• ×

12:17 صباحًا , الأربعاء 9 ذو القعدة 1446 / 7 مايو 2025

القِيَادَةُ آدَبٌ وَأَخْلاقٌ وَأَحْكَامٌ 11/11/1446هـ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
القِيَادَةُ آدَبٌ وَأَخْلاقٌ وَأَحْكَامٌ 11/11/1446هـ
الحمدُ لله تَفَضَّل علينا بِالجُودِ والإحسَانِ, أَشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شَرِيكَ لَهُ الكريمُ الْمَنَّانُ, وَأَشهَدُ أنَّ محمَّدا عبدُهُ وَرَسُولُه بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً وَأَمَانَا لِلإنْسِ والجَانِّ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى جَميعِ الآلِ والصَّحبِ والأَعْوَانِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسانٍ. أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ ربَّكم، واحفظوا اللهَ في أولادِكم؛ فإنَّهم من أعظَمِ أماناتِكُم.
عَبَادَ اللهِ: لقد هيئَ لنا اللهُ الْمَرَاكِبَ الْمُرِيحَةَ والنِّعمَ, وَأَمَرَنَا بِشُكْرِهِ, وَوَعَدَنَا بحِفْظِهِ, فَلِما أضحتِ تِلكَ السَّياراتُ والدَّراجاتُ في كثيرٍ من الأحيان وبالاً وَدَمَارَاً على كثيرٍ من الأُسَرِ والبُيُوتِ؟ فلا تَكادُ تُمضي يومَاً إلَّا وتسمعُ عن أخبارٍ مُفجعةٍ وحوادثَ مؤلِمَةٍ! فنحنُ بِحَقٍّ أمامَ حربٍ شرسةٍ، وتُعدُّ بلادُنا مع الأسف الشَّديد من أكثرِ الدُّولِ حَصْدَاً للأرواحِ! تَخَيَّلُوا يموتُ في الْمَمْلَكَةِ في العامِ الواحدِ أكثرُ سِتَّةِ آلافِ كلُّهم بسبب الحوادثِ! وَثُلثُ أسرَّةِ الْمُستشفياتِ يرقدُ عليها ضحايا الحوادثِ! فهلا كان ذلك باعثَاً لنا على التَّأمُّلِ والاعتبارِ؟ ألم يُرْشِدْنا دينُنَا إلى آدابِ القيادةِ؟ وعلَّمنا حُقُوقَ الطَّريقِ؟ بلى واللهِ فَلقد حرَّم اللهُ علينا التَّهوُّرَ والسَّفهَ والعَبَثَ فَقَالَ:(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). وَقالَ تعالى:(وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا). وهل الوَفِيَّاتُ والإصاباتُ الخطيرةُ والخسائرُ الفادحةُ إلَّا من جَرَّاءِ التَّهوُّرِ والسُّرعةِ الْمُفرِطَةِ, وقطعِ الإشاراتِ ظُلمَاً وعُدوانَا! أينَ نحنُ من قول رسولِنا صلَّى الله عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومِكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا).ألا يخشى هؤلاءِ الْمُتَهَوِّرُونَ من عقوبة مَن قَتَلَ نَفْسَهُ! فقد قالَ رسولُنا صلَّى الله عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».
