُ لا شريكَ لهُ،يَهدي مَنْ يَشاءُ إلى أَسبَابِ مَرضاتِهِ،ويُضلُّ مَنْ يَشاءُ عن رَحَمَاتِهِ.ونَشهدُ أنَّ مُحمداً عبـــدُ اللهِ ورَسُولُهُ،الصَّادِقُ الأمينُ,البَرُّ الوفِيُّ الكريمُ,صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ الأوفياءِ وأصحابِهِ الأَتقياءِ ومَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الجَزَاءِ. أمَّا بَعدُ:فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ:فإنَّ التَّقوى خيرُ لِبَاسٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ فَرحِمَ اللهُ امرَأً أصلَحَ مِن لِسانِهِ،وَكَفَّ عن هَذَرِهِ وهَذَيانِهِ،وأَلزَمَ نَفسَهُ طَرِيقَ الصِّدقِ والحَقِّ،وجنَّبَها الفُحشَ والكَذِبَ,
أيُّها الأ كارمُ:حَديثُنا عن خَلَّةٍ هي سيِّدَةُ الأَخلاقِ وجَامِعَةُ المَكارِمِ والفَضَائِلِ, ورأَسُ البِرِّ وعُنوانُ الشَّمَائِلِ،امتَدَحَ اللهُ بِها نَفسَهُ في كِتَابِهِ العَزِيزِ فَقالَ سُبحانَهُ: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا وقالَ: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً وَوَصَفَ بالصِّدقِ رُسلَهُ وأَنبيَاءَهُ فَقَالَ: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا وأمرَ المؤمِنينَ بهِ فقالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ
عبادَ اللهِ:ومَعَ بَسَاطَةِ هذهِ الخَلَّةِ وإجمَاعِ الخَلقِ عليها إلا أَنَّنَا اليومَ أَحوجُ مَا نَكونُ إلى التَّواصِي بها والالتِزَامِ بِمُتَطلَّباتِها,فِي زَمنٍ نُعاني فيهِ من أزمَةٍ أخلاقِيَّةٍ غَلَبت عليها النَّظرةُ المادِّيَةُ,والحِيَلُ الشَّيطانيَّةُ,ولهذهِ الأمورِ أسبابٌ شَرعِيَّةٌ وأُخرى تَربَويِّة,يَأتِي في مُقَدِّمَتِها ضَعفُ الإيِمانِ وضعفُ التَّربِيَةِ والتَّهَافُتُ على حُطامِ الدُّنيا الفانِيَةِ!.
تَعلمونَ يا كرامُ:أنَّ الصِّدقَ من الصِّفاتِ المَحمُودَةِ قَدِيماً وحديثاً,فقد كانتِ العربُ تَنفِرُ من الكَذِبِ وتَهجُو الكَاذِبِينَ،فَهذا أبو سُفْيانَ بنَ حَرْبٍ رضيَ اللهُ عنهُ قَبلَ إسلامِهِ يَذهبُ مع رَهطٍ من قُريشٍ في تِجارةٍ إلى الشَّامِ،فَيسمعُ بِهم هِرَقلُ مَلِكُ الرُّومِ،فَبعثَ إليهم يَسأَلُهم عن هذا النَّبِيِّ الجديدِ فَصَدَقُوهُ في القولِ وَوَصفوا الرَّسولَ بِأصدَقِ الأوصافِ،قال أبو سفيانَ وهو يومَئِذٍ مُشركٌ: (وَاللَّهِ،لَوْلا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ). وحينَ نشَأَ رَسُولُ في مكَّةَ وتَرعرعَ فيها رَسَمَ لهم لوحةَ الصِّدقِ بِأَنْقَى صُوَرِها وأَحلَى مَعانِيها حتى لَقَّبُوهُ بالصَّادِقِ الأَمِينِ،تَقولُ عُائِشةُ رضي الله عنها:ما كانَ خُلُقٌ أَبغَضَ إلى رسولِ اللهِ من الكَذِبِ،ولقد كان الرَّجلُ يُحدِثُ عندَ النَّبِيِّ الكِذْبَةَ فَمَا يَزَالُ في نَفْسِ النَّبيِّ عليه حتى يَعلمَ أنَّهُ قد أحْدَثَ مِنها تَوبَةً. رواهُ أَحمَدُ وابنُ حِبَّانَ.
