• ×

09:27 صباحًا , الخميس 23 شوال 1445 / 2 مايو 2024

خطبة الجمعة 24-05-1434هـ بعنوان الأوقَافُ عَطَاءٌ وَنَماءٌ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
الحمدُ للهِ الحكيمِ العليمِ، يَضعُ البَرَكَةَ في القَلِيلِ، فَيَكُونُ كالبَحرِ العَمِيمِ، وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ نَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, أكرَمَ أهلَ الصَّدَقاتِ والقُرَبِ والأَوقَافِ، وجَعَلَ أَجرَهُمْ مُستَمِرَّاً مُؤَبَّداً دُونَ إيقَافٍ، ونَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ المُصطَفَى مِن بَني عبدِ مَنافٍ،صلَّى اللهُ وسلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ الأَشرَافِ، ومَن تَبِعَهم بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومٍ يَنتَهِي إليهِ المَطافُ, أمَّا بعدُ:عبادَ اللهِ:اتَّقُوا اللهَ تَعالى واشكُرُوهُ على مَا خَوَّلَكُم من الأَموَالِ, فاتَّخِذُوها قُربَةً لَكم إلى الكَبِيرِ المُتَعَالِ. فَقد نَظَّمَ اللهُ لنا التَّصَرُّفَ فيها اكتِسَابَاً وَتَصرِيفَاً, في حَيَاتِنا وبعدَ المَمَاتِ, فَفِي حَيَاتِكَ تَتَصَرَّفُ في مالِكَ بَيعَاً وشِرَاءً, وَرَهنَاً وَوَقْفَاً,وَهِبَةً وإجارَةً وَوَصِيَّةً, حَسْبَ الضَّوابطِ الشَّرعيَّة المَعلُومَةِ بِحمدِ اللهِ,وبعدَ المَمَاتِ: حَفِظَ اللهُ أموالَنا بِأَنْ تَولَّى قِسمَتَها بِنَفسِهِ, فَقالَ في آيةِ المَوَارِيثِ: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا أيُّها المسلمونَ: وإنَّ خيرَ ما يَشتَغِلُ بِهِ المٌسلِمُ في حَيَاتِه هو الفِقهُ في دينِه,والتَّبَصُّرُ في تَعالِيمِ شَرعِهِ،يَقولُ رَسُولُ اللهِ :"مَن يُردِ الله بِه خيرًا يفقِّهُّ في الدِّينِ" ولقد كانَ لِرَسولِ اللهِ نَظرَةٌ ثاقِبةٌ وَتخطِيطٌ لأعمالِ الخَيرِ والبِرِّ عَمِيقٌ, فحينَ قَدِمَ المدينةَ شَرَعَ في بِناءِ مَسجِدٍ يجمعُ فيهِ أصحابَهُ وَيَنطَلِقُونَ منهُ لِنشرِ الدِّينِ وتَعميقِهِ, غيرَ أنَّ نظرةَ الرَّسولِ وتَطَلُّعاتِهِ كانت أعمَقَ وأشملَ! فقد نَظَرَ الرَّسولُ إلى حاجَاتِ النَّاسِ ومصالِحِهِم ووجدَ أنَّهم يَجدِونَ عَنَاءً ومَشَقَّةً في استخراجِ المَاءِ العَذْبِ وتَوَفُّرِهِ,فَنَدَبَ المُسلِمينَ والتُّجَّارَ إلى بابٍ من أبوابِ البِرِّ عَظيمٌ,فَعن عُثْمَانَ ابنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلُ فِيهَا دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟"قالَ عُثْمَانُ:فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي،فَجَعَلتُها لِلغَنِيِّ والفَقِيرِ وابنِ السَّبِيلِ,وَجَعَلْتُ دَلْوِي فِيهَا مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ"
ولكم أنْ تَتَصَوَّروا يا كرامُ أنَّهُ من عهدِ النَّبِيِّ إلى وَقتِنَا الحاضِرِ وهذهِ البِئرُ قَائِمَةٌ مَعرُوفَةٌ بالمَدِينَةِ بِاسمِ بِئرِ عُثمَانَ،وَأجرُها جَارٍ لأَمِيرِ المُؤمنينَ رَضِي اللهُ عنهُ وأرضاهُ,
وفي الوقتِ الحَاضِرِ تَولَّت وِزَارَةُ الزِّرَاعةِ النَّظارَةَ عليها,وَصَرفَ رَيعِها فِي وُجوهِ الخيرِ والبِرِّ. إنَّها الأَوقَافُ الشَّرعِيَّةُ الخَيرِيَّةُ يا كِرامُ!نعَم الأَوقَافُ التي مَيَّزَ اللهُ بِها أُمَّةَ الإسلامِ عن سَائِرِ الأُمَمِ والأعمالِ!غيرَ أنَّ الوَقفَ أَفضَلُها وَأَدوَمُها وأَتقَنُها وأَعمُّها!
