آبَاؤنَا تَاجُ رُؤوسِنَا 8/4/1446هـ
آبَاؤنَا تَاجُ رُؤوسِنَا 8/4/1446هـ
الحمدُ للهِ العزيزِ الغَفَّارِ، خَلقَ الإنْسانَ مِن صَلْصالٍ كَالفَخَّارِ, أَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ لا تُدْرِكهُ الأَبْصَارُ وهو يُدرِكُ الأَبْصَارَ, وَأَشهدُ أَنَّ َنَبِيَّنا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إمَامُ الْمُتَّقِينَ الأَبْرَارَ, الَّلهُمَّ صَلِّ وَسلِّم وَبَارِك عَليه وعلَى آلِهِ الأطْهَارِ, وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ, والتَّابِعينَ لَهمْ بِإحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَ الَّليلُ والنَّهَارُ, وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يا عَزِيزُ يا غَفَّارُ. أمَّا بعدُ . فَاتَّقُوا اللهَ عبَادَ اللهِ وَأَنزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ, وَاعْرِفُوا لكِبَارِ الْسِّنِّ قَدْرَهُمْ وَقِيمَتَهُم. فَقد تَوَافَرَتِ النُّصُوصُ على إكرامِ وبرِّ ذِي الشَّيبَةِ الْمُسلمِ! كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ). حسنه الألباني. وَقال رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (مَن لَم يَرحمْ صَغِيرنَا، ويَعرف حَق كَبيرِنَا فَليسَ مِنَّا ) . رواه البخاريُ في الأدب الْمفرد. لِذا كَانَ حَقَّاً على الدُّعاةِ والْمُربِّينَ والْخُطَبَاءِ تَذكيرُ الْمُؤمنينَ بِعَظِيمِ حَقِّ الكِبَارِ علينا, فَهذا مِن أعظَمِ الحُقُوقِ وَأفْضَلِ القُرُباتِ. وَلَقَدْ ضَرَبَ لَنَا رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أروعَ الأمْثِلَةِ بِذلِكَ قَولاً وَتَطْبِيقَاً ! فَقَدْ أَمَرَ أَئِمَّةَ الْمَسَاجِدِ بِتَخْفِيفِ الصَّلاةِ مُرَاعَاةً لِكِبَارِ السِّنِّ ، فَقَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ». وَأخْبَرَ أَنَّ الأَكْبَرَ سِنَّاً يُقَدَّمُ فِي الإِمَامَةِ إذَا تَسَاوَوا فِي القُرْآنِ. وَرَخَّصَ لِمَنْ أَدْرَكَهُ الحَجُّ وَهُوَ شَيخٌ كَبِيرٌ لا يَسْتَطِيعُهُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ! وَفي حياتِهِ اليومِيَّةِ يُقَدِّمُ كِبَارَ السِّنِّ في الطَّعَامِ والشَّرَابِ كَمَا رَوى ابنُ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا سُقِيَ يَقُولُ: (ابْدَؤُوا بَالكُبَرَاءِ أو بِالأَكَابِرِ). وَجَاءَهُ مَرَّةً عُيينَةُ بنُ حِصْنٍ وَعندَهُ أبُو بَكْرِ وَعُمَرَ وَهُم جُلُوسٌ عَلى الأَرْضِ، فَدَعَا لِعُيينَةَ بِوسَادَةٍ وَأَجْلَسَهُ عَليهَا، وَقَالَ: (إذَا أَتَاكُمْ كَبِيرُ قَومٍ فَأَكْرِمُوهُ).
ألا تَعْلَمُونَ مَعَاشِرَ الآبَاءِ الكِبَارِ: أنَّكُم كِبارٌ في قُلُوبِنَا, كِبَارٌ في عُيونِنَا, كِبَارٌ بِعظيمِ حَسنَاتِكِم وَفَضلِكم بَعد اللهِ عَلينا، فَلَعَلَّنَا أنْ نُوَفِّيَكُمْ وَلو بَعضَ حَقَّكُمْ. فَقَدْ أمَرَنَا رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بأَنْ يُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلى الكَبِيرِ إجلالا لَهُ وَتَقْدِيرَاً !
مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: الوالدِانِ أعظَمُ النَّاسِ بِرَّاً وإحسَانً خَاصَّةً عندَ كِبَرِهِمَا كَمَا قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ).
مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: مِنْ أعْظَمِ الواجِبَاتِ لِكِبَارِ السِّنِّ , طِيبُ مُعَامَلَتِهم , وَحُسْنُ مُخَاطَبَتِهِمْ، وَالرَّدُّ بِأَجْمَلِ جَوابٍ لَهُمْ, فَأَلِنْ لَهُمُ الكَلامَ , وَخَاطِبْهُمْ بِعِبَارَاتٍ تَدُّل على عُلُوِّ مَرْتَبَتِهمْ كَقَولِكَ يَا والدِي يا عَمِّي. وَأَبْشِرْ فَ: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: لا تَنْسَوا أنَّ لِكِبَار السِّنِّ مَخْزُونٌ مِن التَّجَارُبِ فَشَاوِرُهُمْ في شُؤونِكُمْ تَجِدوا عِنْدَهُمْ خَيراً كَثِيراً. وَتعْظُمُ هَذِهِ الحُقُوقُ لِمَنْ زَادَتَ صِلَتُنَا بِهِمْ مِن وَالِدَينِ وَجِيرَانٍ، وَعُمَّارٍ لِبُيُوتِ اللهِ تَعَالى، فَهَذا رَجُلٌ كَبِيرُ سِنٍّ تَكَلَّفَ العَنَاءَ لِيصِلَ إلى الْمَسْجِدِ، فالواجب مُرَاعَاتُهُ والصَّبْرُ عَلى كُلِّ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ, احْتِرَامَاً وَتَقْدِيرًا لَهُ, وَتَعْظِيمَاً لِبُيُوتِ اللهِ. فاللهُمَّ اهْدِنَا لأحْسَنِ الأَعْمَالِ والأقْوالِ والأخلاقِ لا يَهدي لأحسَنِهَا إلَّا أنتَ واصرفْ عَنَّا سيِّئَها لا يصرفُ عَنَّا سيِّئَها إلَّا أنتَ. وَاغْفِر لَنَا وَلِوالِدينا ولِمَنْ لَهُم حَقٌّ علينا, وأمدَّ أعْمَارَ كِبَارِنا بالصِّحة والعافيةِ, وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ مِن كُلِّ ذَنْبٍّ وَخَطِيئَةٍ فَاستَغْفِرُوا اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ عَظيمِ الإحْسَانِ، أَشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ الْمَلِكُ الدَّيَّانُ، وَأَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْمَبعُوثُ بالرَّحمَةِ وَالأَمَانِ؛ صَلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلَى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسلِيماً على مَرِّ الزَّمانِ. أمَّا بعدُ. فَاتَّقُوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ واعلموا أنَّ تَقوى الله هيَ خَيرُ زادٍ ليومِ الْمَعادِ.