فكم نحنُ بحاجَةٍ يا مؤمنونَ:إلى تَحقِيقِ الصِّدقَ معَ اللهِ ومعَ رَسُولِهِ ومعَ أنفُسنا ومعَ المُؤمِنِينَ! فيا عبادَ اللهِ:اتَّقُوا اللهَ تَعالَى واصْدُقُوا اللهَ في عِبَادَتِهِ فاعبُدُوهُ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينُ,غَيرَ مُرائِينَ ولا مُسَمِّعِينَ,امتَثِلوا أَوامِرَهُ طَلَبَاً لِثَوابِهِ,واجتَنِبُوا نَهيَهُ خَوفَاً من عِقَابِهِ،فَإنَّ اللهَ أَغنَى الشُّرَكَاءِ عن الشِّركِ، حقَّاً: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ لو صَدقُوا اللهَ لَصَدَقَهُم اللهُ هَكذا قالَ رَسُولُ اللهِ كما في الحديثِ الذي رواهُ الإمامُ النَّسَائِيُ رحمهُ اللهُ بسندِهِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ،أَنَّ رَجُلاً،مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إلى النَّبِيِّ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمَّ قَالَ:أُهَاجِرُ مَعَكَ فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ،فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ،غَنِمَ النَّبِيُّ سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهَ مَا قَسَمَ لَهُ،وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ:مَا هَذَا؟قَالُوا:قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ ،فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إلى النَّبِيِّ فَقَالَ: مَا هَذَا يارسُولَ اللهِ فَقَالَ:قَسَمْتُهُ لَكَ قَالَ:مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ يارسُولَ اللهِ،وَلَكِنِ اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ،فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ قَالَ: (إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ) فَلَبِثُوا قَلِيلاً ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ إلى النَّبِيِّ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ :أَهُوَ هُوَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ: (صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ) ثُمَّ كَفَّنَهُ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ ,ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلاَتِهِ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا وأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْهِ) حقَّا كما قالَ رسولُ اللهِ » : إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ،وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً .
والصِّدقُ مع اللهِ كذلِكَ يكونُ بِتَبلِيغِ كَلامِهِ وأَنْ يَأمُرَ بِالحَقِّ والعَدْلِ،ويَنهَى عن البَاطِلِ والظُّلمِ. وَٱلَّذِى جَاء بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ [الزمر:33]،ولقد كانَ السَّلفُ أَشَدَّ تَمَسُّكَاً بِالصِّدقِ مَعَ رَبِّهم،ومَعَ عباد الله,وفي قِصَّةِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ كما في الصَّحيحينِ حينَ تَخَلَّفَ عن غزوةِ تَبوكٍ حتى إذا ضَاقَت عليهِ الأَرضُ بِمَا رَحُبَت وضَاقَتْ عليهِ نَفسُهُ:قالَ لهُ رَسُولُ اللهِ: ( أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ) قالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ،وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَلاَّ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ،وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ) قَالَ اللهُ تَعالى: مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً قال ابنُ القَيِّمِ رحمهُ اللهُ : والإيمانُ أَسَاسُهُ الصِّدقُ،والنِّفَاقُ أَسَاسَهُ الكَذِبُ،فلا يَجتمِعُ كُذِبٌ وإِيمَانٌ إلاَّ وأَحَدُهُما مُحارِبٌ للآخَرِ ـ
عبادَ اللهِ:أمَّا الصِّدقُ مَعَ رَسُولِ الله فيكونُ باتِّباعِهِ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً غَيرَ مُقَصِّرٍ فِي سُنَّتِهِ ولا زَائِدٍ عَليها, لو كَانَ حُبُّكَ صَادِقَاً لأَطَعْتَهُ إنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحبُّ مُطِيـعُ وَمَنْ كَذَبَ عَلَى نَبِيِّنا مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ!