فلنتَعَرَّف يامؤمنونَ: على فَضَائِلِ الوَقفِ وَمَعَانِيهِ,وأوجُهِهِ وأحكامِهِ,ومَوانِعهِ,فكم نَحنُ بِحاجِةٍ إلى فِقهٍ,وزادٍ يُضاعِفُ أُجُورَنا,ويُباركُ لنا في أعمارِنا وأموالِنا وأولادِنا,فقد بتنا بِحمدِ اللهِ نسمعُ ونرى مَشاريعَ وقفِيَّةٍ خيريَّةٍ هنا وهناكَ, واستَمِعوا يا رعاكُمُ اللهُ:إلى المَثَلِ الرَّائِعِ والتَّقريبِ الفذِّ الذي ذكرهُ اللهُ في كتابِهِ حينَ قالَ: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ قالَ الشيخُ السَّعدِيُّ رحمهُ اللهُ ما مفاده: (هذا بيانٌ لِلمُضَاعَفَةِ لِمن يُنفِقُونَ أَموالَهم فِي سَبِيلِ اللهِ أي:في طَاعَتِهِ ومَرضَاتِهِ، وَأَولاها إِنفَاقُها في الجِهَادِ في سَبِيلِهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وهذا مِثَاٌل،يُشاهِدُهُ العَبدُ بِبَصَرِهِ لِيُشَاهِدَ هَذِهِ المُضَاعَفَةَ بِبَصِيرَتِهِ،فَتَنقَادُ النَّفسُ مُذعِنَةً لِلإنفَاقِ, سَامِحَةً بِها,مُؤمِّلَةً للمُضَاعَفَةِ الجَزِيلَةِ والمِنَّةِ الجَلِيلَةِ،من اللهِ واسِعِ الفَضْلِ والعَطَاءِ،لِمَنْ يَشَاؤهُ اللهُ,بِحَسَبِ حَالِ المُنفِقِ وإِخلاصِهِ وَصِدقِهِ,وبِحَسَبِ حَالِ النَّفَقَةِ وَحِلِّها وَنَفعِها وَوُقُوعِها مَوقِعِهَا).
عبادَ اللهِ إنَّهُ الوقفُ: أَحَدُ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ التَي لا تَنقَطِعُ بِوفَاةِ المَرءِ وفِرَاقِهِ,قَالَ: "إذا مَاتَ ابنُ آدَمَ انقَطَعَ عَمَلُهُ إلاِّ مِنْ ثَلاثٍ:صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ،أو عِلمٍ يُنتفَعُ به،أو وَلدٍ صَالِحٍ يَدعو لَهُ". الوقفُ يا مؤمنونَ: رِفعَةٌ لِلوَاقِفِ,وَعَمَلٌ يَقضيِ على الجَشَعِ والشُّحِّ, والأنانِيَّةِ وحُبِّ الذَّاتِ! الوقفُ رَحمَةٌ وإِحسَاسٌ! وهو أحدُ دَعَائِمِ الاقتصادِ الإسلاميِّ, ورافِدٌ للعملِ الخيريِّ!
فهو عَمَلٌ يسيرٌ وأجرٌ دائمٌ لا ينقطِعُ! الوقفُ إِحسَانٌ منكَ بِالمَالِ والقَولِ والعَمَلِ, وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلأرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ عن طَريقِ الوقفِ انتَشَرَ العلمُ والمَدارِسُ والمَكتَبَاتُ,وأُنشِئَت المُستَشفَياتُ،وبُنِيت الطُّرُقُ والقَنَاطِرُ والجُسُورُ, ناهيك عن بِنَاءِ مَساكِنِ الأيتامِ والضَّعَفَةِ وَرِعَايَةِ المُعَوَّقِينَ،خيرُ الأَوقافِ طالَ مُساعَدَةَ الشَّبابَ الرَّاغبينَ على الزِّواجِ!ولِلحقِّ فَقد تُهيأ السُّبُلُ والأموالُ لِجيلٍ لا تَتَهَيَّأُ لِغيرِهم,فَبِالوقفِ يُمكنُ استِفَادَةُ الأَجيالِ اللاَّحقة بِمَا لا يَضُرُّ الأَجيَالَ السَّابِقَةَ.
