سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْبَاحِثُ عن الْهِدَايَةِ 25/4/1447هـ الحمدُ لله رَفَعَ بهذا الدِّينِ أقواماً وَوَضَعَ بِهِ آخَرِينَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وَليُّ الصَّالحينَ، وَأَشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ، اللهمَّ صَلِّ وسلِّم وبَاركْ عليه، وعلى آلهِ وأَصحَابِه، والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّينِ. أمَّا بعدُ: عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ ربَّكُم وأَصلِحوا قُلُوبَكم وأَعْمَالَكُم وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنتمْ مُؤمنينَ. (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ).
عِبَادَ اللهِ: مَنْ أَرَادَ الهِدَايَةَ وَسَعَى لَهَا وُفِّقَ وهُدَيَ! حَدِيُنَا الْيَومِ عَنْ شَابٍّ فَارِسِيِّ الأَصْلِ وَالْمَنْشَأِ، وَالِدُهُ مَجُوسيُّ الدِّيانةِ، بَلْ من سَدَنَةِ النَّارِ التي لا يَدَعُها تَخبُوا سَاعَةً لِيسْجُدَ النَّاسُ إليها، صَاحِبُنَا الشَّابُّ أَحَبَّ خَلْقِ اللهِ إلى أبيهِ مِنْ حُبُّهِ لَهُ وَخَوفِهِ عَليهِ حَبَسَهُ في بَيتِهِ كما تُحبَسُ الجَارِيةُ، قَالَ صَاحِبُنَا عَنْ نَفْسِهِ: اجْتَهَدتُ في الْمَجُوسِيَّةِ حتى كنتُ قَطِنَ النَّار فَلا أَترُكُهَا تَخبُو سَاعَةً! وَمَعَ ذَلِكَ فَفُؤادُهُ قَلِقٌ وحيرَانٌ! وَصَدَقَ اللهُ: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ). في يَومٍ دَخَلَ صَاحِبُنَا عَلى كنيسَةٍ لِنصارَى فَأَعجَبَتْهُ صَلاتُهم وَقَالَ: هذا خيرٌ من الذي نَحنُ عليه. فَخَافَ عَليهِ أَبُوهُ فَجَعَلَ قَيدًا في رِجْلَيهِ ثُمَّ شَدَّدَ عَليهِ حَبَسَهُ، لَكِنَّهُ اسْتَطَاعَ الْهَرَبَ إلى الشَّامِ بَحْثًا عنْ أَفْضَلِ أهلِ الدِّينِ فيها؟ قَالُوا: الأَسْقُفُ في الكنيسةِ، قَالَ: فَجِئتُهُ فَقُلتُ أَحْبَبتُ أَنْ أَخْدِمَكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ. فَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ فإذَا جَمَعُوا إليهِ شيئًا اكْتَنَزَ لِنَفْسِهِ ولَمْ يُعطِ الْمَسَاكِينِ شَيئًا، فَأَبغَضتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا، حتَّى تَنَقَّل بينَ عَدَدٍ مِنْ أَسَاقِفَةِ الْنَّصَارى، وَكَانَ آخِرَ الأَسَاقِفَةِ رَجُلُ بِعَمُّورِيَّةَ بِالشَّامِ بَعْدَمَا اكتَسَبَ صَاحِبُنَا بَقَراتٍ وَأَغْنَامٍ، بقَيَ عِنْدَهُ وَكانَ رَجُلاً صَالِحًا حتى نَزَلَ به أمرُ اللهِ فَقَالَ لَهُ: إلى مَن تُوصِيني؟ قَالَ أيْ بُنَيَّ، لَقَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ مَبعوثٍ بِدِينِ إبْرَاهيمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ العَرَبِ مُهَاجِرَاً إلى أرضٍ بينَ حَرَّتَينِ بَينَهُمَا نَخْلٌ يقصِدُ الْمدينةَ النَّبويَّةَ! وَمِنْ عَلامَاتِ هَذَا النَّبيِّ: أَنَّهُ يَأْكُلُ الهديَّةَ ولا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَبَينَ كَتِفَيهِ خَاتَمُ النُّبوَّةِ فإنْ استطعتَ أنْ تَلْحَقَ بِتِلكَ البِلادِ فَافعَلْ، قَالَ: فَمَرَّ نَفَرٌ من التُجَّارِ فقلتُ لهم تَحمِلُونِي إلى أرضِ العَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي وَغُنَيمَتِي، قَالوا: نَعَم فَظَلَمُونِي وَبَاعُونِي لِرَجلٍ مِنْ يَهُودَ، وَبينَمَا أَنَا أَعْمَلُ عندَهُ فَوقَ النَّخْلٍ،
إذْ أَقبَلَ ابن ُعَمِّه فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ بَنِي قِيلَةَ يعني الأَنْصَارَ! إنَّهم الآنَ مُجتَمِعُونَ بِقُبَاءٍ على رَجُلٍ قَدِمَ عليهم من مَكَّةَ يَزعُمُ أنَّهُ نَبِيٌّ، فَلَمَّا سَمِعتُها أَخَذَتْنِي رِعْدَةٌ فنَزَلْتُ عن النَّخلةِ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: ماذا تَقُولُ؟ فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً وقالَ: مَا لَكَ ولِهَذا؟ أَقْبِلْ على عَمَلِكَ.