ونحنُ بحاجَةٍ يا مُؤمنِونَ:إلى أنْ نَصدُقَ مع أنفُسِنا,يَتَمَثَّلُ ذلِكَ في قولِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي اللهُ عنهما:حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ:دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يُرِيبُكَ،فَإِنَّ الصَّدَقَ طُمَأْنِينَةٌ،وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ،
أرأيتم يا كرامُ:لو أنَّ الصِّدقَ بينَ النَّاسِ أصبح لهم شِعارا ودِثاراً,هل سَتُنزَعُ البرَكَاتُ؟وتَحِلُّ النَّكبَاتِ؟وتَكونُ المَشَاكِلُ؟ كلا وربِّي بل سيسودُ الأمنُ والأمانُ,والرَّخاءُ والقرارُ,والرِّضى والسرورُ, عُوِّدْ لِسَـانَكَ قَوْلَ الصِّدْقِ تَحْظَ بِهِ *** إِنَّ اللِّسَانَ لِمَـا عَـوَّدْتَ مُعْتَادُ
أيُّها المُسلِمونَ:الصِّدقُ فَريضَةٌ على كلِّ المُسلِمِينَ,يجِبُ أنْ يَتَحَلَّوا بِهِ ظاهراً وباطناً, والصِّدقُ عَلامَةٌ لِلتَّقوى وَسَبَبٌ لِتَكفِيرِ السَّيئَاتِ ورِفعَةِ الدَّرَجَاتِ،قالَ تعالى: وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ أمَّا يَومَ الجَزَاءِ فاستَمِع لِقولِ اللهِ تَعالى: قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الصِّدقُ دَربٌ مُضيءٌ ونَفسٌ سَامِيَةٌ،صَاحبُهُ مُوفَّقٌ أبدًا ! أَقَلُّ مَا يُحصِّلُهُ الصَّادِقُ:حلاوةً في مَنطِقِهِ،ومَلاحَةً في مَنظَرِهِ،وهَيبَةً في مَطْلَعِهِ.وقد قَالَ الحُكمَاءُ:«الوُجُوهُ مَرايا تُريكَ أَسرَارَ البَرَايا»ألا فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ،والتَزِموا الصِّدقَ في جِدِّكم وهزلِكم!أقولُ ما سَمعتُم وأَستَغفِرُ اللهَ تَعالى لِي وَلَكم ولِلمسلِمينَ من كُلِّ ذنبٍّ،فاستغفروهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ،وَعَدَ الصَّادِقِينَ بِالمَغفِرَةِ والأَجرِ الكَرِيمِ،نَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ المَلِكُ الحقُّ المُبينُ،ونشهدُ أنَّ نبيَّنا وإِمَامَنا الصَّادِقُ البَرُّ الأَمِينُ،اللهمَّ صلِّ وسَلِّم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أَجمَعِينَ.أمَّا بعدُ فاتَّقوا اللهَ يا مُسلِمونَ وكُونُوا معَ الصَّادِقِينَ، ثمَّ اعلموا أنَ صِدقَ الحَدِيثِ،من صفات المؤمنين.ألا وإنَّ من أجلِّ النِّعَمِ على العبدِ،أن يُحبَّبَ إليه الصِّـــــدقُ،فلا تَرتَاحُ نَفْسُهُ إلا إليه،ولا يَهــدَأُ ضَمِيرُهُ إلا بهِ!قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ،عَليكَ بالصِّدقِ وإنْ قَتَلَكَ: فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ صِدقُ الِّلسَاِنِ أوَّلُ السَّعَادَةِ،وما مِن شَيءٍ أذهَبَ لِلمُرُوءَةِ من الكَذِبِ،وقد قالتِ الحُكَمَاءُ:"مَنْ استَحلَى رَضاعَ الكَذِبِ عَسُرَ فِطَامُهُ"؛
لا يَكْـذِبُ الْمَـرءُ إِلاَّ مِنْ مَهَانَتِـهِ *** أَوْ عَادَةِ السُّوءِ أَوْ مِنْ قِلَّةِ الأَدَبِ