ومعنى الوقفِ باختصارٍ: هو تَحبِيسُ الأَصلِ وَتَسبِيلُ المَنفَعَةِ.فَالعَينُ مَوقُفَةٌ للهِ تعالى بَاقِيَةٌ فلا تُورَثُ، ولا تُبَاعُ، ولا تُوهَبُ, أمَّا رَيعُها وَمَنفَعَتُها فَتُصرَفُ في أوجُهِ الخَيرِ كُلِّها حَسْبَ تَوجِيهِ الوَاقِفِ لها. أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ أقولُ ما تَسمعونَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسائِرِ المُسلِمينَ من كلِّ ذنبٍّ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ شَرَعَ لِعبادِهِ من القُرُباتِ ما يُقرِّبُهم لِرِضوَانِهِ، وَيَرفَعُ مَنَازِلَهم في جِنَانِهِ، نشهدُ إلاَّ إله إلاَّ اللهُ الدَّاعي إلى جنَّتِهِ وغُفرانِهِ, ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ المؤيَّدُ بِبُرهانِهِ,صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ وأعوانِهِ, ومن تبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ. أمَّا بعدُ. فاتَّقوا اللهَ يامؤمنونَ: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ عبادَ اللهِ: وَأَشهَرُ حَدِيثٍ في الوَقفِ, تَقَرَّرت فِيهِ أَحَكامُ الوقفِ،وَحُدِّدَت فِيهِ مَصَارِفُهُ، وقد عَدَّهُ الفُقَهاءُ أَصلاً في تَنظِيم الأَوقَافِ، ما رواهُ ابْنُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ ابْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ يارسُولَ اللهِ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟فَقَالَ :"إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا" فَتَصَدَّقَ عُمَرُ بِهَا،وأَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا،وَلَا يُوهَبُ،وَلَا يُورَثُ؛وتَكُونُ فِي الْفُقَرَاءِ،وَالْقُرْبَى،وَالرِّقَابِ, وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَالضَّيْفِ،وَابْنِ السَّبِيلِ؛لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ،أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. وَفِي لَفْظٍ:غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً ". أي غَيْرَ جَامِعٍ وآخِذٍ من غيرِ حِلِّهِ. عبادَ اللهِ: إنَّ شجرةَ الأَوقافِ تَمتَدُّ جُذُورُها إلى عهدِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عليه، فإنَّه كانَ أجْوَدَ النَّاسِ وأبرَّ النَّاسِ وأحرَصُهم دَعوةً إلى التَّلاحُم وَرَفْعِ الفَقرِ وكَفِّ المَسغَبَةِ, وَلقد بَادَرَ الصَّحَابَةُ رِضوانُ اللهِ عليهم لذلِكَ,فَأَوقَفوا جُزءً مِن أموالِهم،وَحَبَّسوا بعضَ مُمتلكاتِهم قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه:لَم يَكُن أَحَدٌ مِن أصْحَابِ النَبِيِّ ذُو مَقدِرَةٍ إِلاَّ وَقَّفَ،فَأَوقَفَ أبو بَكرِ رضي الله عنه رِبَاعَاً لَه في مَكَّةَ على الفُقَراءِ والمَسَاكِينِ وفي سَبِيلِ اللهِ وذَوي الرَّحِمِ القَّريبِ والبَعيدِ,وأَوقَفَ عُثمانُ وعَلَيٌّ وسَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَابِرُ وعقبةُ والزُّبَيرُ رضي الله عنهم أجمعين. وعَائِشَةُ وأَمُّ سَلَمَةَ وَصَفِيَّةُ وأُمُّ حَبِيبةَ رَضيَ اللهُ عنهُنَّ,وكُلُّم يعلمُ أنَّ خَالِدَ بنَ الوَليدِ رَضيَ اللهُ عنهُ احتَبَسَ أَدْرُعَهُ وعَتَادَهُ في سَبِيلِ اللهِ.