أيُّها الآبَاءُ الكِبَارُ الكِرامُ: أنتم خيرُ النَّاسِ إنْ أَحْسَنْتُمُ العمَلَ فقد قالَ نَبِيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (خَيرُكُمْ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ, وَشَرُّكُمْ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ).
عِبَادَ اللهِ : مِنْ الْمُؤْسِفِ أَنْ يَنسى الشَّبَابُ حُقُوقَ الكِبَارِ. والأَقْسَى أنْ يَكُونَ عَلَى آبَائِنَا تَعَدٍّ وأذِيَّةٍ وَاسْتِهْزَاءٍ! فاللهُ تَعالى يَقُولَ: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا).
مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: تَبَسَّمُوا فِي وُجُوهِ الْكِبَار، وَأَشْعِرُوهُمْ بِفَرَحِكْمْ لِرُؤيَتِهِمْ, بَادِرْهُم بالسَّلامِ وَتقْبِيلِ الرَّأْسِ واليَدَينِ وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ و : (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ). لاطِفُوهُمْ بالكلامِ امْدَحُوا أَعْمَالَهُمْ وأَثْنُوا على جُهُودِهِمْ ، واذْكُروا مَحَاسِنَهُم وَمَاضِيهِم، فَإنَّكَ قَطْعَاً سَتَكْسَبُ قُلُوبَهُمْ! أكْرِمُوهُمْ بِالهَدَايَا الْمُحبَّبةِ لَهُم، مَازِحُوهُمْ بِمَا يَشْرَحُ صُدُورَهُم، امْلَؤا فَرَاغَهُم بِمَا يَنْفَعُهُمْ، مِنْ رَحَلاتٍ وَعِبَادَاتٍ. زُورُوهُمْ وآنِسُوهُمْ ولا تَغْفُلُوا عَنْهُمْ. فَإنَّهُم أَحْوَجُ مِنَّا إلى هَذا!
أيُّها الكِرَامُ: احْذَرُوا مِن التَّدْقِيقِ على كِبَار السِّنِّ وَمُحَاسَبَتِهِم عَلى كُلِّ شَيءٍ, فَمَا عَادَ لَهُم صَبْرٌ على النَّقْدِ وَالأَخْذِ وَالرَّدِّ، وَمَا عَادُوا يَتَحَمَّلُونَ العِتَابَ.فَاتَّقُوا اللهَ فِيهِمْ , وَأَحْسِنُوا إليهم، فَإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَجَزَى اللهُ الْمُحْسِنِينَ فِي الْجَمْعِيَّاتِ الْخَيْرِيَةِ الْخَاصَّةِ بِكِبَارِ السِّنِّ وَإسْعَادِهِمْ, وَكَذَا دُورِ الرِّعَايَةِ الاجْتِمَاعِيِّةِ عَلى رِعَايَتِهِمْ والاهْتِمَامِ بِهِم. فَالَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ على مُحَمَّدٍ وَعَلى آلهِ وَصَحْبِهِ أجمَعينَ. اللَّهُمَ إنَّا نَسألُكَ حُسنَ القولِ, وَحُسْنَ الختامِ والعَمَلِ والْمُنقَلَبِ. اللَّهُمَ أصلِحْ لنا دِينَنَا الذي هو عِصمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لنا دُنْيَانَا التي فِيها مَعَاشُنَا، وَأَصْلِح لنَا آخِرَتَنَا التي إليها مَعَادُنَا. وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا مِنْ كُلِّ خَيرٍ، وَالْمَوتَ رَاحةً لنَا مِنْ كلِّ شَرٍّ. اللَّهمَّ عَافِنَا في أَبْدَانِنَا اللَّهمَّ عَافِنَا في أَسْمَعِنَا، اللَّهمَّ عَافِنَا في أَبْصَارِنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً, اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ, اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَأعِنْهُ على البِرِّ والتَّقْوى وَاشْفِهِ وَعَافِهِ مِن كُلِّ مَكْرُوهِ أَصَابَهُ. وَاجْزِهِ خَيراً على خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ, اللَّهُمَّ احفظ حدودنا وانصر جنودنا, اللهُمَّ أَهْلِكِ الظَّالِمِينَ بِالظَّالِمِينَ وَأَخْرِجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَينِهِمْ سَالِمِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عِبَادَ اللهِ: اذْكُروا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).