لَعَضُّ جِيفَـةِ كَلْبٍ خَيْـرُ رَائِحَـةٍ *** مِنْ كِذْبَةِ الْمَرْءِ فِي جِدٍّ وَفِي لَعِبِ فَنحنُ بحاجَةٍ يامؤمنونَ:إلى الصِّدقِ في البيعِ والشِّراءِ فالتَّاجِرُ والمُحتَرِفُ والصَّانِعُ,يَجِبُ أنْ يَتَحَرَّوا الصِّدقَ في قَولِهِم وعَمَلِهِم،(فإنْ صَدَقَا وَبيَّنا بُورِكَ لَهُمَا في بَيعِهِمَا،وإنْ كتَمَا وَكذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيعِهِمَا)رواه البخاريُّ.وَنحنُ بحاجَةٍ إلى الصِّدقِ في نَقلِ الأَخبَارِ وإرسالِ الرَّسائِلِ! قالَ رَسُولُنا :«كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ».وهذا يَتَطَلَّبُ من النَّاقِلِ التَّثَبُّتَ فِيمَا يُقالُ وما يُرسِلُ,وأنْ يَجتَنِبَ الظًّنًونَ والأَوهَامَ ,خاصَّةً فيما يَطَالُ مَصالِحَ أُناسٍ, أو يُحدِثُ بَلبَلةً في المُجتَمَعِ ويَنشُرُ الفَوضى ويُعدِمُ الثِّقَةَ؛ على أهلِ الصَّحافَةِ أمانةٌ أنْ يَقولوا بالصِّدقِ,على أَهْلِ المُحَادَثَاتِ والتَّغريدَاتِ أنْ يَقولوا بالصِّدقِ ويَتَثَبَّتوا في أخبارِهم,خاصَّةً مَعَ وُجودِ هذهِ الوَسائِلِ الحدِيثَةِ !
وقد رَأَى النَّبيُّ عَذابَ مَنْ يَنشُرُ كِذْبَتَهُ فَقَالَ: (وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ،وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ،وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ،فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ،فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ) رواه البخاري. وَنحنُ بحاجَةٍ إلى الصِّدقِ في المعاملاتِ المالِيَّةِ,والبنكيَّةِ,والتَّحلي بالصِّدق في القروضِ البنكيَّةِ,وإنْ عَلَّقُوا فَتَاوى لِجَانٍ وَهميَّةٍ,فَقَلبُكَ يعلمُ أنَّها حِيَلٌ شَيطانِيَّةٍ! فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ؛نحنُ في هذا الزَّمنِ بالذَّاتِ بحاجَةٍ إلى الصِّدقِ فِي الوَفَاءِ بِالوَعدِ وصِدقِ العَقْدِ والعهدِ,اسأَلُوا إنْ شِئتُم أصحابَ المؤسَّساتِ والمَحَلاَّتِ والبقَّالاتِ,كم من الأموالِ التي عندَ النَّاسِ يُماطِلونَ فيها ويَتَهَرَّبونَ عن تَسدِيدِها؟
فيا مؤمنون: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ .فاللهمَّ أَلزِمْنَا كَلمَةَ الحقِّ والصِّدقِ والتَّقَوى وهيئ لنا من العملِ مَا تُحِبُّ وتَرضَى,اللهم اهدنا لأحسنِ الأعمالِ والأقوالِ والأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنت واصرف عنَّا سيئها لا يصرفُ عنَّا سيِّئَها إلا أنتَ. اللهُمَّ ارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً,واحشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَدَاً,اللَّهُمَّ اجعَلْنَا ممَّن إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ،وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ،وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ,اللهمَّ اغفر لنا جِدَّنا وهَزْلَنا وخَطَئَنا وعمدَنا وكُلُّ ذلِكَ عندنا, رَبَّنَا اجعلنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذُرِّياتِنَا رَبَّنا وَتَقَبَّل دُعاءَ,اللهمَّ ثَبِّتنا بالقولِ الثَّابتِ في الحياةِ الدُّنيا ويَومَ يقومُ الأشهادُ.اللهم آمنَّا في أوطانِنِا،وأَصلِح ووفِّق أَئِمَّتَنا وولاةَ أمورِنا،خُذ بِنَواصِيهم لِلبرِّ والتَّقوى,وأصلح لهم البِطَانَةِ,وأعنهم على أداء الأمانَةِ.
عبادَ اللهِ اذكروا الله العظيمَ يذكُركُم واشكُرُوهُ على عُمُومِ نِعَمِهِ يَزِدكُم ولَذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يَعلمُ ما تَصنعُونَ.
بواسطة : admincp
 0  1  61.6K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 12:36 صباحًا الجمعة 10 شوال 1445 / 19 أبريل 2024.