ثُمَّ سَارَ مِن بَعدِهمُ الأَغنيَاءُ والمُوسِرُونَ فَأوقَفُوا الأَوقَافَ في البِلادِ ونفَعوا العِبادَ،حتى قضَوا على بَواعِثِ الشُّحِّ التي يَؤزُّهم الشَّيطَانُ إِليها أَزًّا ويُخوِّفهم مِن الفَقرِ والعَيلَةِ،نُصْبَ أَعيُنِهم قَولُ اللهِ تَعالَى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ مُعتَضِدِينَ بقولِ النَّبيِّ الكريمِ عليهِ أفضلُ الصَّلاةِ وأزكى التَّسليمِ:"إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ،وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ،وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ،أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ،أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ،أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ،أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ" رواهُ بن ماجةَ وَحَسَّنَه الأَلبَانِيُّ. أَيُّها المؤمنونَ:مَنْ يَقرأُ تَاريخَ الأَوقَافِ عبرَ عُصُورٍ مَضَت يجِدُ حرصاً وَعَجَبًا!ومَن يَتأمَّلَ في زَمَنِنا يُدرِكُ عُمقَ الهُوَّةِ بَينَ مَاضِينَا وحاضِرِنا،وَسَبَبُ ذلِكَ واللهُ أعلمُ جَهلُنا بِقِيمةِ الوقفِ وَفَضلِهِ،وكذا التَّسويفُ الذي قطَعَ أعناقَ الرِّجالَ,وضَعفُ النَّاصِحِ والمُذكِّرِ بهذا الشَّأنِ,ولِلشُّحِ دَورٌ غَلابٌّ على ذَوِي السَّعَةِ والمالِ،وإنَّكَ لَتَعجَبُ مِمَّن وَهَبَهُمُ اللهُ مَلايِينَ مُمَليَنَةَ وأَسْبَغَ اللهُ عليهم نِعَما ظَاهِرَةً وبَاطِنَةً،ثُمَّ هم لا يُحدِّثونَ أَنفُسهم بِالوقْفِ ولا هم يَذَّكَّرونَ!فَكم مِن غَنِيٍّ وَاجِدٍ أَفنَى عُمُرَهُ فِي جَمعِ المَالِ وتِعدَادِهِ،قد أَصبَحَ بنكَاً وخِزَانَةً لِوُرَّاثِهِ، سألَ النَّبِيُّ أصحابَهُ فَقَالَ "أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ"قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ,قَالَ: "فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ" أَلا إنَّ المَالَ غَادِ ورَائِحٌ ومُقبِلٌ ومُدبِرٌ"وأفضَلُ الصَّدقَةِ مَا كَانَ عنْ ظهْرِ غِنَى" أَلا إنَّ مَنْ رامَ الفَلاحَ لِنَفسِهِ وَفَازَ مِــــــــــــن الدُّنيا بِمَـــــــــــالٍ وَافِي فَلا بُد أنْ يَسعَى حَثِيثَاً لِبَذلِهِ ويُخــــــــــرجَ بَعْضَـــاً مِنهُ لِلأَوقـَــــــافِي فَـَــذلِكَ فَــــوزٌ لِلغَنِيِّ وَبُلــــــــغـَـــةٌ لِيَجنِيَ فِي الأُخَرى عـَظِيمَ قِطَافِي ولنا مع الوقفِ بإذنِ اللهِ ووقفاتٌ,لِبيانِ أحكامِهِ وَمَصَارِفِهِ,وَتَصحِيحِ بعضِ مفاهيمِهِ, والحذَرَ من أن يكونَ الوقفُ سبَباً لِوقُوعِنا في الإثمِ والعدوانِ,أو سبَباً في القَطِيعةِ والهُجرانِ,رَزَقَنا اللهُ وإيَّاكم الفِقهَ في الدِّينِ,والسَّيرَ على نَهجِ سيِّدِ المُرسلينَ,وأنْ يَجعَلَنا مُباركينَ أينما كُنَّا,مَفاتيحَ لِلخير مغاليقَ للشرِّ ياربَّ العلمينَ, اللهم زيِّنَّا بزينةِ التَّقوى والإيمانِ,واملئ قُلوبَّنا بِحبِّك وتعظيمِكَ ووفِّقنا لما تحبُّ وترضى يا رحمانُ,اللهم طهِّر قلوبَنا من النفاقِ وأعمالَنا من الرياء وألسنتَنا من الكذبِ وأعيننا من الخيانةِ.اللهمَّ ثبِّتنا بالقول الثابتِ في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهادُ,اللهم وحِّد صفوفَ المسلمين,واجمع كلمتهم على الحقِّ والدِّينِ, واجعل ولاتَهم رحمةً على رعاياهم,واهدهم سبل السلام, واكفنا وإيَّاهم شرَّ الفواحشِ والفتن ما ظهر منها وما بطن ياربَّ العالمين, اللهم اغفر لنا ولِولدينا ولجميع المسلمين ياربَّ العالمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
بواسطة : admincp
 0  0  5.9K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:27 صباحًا الخميس 23 شوال 1445 / 2 مايو 2024.