أيُّها الكرام: إنَّ هناكَ صُوراً تدلُّ على العَبَثِ بأمنِ البلدِ ومُقدَّراتِه, وهي دليلٌ على امتهانِ أنظمتِه وإجراءاتِه, وَعَلى التَّهَاوُنِ فِي حَيَاةِ وَسَلامَةِ الآخَرِينَ, فالسُّرعةُ الْمُفرِطَةُ داخلَ الأحياءِ باتَ مُقلِقَاً, وَالتَّحَايُلُ على الإشاراتِ واضِحَا, والعبثُ والتَّفحيطُ أصبحَ مَنظرَا مَألُوفا, والوقوفُ الخاطئُ والعَبَثُ بالجَوَّالِ, وحَمْلُ الطِّفْلِ على الحِجْرِ, وإطفاءُ الأنوار ليلا, والقِيَادَةُ حَالَ الإرهاقِ والسَّهَرِ, وقيادةُ سُفهاءِ الأحلامِ وصغارِ السِّنِّ وَمَنْ لا يُحْسِنُ الْقِيَادَةَ أصبحتَ تُشَاهدُه كلَّ وقتٍ وحينٍ, وَعَدَمُ تَرْكِ الْمَسَافَةِ اللازِمَةِ سَبَبٌ رَئِيسٌ لِلحَوَادِثِ وعَدَمُ السَّيطَرَةِ على الْمَرْكَبَةِ, وجنونُ الدَّراجاتِ النَّاريَّةِ مَظْهَرَاً مُحزناً ومُخيفاً! وَعَمَالَةٌ كَثِيرَةٌ لا تُحسنُ القيادَةَ صارتَ تَتعلَّمُ فِينا! كلُّ تلك الْمخالفاتِ وغيرِها يَا كِرامُ تحتاجُ منَّا إلى وقفةٍ حازمة وتَعَاوُنٍ لِلقَضَاءِ عَليها, فَلْنُبلغْ عن الْمُخالِفِ, وَلْنأْطُرْهُ على الحقِّ أطرا. ألَمْ يَقُل رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ). فَعلى الخُطَبَاءِ والوعَّاظِ والْمربِّينَ دَورٌ عظيمٌ, وعلى رجالِ الأمنِ حِملٌ ثقيلٌ, وعلى الْمسئولين في البلد أنْ يتَّقوا الله تعالى ويَحرصُوا على تخفيفِ تلكَ الظواهرِ والقَضَاءِ عليها. أيُّها الأولياءُ: أنتم الْمسئولونَ عن أولادِكُم وَأَهْلِ بِيتِكُمْ أوَّلاً وأخيراً فلا تُؤتُوا السُّفهاءَ أموالَكم, فاحفظوهم ووجِّهوهم: (فَمَا نَحَلَ والدٌ ولدَهُ خَيرا مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ يُؤدِّبُه به).
ويا رجالَ الأمنِ: خُذوا الأمرَ بحزمٍ وقوُّةٍ ولا تأخذْكم في الله لَومَة ُلائِمٍ, كثـِّفوا جُهودَكَم, فالطُّرُقاتُ والأحياءُ بِحاجَةٍ إليكم, فَخذوا على يدِ السَّفيهِ وأطروه على الحقِّ أطرَاً, أعانكم على أداءِ أمانَتِكُم وحَمْلِ رسالَتِكُم. بارك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيمِ، ونفَعني وإيَّاَكم بِهدِيِ سَيِّدِ الْمُرسَلِينَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم ولِسائِرِ الْمؤمِنينَ, فَاستَغفِرُوهُ، إنَّه هُو الغَفُورُ الرَّحيمُ.





الخطبة الثانية:
الحمدُ لله دلَّنا على الخيرِ والرَّشادِ، وحذَّرَنا من الطيشِ والفَساد، أَشهدُ ألَّا إله إلا اللهُ وحده لا شَريكَ لَه ربُّ العبادِ, وأَشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُهُ صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِهِ ومَنْ تَبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الْمَعَادِ. أمَّا بعدُ: فَأوصِيكُم عِبادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقوَى اللهِ عزَّ وجل، فَمَنِ اتَّقى اللهَ وَقَاهُ، وَأَسْعَدَهُ وَأَرْضَاهُ.
شَبَابَنَا الأَكَارِمَ: أنتم عِمادُ الأُمَّةِ وَتَاجُها، فاحمدوا الله على ما حبَاكُم من نعمةِ الصِّحةِ والأمنِ, والرَّخاءِ والعَافِيَةِ وكونوا رحمةً على أهليكُم وذويكُم, واحذروا الأذيَّةَ بشتى أشكالها فاللهُ تعالى حذَّرَ فقالَ:(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا).
أتعلمون أنَّ أكثَرَ من ستَّةِ ألاف إنسانٍ يَمُوتونَ سنويَّاً بسببِ حوادثِ السيارات والدَّراجاتِ؟ فَأَسأَلُكُم بالله, بأيِّ ذنبٍ قُتِلوا؟
معاشِرَ الشباب: النَّاسُ يُريدونَ أنْ يَعِيشُوا حَيَاةً آمِنَةً, وأَنْ يَسيروا عَبْرَ طُرقٍ آمِنَةٍ, فَأَنْتُم مَن يُساعِدُ على ذلِكَ بإذنِ اللهِ تعالى!
معاشِرَ الشباب: في صحيح مُسلِمٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ قالَ قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ».