اللهُ أكبرُ عِبَادَ اللهِ انْطَلَقَ صَاحِبُنَا مِنَ الشَّامِ إلى الْمَدِينَةِ النَّبويَّةِ بَاحِثًا عن الحقيقةِ والإسلامِ؟
أَعَرَفْتُمُوهُ؟ إنَّهُ أَبُو عبدِاللهِ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ وَأَرْضَاهُ. فكيفَ تعرَّفَ على رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ وَمَا شُعُورُهُ عِنْدَمَا رَأَى صِدْقَ نُبُوَّتهِ؟ هَذا مَا نَتَعَرَّفُ عَليهِ بِإذْنِ اللهِ تَعَالى! وَصَدَقَ اللهُ: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ). أَقُولُ ما سَمعتم وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ الْمُسلِمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، أَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ وَالتَّابِعينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ القَرَارِ.
أمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ، لِنتَّقِي اللهَ تَعَالى حَقَّ تُقاتِه، وَلْنَعْمَلْ على مَا تَكُونُ بِهَ نَجَاتُنَا غَدًا يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
عِبَادَ اللهِ: سَلمانُ الفارسيُّ رضي اللهُ عنهُ وأرضاهُ مَا إنْ سَمِعَ بِمَقدَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، حتى جَمَعَ ما عندهُ من طعامٍ ثُمَّ ذَهَبَ إلى رَسُولِ اللهِ بِقُبَاءٍ! فَقَالَ: بَلَغَنِي أنَّكَ رجلٌ صالحٌ ومعكَ أَصْحَابٌ ذَوُو حَاجَةٍ وهذا شيءٌ عندي للصَّدَقَةِ فَرَأيتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِن غَيرِكُمْ، فَقَرَّبْتُهُ إليهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ لأصحابِه كُلُوا وأَمْسَكَ يَدَه فَلَمْ يَأْكُلْ، فَقُلتُ فِي نَفْسِي هَذهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ جئتُهُ يَومًا آخَرُ وهو بِبَقِيعِ الغَرْقَدِ قد تَبِعَ جَنَازَةً وعليه شَمْلَتَانِ التَحَفَ بِهِمَا فَسَلَّمتُ عَلَيهِ ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إلى ظَهْرِهِ لأَرَى الخَاتَمَ الذي وُصِفَ لي فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ أَنِّي أسْتَثْبِتُ في شيءٍ, فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إلى الخَاتَمِ فانْكَبَبْتُ عليه أُقَبِّلُهُ وَأبْكِي! فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَبَرِي وَمُعَانَاتِي! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: (أَعِينُوا أَخَاكُمْ) لأَنْ يَكُونَ حُرًّا طَلِيقًا فَتَمَّ ذَلِكَ بِتَكَاتُفِ إخْوَانِهِ الْمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ، فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَقُولُ: سَلْمَانُ مِنَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ).
معاشرَ الشَّبابِ: سلمانُ الفارسيُّ مَدرَسةٌ في التَّضحيةِ والفِدَاءِ والبحثِ عن الدِّينِ والسَّعادَةِ, فأينَ منَ يَتَخَبَّطُونَ في الظُّلَمِ وَيَتِيهُونَ في أَوحَالِ الشَّهواتِ؟ بَحْثًا عَنِ السَعَادَةِ! فَإنَّ اللهَ تَعَالى يَقُولُ: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).
يَا شَبَابَ الإسْلامِ: دُونَكُمُ النُّورُ والهدايةُ وعندَّكم السُّنَّةُ والسَّعادَةُ وَاحْذَرُوا: (فمن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ). فاللهمَّ أَرِنَا الحَقَّ حَقَّاً وارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطلاً وَارْزُقْنَا اجتنَابَهُ, اللهمَّ اجْعَلِ القُرَآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ صُدُورِنَا وَجَلاءَ أَحْزَانِنَا، اللهمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَدُنْيَانَا التي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَآخرَتَنَا التي إليها مَعَادُنَا، اللهمَّ زيِّنَّا بزينةِ الإيمانِ و التَّقوى ،اللهُمَّ ارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، اللهم احشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَدَاً، اللهمَّ اغفر لنا ولوالدينا والْمسلمين أجمعين, الَّلهُمَّ أعزَّ الإسلامَ والْمُسلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّركَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، واجعل هذا البَلَدَ آمِنًا مُطمَئِنًا وَسَائِرَ بِلادَ الْمُسلِمِينَ. الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا، وَوَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِنَا، واجْزِهِمْ خَيراً على خِدْمَةِ الإسلامِ والْمُسلِمِينَ. الَّلهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنا وَاحْفَظْ حُدُودَنَا. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةَ وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارَ.(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).