فكم فُجعنا بشبابٍ راحوا ضحايا مَزحٍ بالسَّيَّاراتٍ؟!وعبثٍ لا طائلَ من ورائِهِ؟ وتَحدٍّ في غيرِ مَحلِّهِ! فَكُونوا رَحمَةً علينا, ولا تُدخلوا الحُزْنَ على قُلوبِنا!
أَخِي الشَّابَ وَأَنْتَ تَقُودُ سيارتَكَ كُنْ مُتَيَقِّظًا, وَتَصَوَّر أَنَّ الخطرَ مُحدِقٌ بك في كلِّ لحظة فإيِّاكَ والعجلةَ والتهوُرَ, إيِّاك أن تَمشِيَ على الأرض مَرحا إنَّ الله لا يحبُ كلَّ مُختالٍ فخور,
قد يُدركُ الْمتأنِّي بعضَ حاجتِه , وقد يكونُ مَع الْمستعجلِ الزَّللُ.
لِذَا قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (التَّأَنِّي من اللهِ والعَجَلَةُ مِنَ الشَّيطَانِ). حَسَّنَهُ الألْبَانِيُّ.
مَعَاشِرَ الشَّبَابِ:( َأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ).قال الصحابةُ: وما حَقُّ الطَّريقِ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: (غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، والنَّهيُ عن الْمُنْكَرِ).
أَخِي الشَّابَّ: السَّعيدُ من وُعِظَ بِغَيرِهِ فَلا تَكُنْ عِبرة ًلِغَيركَ, وَسَبَبًا في شَقَاءِ أُسَرٍ بِأكْمَلِهَ! كَيفَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُروِّعَ مُسْلِمًا) صَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ.
يَا عَبْدَ اللهِ: كُلَّمَا رَكِبْتَ سَيَارتَكَ وَخَرَجْتَ قُلْ: بِسْمِ اللهِ تَوكلْتُ على اللهِ ولا حولَ وَلا قُوَّةَ إلَّا باللهِ, فإنَّ مَلائِكَةَ الرَّحْمَنِ تَقُولُ لَكَ: هُدِيتَ وَكُفيتَ وَوُقِيتَ، وَيَتَنَحَّى عَنْكَ الشَّيطَانُ! قُلْ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ).
مَعَاشِرَ الشَّبابِ خُذُوا حِذْرَكُمْ فالْمَسْؤُولون في بَلَدِنَا قَدْ أخَذُوا الأمْرَ بِحَزْمٍ وَجِدٍّ فَقَدْ زَرَعُوا آلاتِ التَّصْوِير في كثيرٍ من الْمَواقِعِ, والسَّيَّاراتُ السِّرِّيَةُ كَذلكَ, فَيكْفِي هَدْرَاً لأَمْوَالِكُمْ بِغرامَاتٍ أَنْتُم سَبَبُهَا! وَبِحمدِ اللهِ تَعالى بِسببِ تَظَافُرِ الجُهُودِ, وَوَعْيِ الناسِ فَقَد قَلَّت نِسْبَةُ الحَوادِثِ عن العامِ الْماضِيَ! وَنَطْمَعُ بإذنِ إلى الْمَزِيدِ.
الغَريبُ في الأمْرِ أنَّ نِسبَةَ ثَلاثِينَ بالٍمِئَةِ من الحوادِثِ بسببِ الانْشِغَالِ بالجوالِ بالاتِّصالِ وَالْمُراسَلَةِ وَالْمُشاهَدَةِ لَهُ!
فَالَّلهُمَّ اهْدِ شَبَابَنَا إلى طَرِيقِ الرَّشَادِ, وَاجْعَلْهُمْ رَحْمَة ًعلى أَهْلِيهِمْ. اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبَنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللهم اجعلنا ممن يمشونَ على الرضِ هَوْنًا وَإذَ خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالوا سلامًا. الَّلهُمَّ أَعزَّ الإسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ، الَّلهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ وَعِبَادَكَ الْمُؤمِنِينَ. الَّلهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَولاهَا. الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَستَمِعُ القَولَ فَيتَّبِعُ أَحْسَنَهُ, اغْفِرْ لَنَا ولِوالدِينَا وَلِجَميعِ الْمُسلِمينَ, الَّلهُمَّ آمنَّا في أَوطَانِنَا وَوَفِّقْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا, وَانْصُرْ جُنُودَنَا وَاحْفَظْ حُدُودَنا, واغْفِرْ ذُنُوبَنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 0  0  0
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 12:17 صباحًا الأربعاء 9 ذو القعدة 1446 / 7 مايو 2025.